الأزمة المتصاعدة في الشرق الأوسط قد تدفع لاستقرار مستدام

2024.04.15 | 09:18 دمشق

مجلس الأمن
+A
حجم الخط
-A

تحتل منطقة الشرق الأوسط موقع الصدارة في قائمة المناطق غير المستقرة في العالم، فنتيجة لعدة عوامل ثقافية وتاريخية واقتصادية وجغرافية وسياسية أصبحت هذه المنطقة مكبّلة بظروف ومتغيرات بالغة الدقة والخطورة، وهو ما جعلها مصدرا للتوترات والنزاعات. والمشكلة الأكبر هي أن الشرق الأوسط كان دائما هكذا، ولم يتم التمكن من إصلاحه أبدا، فكل حرب تلد أخرى، وكل تسوية تخلق كثيرا من الاضطراب والانقسامات.

قد يكون من المستفزّ القول إن الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بذلت وتبذل جهودا كبيرة من أجل استقرار هذه المنطقة، ولكنها الحقيقة التي لا تقبل الشك رغم أنها تتناقض تماما مع المعارف السائدة، فالتوترات بين البلدان أو داخلها معدية دائما، وعدم الاستقرار والصراعات يؤدي في نهاية المطاف إلى أزمات اقتصادية وتشجيع على الهجرة. وهذا بدوره يخلق صدمات ثقافية ويغذي الحركات اليمينية المتطرفة والقومية. هذا مع الاعتراف بأن بعض السياسات الدولية كانت أحد أسباب زيادة التوتر ولكنها – غالبا – نتيجة غباء وسوء تقدير.

وقبل الاعتراض على عبارة "سياسات غبية" يمكننا عرض بعض الأمثلة التي تشير إلى نوع من الغباء المفرط في السياسة الأميركية، فمن حرب فيتنام إلى حرب العراق وأفغانستان، إلى فتح أسواق الغرب أمام الصين على أمل احتوائها؛ فكان أن أصبحت ماردا يقض مضجع الغرب في ظل عجز تام عن فرملة صعودها الصاروخي. وعلى هذا المنوال يمكن سردُ كثيرٍ من الأمثلة، ولعل أهمها السياسة التي أطلقتها إدارة باراك أوباما، وتابعتها إدارة "ترامب" و"بايدن"، والهادفة إلى الحد من تدخل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط والتمحور بعيدا إلى شرق آسيا.

مع قرارها بالتحلل من مسؤولياتها في الشرق الأوسط أبقت الولايات المتحدة الأمور على حالها، إذ لم تحاول معالجة القضايا الأساسية والجذرية في المنطقة، مثل الحاجة إلى إنشاء دولة فلسطينية، أو ضرورة وقف جهود زعزعة الاستقرار الإيرانية المتواصلة عبر شبكة إقليمية من الميليشيات المسلحة. وفاقم هذا التقاعس وقلة الاهتمام الأمور، وأوصل المنطقة إلى ما وصلت إليه اليوم. وها هي اليوم تقول كما قال "مايكل كورليوني" في فيلم العرّاب: "عندما ظننت أنني قد خرجت من كل شيء، سحبوني إليهم مرة أخرى".

مع قرارها بالتحلل من مسؤولياتها في الشرق الأوسط أبقت الولايات المتحدة الأمور على حالها، إذ لم تحاول معالجة القضايا الأساسية والجذرية في المنطقة

تؤثر قضايا الشرق الأوسط على الولايات المتحدة، وتعدّ من مشكلاتها أيضا. ومع تساقط قواعد الاشتباك وتناقص الاحترام للقوانين الدولية وفقدان فاعلية مجلس الأمن أصبح شبح الحرب الشاملة يخيّم على الأجواء، ويعتقد الأميركيون أن هذه الحرب الإقليمية الكبرى إذا اندلعت ستهز الاقتصاد الأميركي والدولي، وستؤثر على الانتخابات والتحالفات. وأصبح تجنبها الآن هدفا أسمى لإدارة الرئيس الأميركي "جو بايدن". ولدى كلٍّ من إسرائيل وإيران استحقاقات مشابهة تجعل من مسألة تجنب مواجهة مفتوحة هدفا مشتركا بين جميع الأطراف.

ولكن رغم ذلك، يبقى احتمال أن تتجه الأمور نحو التصعيد واردا، فسوء التقدير الذي هو أحد أهم أسباب الحروب قد يفعل فعله، لكن الأهم في الأمر أن الأزمة التي تخيم على منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، سواء انزلقت إلى حرب إقليمية كبرى أم لا؛ فإنها جعلت من فكرة البحث عن حلول تجلب الاستقرار المستدام، أو الاستقرار الطويل الأجل ضرورة ملحة، وهذا ما عهدناه مع الأزمات الدولية والإقليمية الكبرى، فعندما تدخل الأمور في مرحلة الخطر وتشعر الدول الكبرى أن الضرر سوف يطولها تضاعف جهودها من أجل اجتراح الحلول.

لكن علينا ألا ننسى أنه في منطقة واجهت عقودا من الظلم وتخلف النمو، واتخذت معظم أنظمتها السياسية من حالة التوتر الدائم ركيزة أساسية تستند إليها في سياساتها الداخلية والخارجية لن يكون الأمر بهذه السهولة، فبناء على حالة التوتر هذه يتم صرف انتباه المواطن عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبناء عليها تفرض حالات الطوارئ وتعدل الدساتير وتصادر الحريات. من هنا علينا أن نتصور مقاومة شرسة من الأنظمة التي تعتاش على الأزمات والتوترات، وصممت هيكل سياساتها الخارجة والداخلية على هذا الأساس.

إذن، ستخلق الأزمة المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط رغبة جامحة لدى الدول الكبرى للبحث عن تفاهمات واتفاقيات تفضي إلى استقرار مستدام، وستصطدم هذه الرغبة والمحاولات بمقاومة عنيدة من بعض الأنظمة التي تعتبر التوتر الدائم في المنطقة ركيزة بقائها واستمرارها في الحكم (من بينهم المتطرفون الصهاينة)، وهذه الأنظمة هي ذاتها التي تروج لفكرة أن الغرب يفتعل الأزمات في المنطقة وأنها تتصدى لمحاولاته. وهكذا سيبقى الأمر منوطا بمدى قدرة هذه الأنظمة على الإبقاء على الوضع الراهن؛ في مقابل قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على فرض الحلول.

تقضّ الأزمات في العالم مضجع الغرب وتدفعه إلى جهود الوساطة ورعاية الاتفاقيات والتسويات، ويكفي هنا أن نراقب الأزمات السياسية التي خلقتها موجات اللجوء السورية في الدول الأوروبية رغم تواضع أعداد اللاجئين السوريين قياسا للمتوقع من دول أكبر، ويكفي أن نراقب الاضطراب في الأسواق العالمية وتعثر الاقتصاد في العالم وغياب الأمن عن طرق التجارة العالمية نتيجة للحروب والتوترات لكي نعلم لماذا يبحث الغرب عن الاستقرار، لكن الاستقرار يبقى صعب المنال ما دامت هناك "محاور ممانعة ومحاور مقاومة".