icon
التغطية الحية

الأضخم بالشرق الأوسط.. ما حقيقة تجمّع "القاطرجي" الصناعي في الشيخ نجار بحلب؟

2024.06.01 | 06:55 دمشق

565765
"القاطرجي" يعلن عن تجمع صناعي في الشيخ نجار بحلب
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A

جاءت أنباء إطلاق مشروع "أكبر تجمّع صناعي في الشرق الأوسط" الذي أعلنت "مجموعة القاطرجي القابضة" عن إنشائه في منطقة الشيخ النجار، لتهيمن على أحاديث الناس في مناطق سيطرة النظام السوري عامة، وفي محافظة حلب بصورة خاصة.

ظهر الإعلان في تسجيل مصوّر بثّته أمس الجمعة "مجموعة القاطرجي" عبر منصات التواصل الاجتماعي، ليكشف عن تجمّع صناعي ضخم يمتد على "مساحة تصل إلى 3 ملايين متر مربع" داخل حدود مدينة الشيخ نجار الصناعية شمالي حلب.

وبحسب الإعلان، فإن مدة تنفيذ المشروع ستستغرق 12 شهراً فقط، سيتم خلالها "تجهيز 357 منشأة صناعية مختلفة، وسيوفر 300 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة"، معتمداً على الطاقة البديلة "بإنتاج يصل إلى 150 ميغا واط من التيار الكهربائي".

على ضوء المعطيات والأرقام الواردة في الإعلان، فإن التجمع الصناعي المذكور -في حال تنفيذه، فإنه سيُحدث بالتأكيد نقلة نوعية وغير مسبوقة في اقتصاد النظام السوري المتأزّم والمنهار من جراء الخراب الذي خلفته آلة حربه منذ عام 2011.

بل إن المشروع -في حال إنجازه وفقاً لما ورد في الإعلان- سيكون الأول من نوعه ليس خلال الـ13 سنة الأخيرة فحسب، وإنما في تاريخ نظام الأسدين الأب والابن منذ سيطرة الأول على البلاد قبل أكثر من 5 عقود، وذلك نظراً للتنوع الصناعي والاقتصادي للمنشآت المعلن عنها، ونظراً للعدد الهائل من فرص العمل الذي سيوفرها (300 ألف فرصة)، بالإضافة إلى الفترة القياسية المرصودة لتنفيذ المشروع والمحددة بسنة واحدة فقط.

فهل ستتمكن "القاطرجي القابضة" من تنفيذ "وعدها" في ظل أزمة الوقود اللازم لتشغيل مئات الآليات المستخدمة في المشروع، وفي ظل شحّ الكهرباء الذي يحتاج مشروع بهذا الحجم في اليوم الواحد لكميات تكفي لإنارة مدينة حلب بكاملها، وبشكل متواصل؟ خاصة وأن ألواح الطاقة الشمسية لا يمكن استخدامها كبديل للوقود والكهرباء في أعمال الحفر والتشييد والبناء.

ما مصادر تمويل ودعم مشروع التجمّع؟

لا يوجد شكّ في امتلاك مجموعة القاطرجي الأموال الطائلة، سواء من عائدات شراء صهاريج النفط وتهريبها من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية/ قسد" بوصفها -المجموعة- المحتكر الوحيد لسوق النفط المحلية، أو من عائدات تهريب المخدرات إلى تلك المناطق وغيرها. كما لا يوجد شك بالعلاقات الوطيدة بين المجموعة وأركان النظام السوري وأجهزته الأمنية؛ إلا أن تلك الأموال والعلاقات ليست المصدر والداعم الوحيد لتمويل مشروع بحجم التجمّع الصناعي المعلن عنه.

ولمعرفة مصادر التمويل الأخرى والداعمين المشاركين، لا بد من العودة إلى النصف الأول من العام 2021 الذي شهد الهيمنة المطلقة لـ "مجموعة القاطرجي" على المنظومة الاقتصادية في حلب. تلك الهيمنة -وفق ما ذكر تقرير سابق لموقع تلفزيون سوريا- جاءت بعد تشكيل "تكتّل" ضم عشرات التجار ورجال الأعمال المقربين من المجموعة، والمنضوين تحت مظلة "غرفة تجارة حلب" التي أضحت أحد أهم مكاسب المجموعة في ذلك العام.

امتلك ذلك التكتل أهم أدوات التحكم في وسائل الإنتاج والتسويق في الوضع الراهن للاقتصاد السوري "الميليشياوي"، كالطرق وشركات الحماية والنقل وممرات التهريب والمواد الخام والحواجز والتحويلات المالية والخدمات التسويقية وتنظيم عمليات الاستيراد وتشمل تحديد المواد والأنواع التي يسمح باستيرادها.

وخلال الأشهر الأولى من ذلك العام (2021)، عمل "تكتّل مجموعة القاطرجي" على شراء عدد كبير من المجمعات والمقاسم الصناعية في الشيخ نجار، وفي منطقة الراموسة الصناعية الواقعة في القسم الجنوبي الغربي من المدينة، والتي تتركز فيها عمليات تصنيع لوازم السيارات ومركبات النقل وإصلاح الشاحنات والصهاريج.

إضافة إلى كل ما سبق، تربط أطراف التكتّل المزعوم علاقات وطيدة مع المنظومتين الأمنية والعسكرية للنظام، مع تمثيل واسع في السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (مجلس الشعب). وبذلك، امتلكت المجموعة النصيب الأكبر من الاستثمارات في الخدمات والسياحة والعقارات وعمليات الاستيراد والتهريب.

ولا يمكن بشكل من الأشكال تجاهل الطرف الأهم في المشروع، إيران وميليشياتها، التي تحكم قبضتها الأمنية والعسكرية على مفاصل المدينة ومحيطها، والتي يستحيل رفع حائط من المشروع بدون موافقتها وإعطاء ضوئها الأخضر.

وكانت مدينة الشيخ نجار الصناعية قد تعرضت منذ عام 2012 لعمليات تدمير وسرقة ممنهجة للمنشآت على يد قوات النظام السوري، ووصلت قيمة الخسائر إلى أكثر من 25 مليار دولار، بحسب تقرير أوردته صحيفة "العربي الجديد".

القاطرجي والتمهيد لمشروع الشيخ نجار الصناعي

قبل حركة شراء القاطرجي للمقاسم والعقارات في الشيخ نجار بنحو سنتين، أي في عام 2019، شهدت المدينة الصناعية إغلاقاً متتالياً لمعامل صهر الحديد والصلب التي كانت قد عادت إلى العمل بعد توقف الاشتباكات في المنطقة.

وأعلن حينذاك أكثر من 30 معملاً ومنشأة صناعية كبيرة ومتوسطة، التوقف عن العمل. وهذه المنشآت مختصة بإنتاج المعادن المستخدمة في الإنشاءات والأعمال الهندسية، وتشكيل الصاج وسحب الأسلاك الحديدية، وصهر وسكب المعادن، وغيرها من منتجات الحديد المعاد تصنيعه.

السبب المباشر لإغلاق تلك المعامل، بحسب تقرير أوردته صحيفة "المدن"، يعود إلى ضغط وتسلط ميليشيات النظام على أصحاب المنشآت منذ منتصف العام 2018. المليشيات فرضت ضرائب ترسيم مرتفعة على عمليات توريد وشراء الخردة اللازمة لتشغيل المعامل، ووصلت قيمة الترسيم في بعض الأحيان إلى 100 ليرة سورية لكل كيلو من الحديد الخردة. هذا، بالإضافة إلى الضرائب التي فرضتها "الفرقة الرابعة" على مصانع صهر الحديد في الشيخ نجار، بما يشمل "رسوم" التشغيل والحماية، وتسهيل عمليات النقل إلى صالات العرض والتسويق.

تسببت تلك الضرائب المرتفعة بزيادة أسعار المنتجات وعرقلة عمليات تسويقها وانخفاض الطلب عليها. هذا التركيز أثار تساؤلات عن المستفيد من إغلاق المنشآت وإفلاسها، إذ ليس من مصلحة الميليشيات الضغط على أصحاب المنشآت حتى تتوقف عن العمل، طالما أنها تدفع الضرائب بشكلها المعتاد.

حينذاك، اتهم أصحاب مصانع الصهر مجموعة القاطرجي بالوقوف وراء سياسة الضغط لإغلاق مصانعهم، بهدف احتكار صناعة صهر الحديد وكل الصناعات المتعلقة بها في حلب. وتزامنت الاتهامات مع الإعلان عن تأسيس "شركة فولاذ للصناعات المعدنية المساهمة المغفلة الخاصة" في حلب، برأسمال 100 مليون ليرة، والتي يملك أحمد قاطرجي حصة 40 بالمئة من الشركة. وأحمد هذا ابن محمد براء قاطرجي، المدرج على لائحة العقوبات الأميركية بسبب دوره في تأمين صفقات نفطية بين النظام وتنظيم "الدولة" (داعش).

ويرى صناعيو حلب أن التضييق على أصحاب مصانع الصهر ودفعهم إلى إغلاقها، كان بشكل مقصود لتسهيل عمل مجموعات وشركات القاطرجي. وهذا بالفعل ما تحقق لاحقاً مع امتلاك وسيطرة "تكتّل القاطرجي" على مقاسم المدينة الصناعية، وصولاً إلى الإعلان عن إنشاء "التجمع الصناعي الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط" اليوم.

مجموعة القاطرجي

تنحدر عائلة القاطرجي من مدينة الرقة، وأبرز أبنائها عضو مجلس الشعب حسام أحمد رشدي قاطرجي، المقرب من بشار الأسد، ورئيس مجلس إدارة "مجموعة قاطرجي الدولية". وقد وضع اسم حسام قاطرجي في قائمة العقوبات الأوروبية (21 كانون الثاني 2019) بسبب علاقته ودعمه واستفادته من النظام.

وأعضاء مجلس إدارة "القاطرجي الدولية" هم محمد براء، وحسام، ومحمد آغا القاطرجي. وتضم الشركة مجموعة شركات تم إنشاؤها خلال السنوات الماضية، تعمل في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية، والتجارة والنقل، والصناعة، والاستثمارات والتنمية والنقل والسياحة والعقارات وتجارة النفط. كما حصلت على ترخيص "شركة أليب للحلول والدراسات الأمنية".

وكان لمجموعة القاطرجي الدولية دور كبير بدعم النظام خلال السنوات الماضية من خلال مساهمتها في المبادلات التجارية بين الأخير وتنظيم "الدولة"، وبين النظام و"قسد" التي ما تزال مساهمتها مستمرة في عمليات تجارة النفط والحبوب والأسلحة، والمخدرات أيضاً.