icon
التغطية الحية

استقالة رئيسة وزراء نيوزيلندا.. متى يجب على المسؤول أن يقود أو يتنحى؟

2023.01.19 | 13:07 دمشق

جاسيندا أردرن
جاسيندا أردرن
 تلفزيون سوريا ـ عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

ليس مفاجئاً أن يستقيل مسؤول في دولة غربية وهو في قمة عطائه، خصوصاً إن كانت هذه الاستقالة منطلقة من دافع شخصي وليس ضمن ضغوط حزبية أو شعبية أو بتهم فساد مالي وإداري أو حتى أخلاقي.

وضمن عنصر "اللامفاجِئة" بالنسبة لنا كعرب أو أبناء دول العالم الثاني والثالث، أعلنت رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أردرن اليوم الخميس أنها ستتنحى عن منصبها بحلول 7 شباط المقبل، في أول مؤتمر صحفي لها بعام 2023.

وقالت أردرن وهي تبكي في رسالة مؤثرة إلى شعبها: "كوني رئيسة للوزراء كان أعظم شرف في حياتي وأود أن أشكر النيوزيلنديين على الامتياز الهائل لقيادة البلاد على مدى السنوات الخمس والنصف الماضية"، بحسب وكالة "د ب أ".

وأضافت أردرن البالغة من العمر 42 عاماً، "مع تولي مثل هذا الدور المتميز تأتي المسؤولية، بما في ذلك مسؤولية معرفة متى تكون الشخص المناسب للقيادة، وأيضاً عندما لا يكون كذلك"، مؤكدة أن هذا الدور أخذ منها الكثير.

وأضافت: "لا يمكنك ولا ينبغي لك القيام بالمهمة ما لم يكن لديك خزان ممتلئ، بالإضافة إلى احتياطي قليل لتلك التحديات غير المخطط لها وغير المتوقعة التي تأتي حتماً".

وقالت أردرن إنه بالإضافة إلى القضايا الطويلة الأجل مثل الإسكان وفقر الأطفال وتغير المناخ، كان عليها أيضاً التعاطي مع هجوم إرهابي محلي وثوران بركاني وجائحة وأزمة اقتصادية تلت ذلك، مشيرة إلى أن "القرارات التي كان لا بد من اتخاذها كانت ثابتة وثقيلة".

وشددت "أعرف ما تتطلبه هذه المهمة، وأعلم أنه لم يعد لدي ما يكفي في الخزان لتحقيق العدالة. الأمر بهذه البساطة".

ستغادر أردرن منصبها الحكومي بعد خمس سنوات قضتها في الخدمة منذ انتخابها عام 2017، وهي أصغر رئيسات الحكومات في العالم حينذاك، والثانية فقط التي تصبح أماً وهي ما تزال في منصبها.

أكبر استقالة ممكنة

قبل يومين من خبر استقالة رئيسة الورزاء النيوزيلندية، تقدمت وزيرة الدفاع الألمانية كريتستين لامبرخت من المستشار الألماني أولاف شولتز قبول استقالتها، بسبب انتقادات طالتها بخصوص صلاحيتها لمنصب أمني من هذا النوع، بحسب شبكة "سي إن إن".

قد يمرّ الخبر عادياً بالنسبة إلينا كشعوب مهجرة في الشتات وأبناء الدول العربية التي فشلت في تأسيس نظم ديمقراطية فيها مستوى أدنى من الشفافية والمساءلة وفصل السلطات للعديد من الأسباب والمعطيات.

ولو أردنا تعداد حالات استقالة الوزراء التي حصلت وتحصل من حين إلى آخر في الدول الديمقراطية قد لا نحيط بذلك بسهولة، لكثرة الأمثلة والأسماء والتي يدور معظمها في فلك تهم فساد أو تقصير أو المنافسة الحزبية، ولكنها تحصل في النهاية.

ولعل أكبرَ استقالة يمكن تخيّلها في العالم العربي هي الاستقالة من الوظائف، والتي قد تحتاج إلى موافقة أمنية من أجهزة المخابرات ببعض الدول مثل سوريا التي لا يستطيع فيها المسؤول التقدم بطلب استقالة لأنه لم يأخذ رأيه في التعيين أصلاً.

وفعلاً حتى عندما تسأل "غوغل" عن موجبات استقالة رئيس أو مسؤول من منصبه، يعطيك نتائج متعلقة بأخبار استقالات عالمية نعرفها جميعاً، وتتصدر نشرات الأخبار مثل استقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في  تموز 2022 لاتهامه بعدم التقيد بتدابير كورونا التي فرضها على الشعب، ثم استقالة خليفته ليز تراس بعد 45 يوماً من تسلّمها المنصب لفشلها في تطبيق خطتها الاقتصادية.

ويضع غوغل أسباب عديدة تدفعك للاستقالة من وظيفتك بعناوين جاذبة أو من التي نستخدمها في الصحافة الرقمية لجذب القراء وضغط "كلكْ" (نقرة) ليزداد قراء الخبر، ومثل هذه العناوين "متى يجب عليك الاستقالة؟"، "استقالة موظف من العمل قد تكون مُعدية.. ماذا تعرف عن عدوى التحوّل؟"، "14 سبباً تدعوك لترك وظيفتك (فوراً)"، "للمديرين والـHR.. علامات تظهر نية الموظف على الاستقالة"، وهكذا..

ما هي الاستقالة سياسياً؟

وتُعرف الاستقالة في علوم الإدارة بأنها ترك المنصب أو العمل منه للعديد من الأسباب، أما الإقالة فهي ما يُجبر المسؤول أو الموظف على فعله، أو ما قد يصدر بحقه من قرارات إقالة أو فصل تعسفي أو إنهاء عمل أو تعاقد.

وفي العلوم السياسية أو ما يعرف أكاديمياً بعلم الاتصال السياسي، يوجد أنواع للاستقالة ويمكن استخدامها سياسياً والاستفادة منها أيضاً، خاصة في الحالات الحرجة وإعادة ترتيب الأوراق الداخلية في حزب أو حركة أو وزارة أو دولة.

مناورة سياسية

ويمكن أن تكون الاستقالة مناورة سياسية، مثل حالات الضغط التي يقوم بها وزراء بشكل جماعي للضغط على رئيس الحكومة لتقديم استقالته، وهكذا حدثَ في الفلبين في تموز عام 2005 عندما استقال 10 وزراء بشكل جماعي للضغط على الرئيسة جلوريا ماكاباجال أرويو لتقديم استقالتها على خلفية تزوير الانتخابات.

ولعل أشهر حوادث التاريخ العربي الحديث في الاستقالة هي مناورة جمال عبد الناصر بعد نكسة عام 1967 التي خسر فيها العرب أمام إسرائيل بما يعرف بحرب الخمسة أيام، حين استقال من منصبه متحملاً المسؤولية ونزلت الجماهير تطالب بعودته إلى منصبه، فعاد فوراً!

الهروب من الانتقادات

في عام 1995، استقال رئيس الوزراء البريطاني، جون ميجور، من منصب زعيم حزب المحافظين من أجل خوض انتخابات القيادة بهدف إسكات منتقديه داخل الحزب وإعادة تأكيد سلطته. بعد استقالته، وقف مرة أخرى وأعيد انتخابه. وظل رئيساً للوزراء حتى هُزم في انتخابات عام 1997 .

مغامرة "وداعية"

وفي حالة خسارة الأوراق أو انخفاض الشعبية يفضل السياسيون المتمرسون، أن يقدموا على الاستقالة بخطاب وداعي يمكنهم من توضيح ظروف خروجهم من المنصب عبر إلقاء خطاب قوي يذكر بالمناقب والحسنات والمشاريع، ما قد يحظى باهتمام شعبي كبير ومغامرة قد تنهي المستقبل السياسي وقد تعيد له شعبيته.

ثقافة الاستقالة

وعموماً في العالم العربي سواء الذي شهد ثورات شعبية أو المستقرة بأنظمتها الاستبدادية، لا نعرف ثقافة الاستقالة، ما اضطر الناس للخروج بثورات شعبية عارمة عام 2011 للمطالبة بإسقاط النظام الذي يرأسه حاكم مستبد، يتبنى فكرة سلطوية قائمة على مقولة "من القصر إلى القبر" أو الأبدية إلى جانب توريث الحكم.

ومع أن تهم فساد بسيطة قد تودي بحياة سياسي غربي، فإنَّ دمار بلاد بكاملها على رؤوس ساكنيها وتهجير أكثر من نصفهم وتسليم البلاد لدول أجنبية، سيكون دفاعاً عن البقاء في السلطة في العالم العربي.

وليست المقولة المشهورة "الأسد أو نحرق البلد" بعيدة عن بال أيّ سوري أو حتى عربي، باعتبارها جملة تجاوزت معايير السياسة والاستبداد إلى التوحش و"القتل بضمير مرتاح" باعتبار أن الآخر سيأخذ مني ما هو حقي الأبدي.

وتصل مطالب الاستقالة في الدول الاستبدادية إلى درجة "رعناء" مثل أن يطالب الشعب باستقالة محافظ أو حكومة بسبب غلاء الأسعار أو انقطاع الكهرباء، والبلد تدمرت بنيتها التحتية على يد رئيس النظام وجيشه.

لم يقبل معمر القذافي "الزعيم" الليبي ترك منصبه، وجن جنونه وشن حرباً شعواء ضد شعبه إلى أن قتل في إحدى مجارير الصرف الصحي.

ورفض علي عبد الله صالح التخلي عن الرئاسة بمطلب شعبي جماهيري مدني واجهه بالرصاص والقتل، إلى أن استهدف في قصره ثم خضع لمبادرة عربية تنحّى من خلالها لنائبه ثم عاد وتحالف مع الحوثيين أعداء الأمس حتى اغتيل.

وليس هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وتنحي الرئيس المصري حسني مبارك بعد مظاهرات شعبية إلا تجسيد عملي لانعدام ثقافة الاستقالة عن العالم العربي والدول التي لا تحتكم إلى ديمقراطية حقيقية.

وبعد ذلك أثبتت التجارب أن استقالة الرؤساء أو الوزراء لا تغير شيئاً لأن بقاء الدولة العميقة أو المنظومة في الحكم هي لبّ المشكلة وهي التي يجب أن تتغير سواء من داخل المنظومة تدريجياً كما حصل في الغرب على مرّ قرون وعقود أو عبر نجاح الثورات في بناء عدالة انتقالية حقيقية.

متى يجب على المسؤول أن يتنحى؟

وبالجواب عن سؤال متى يجب أن يستقيل/ يتنحى الزعيم أو المسؤول أو الرئيس؟ فالجواب قائم في الأمثلة الغربية التي تمنع تفشي الفساد بشكل ظاهر وعلني، وتفضل أن يبقى للشفافية والمساءلة ورقابة القانون والقضاء أدوارهم الفعلية.

أما متى يجب عليه أن يتسلّم زمام المبادرة ويقود؟، فإن كانت البلاد ذات منظومة قيمية والدولة فيها فاعلة ومؤسساتية فلا خوف من بقائه في منصبه ضمن مدته الدستورية لأنه سيرحل ويأتي غيره، لكن في عالمنا العربي لا توجد مُددٌ محدّدة للحكم، يولد المرء رئيساً ويموت كذلك.

ومع أن العالم الغربي فيه نسب عالية من الفساد تختلف من دولة إلى أخرى، ويحاول من يستقيل من منصبه أن يحظى بفرصة النجاة من المحاكمة أو الحصول على ضمانات في حال الاستقالة.

ففي العالم العربي يغيب الفساد إلى مراحل أكبر بكثير تصل إلى جرائم حرب واقتلاع شعوب من جذورها وتهجيرهم وإعادتهم إلى عصور الظلام، لذلك قبل أن تشيع ثقافة الاستقالة يجب أن يكون هناك إنسانية وضمير وأخلاق ورقابة داخلية وهو معدوم في معظم دولنا.