الأسد وسجادة أبو ظبي الحمراء

2023.03.27 | 05:54 دمشق

حاكم أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان وبشار الأسد رئيس النظام السوري ـ رويترز
+A
حجم الخط
-A

فرشت أبو ظبي السجادة الحمراء بلون دم الضحايا للأسد، صورة آلمت الملايين من ضحايا الأسد وآذت شعورهم، أن يروا قاتلهم يرحَّب به في القصور، أن يشاهدوه وهو يمثل كأنه لم يفعل شيئا أو يقم بشيء، تلتقط له الصور في ضيافة قصر أبو ظبي مرحَّبا به على ما قام به بحق سوريا والشعب السوري حيث قتل وشرّد الملايين ورهن البلاد ومستقبلها لصالح دول أجنبية لم ترد لسوريا وشعبها يوما خيرا كروسيا وإيران.

صور تكررت على شاشات التلفزة الأسبوع الماضي لكنها ستبقى محفورة في ذاكرة الملايين من الضحايا السوريين من دون أن ينبس حاكم أبو ظبي بكلمة بحق الملايين من الضحايا السوريين، يتم محوهم من الذاكرة بسرعة البرق ويتم الدعس على حقوقهم ومشاعرهم.

في دولة المؤسسات الديمقراطية ثلاثة عوامل تؤخذ بعين الاعتبار دوما عند اتخاذ أي قرار يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية، العامل الأول هو بالطبع الدعم الشعبي لهذا القرار بحكم أن أية سلطة منتخبة تكون قد وصلت إلى السلطة لتحقيق مصالح الشعب أو على الأقل كي تعكس مصالح الناخبين الذين انتخبوها، العامل الثاني هو العقلانية في اتخاذ القرار فالمؤسسات الديمقراطية بكل تأكيد تبطِئ اتخاذ أي قرار لأن عليه أن يمر بكثير من المؤسسات التي عليها أن توافق عليه من مثل مجلس الوزراء مجتمعا أو الحكومة ومن مثل البرلمان وأحيانا القضاء ممثلا في المحكمة الدستورية العليا إذا وجدت المعارضة في هذا القرار خرقا دستوريا، أما العامل الثالث فهو تبرير أو تسويق هذا القرار للشعب برمته وهو ما يعني كسب الإعلام لصالحك إذا كنت تريد الفوز في الانتخابات المقبلة فحصولك على الدعم الشعبي مهم جدا في هذا الإطار.

سابقا قام وزير الخارجية الإماراتي برحلة بطائرته إلى دمشق للقاء مجرم الحرب الأسد رغم أنه يعرف أن الأسد هو حليف إيران الموثوق في المنطقة بل وأكثر من ذلك استدعى مئات الألوف من مرتزقتها من أجل قتل السوريين في وطنهم

لكن في دول تغيب عنها كل هذه المؤسسات كالإمارات نجد غيابا كاملا لكل هذه العوامل بل إن السلطة حينئذ تعمل بعكس هذه العوامل كلية، ولذلك تجد العشوائية في اتخاذ القرارات، وعدم احترام الرأي العام، وعدم احترام المصالح العليا للشعب، ويصبح الهدف الوحيد هو مصالح النخبة الحاكمة، والأسوأ من ذلك أن السياسة الخارجية تصبح عشوائية بشكل يصعبُ فيه تصوُّرُ أنّ قيما ما تحكمها أو تحدد بوصلتها، إذ يمكن أن تصحو صباحا وتجد الإمارات وقد استضافت الأسد من دون أية ممهدات أو مبررات لهذه الزيارة وفي تحدّ واضح لسياسة الولايات المتحدة الحليف القوي للإمارات.

سابقا قام وزير الخارجية الإماراتي برحلة بطائرته إلى دمشق للقاء مجرم الحرب الأسد رغم أنه يعرف أن الأسد هو حليف إيران الموثوق في المنطقة بل وأكثر من ذلك استدعى مئات الألوف من مرتزقتها من أجل قتل السوريين في وطنهم، وهو يقول لنا إن سياسته الخارجية تقوم على محاربة إيران في المنطقة، من الصعب أن نفهم إذا ماهيّةَ القيمِ التي تعكسها هذه السياسة الخارجية، تحالف مع إسرائيل التي تقصف الأسد يوميا وتحالف جديد مع الأسد الذي هو تحت العقوبات الأميركية والأوروبية بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري.

هذه السطور السابقة تعكس تماما فوضى السياسة الخارجية الإماراتية وفوضى القرار العقلاني الذي يحكمها فأصبحت قائمة فقط على العشوائية والتخبط بهدف تحقيق اهتمامات شخصية أكثر منها وطنية أو عربية، إنها انشقاق كامل عن المحيط العربي وتحول باتجاه سياسة عشوائية تقوم على الفائدة الشخصية، إنها انهيار كامل لفكرة أن القيم هي من يحكم أية سياسة داخلية أو خارجية وتحويل هذه القيم إلى مجرد ربح مادي يبحث عن العائد والفائدة بدل أن تكون السياسة كما هي في صلبها احترام المصالح القريبة والبعيدة للمواطنين.

بالطبع لا يحتاج حاكم أبو ظبي إلى تبرير سياسته الخارجية هذه، فلا وجودَ لبرلمان ولا وجودَ لمؤسسات حكومية ولا وجودَ لانتخابات ديمقراطية يمكن أن تحاسِبَ المسؤول على أفعاله وقراراته، ولذلك يقال دوما إن الديمقراطية هي ترشيد للسياسة الداخلية والخارجية وتطعيمها بالعقلانية الضرورية التي يمكن أن تبرر قرارات السياسة الداخلية والخارجية.

لكن عندما تغيب هذه المؤسسات الديمقراطية تكون النتيجة سياسة عشوائية متخبطة يقررها فرد فننام على سياسة ونصحو على سياسة معاكسة تماما وهو ما يجعل الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء يشكّون في مدى موثوقية هذه السياسة وجدواها على المديَين القريب والبعيد.