icon
التغطية الحية

استغلال العمال في شمالي سوريا.. غياب للقوانين الناظمة والأجور المناسبة | صور

2023.07.03 | 07:15 دمشق

اليد العاملة في إدلب -تلفزيون سوريا
اليد العاملة في إدلب -تلفزيون سوريا
إدلب - عمر حاج حسين
+A
حجم الخط
-A

يُعاني عمال المياومة في محافظة إدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، في شمال غربي سوريا، من استغلال كبير من قبل أصحاب العمل، بسبب كثرة اليد العاملة وقلة الفرص.

ويلجأ العديد من الشباب إلى سوق العمل الخاصّة للحصول على دخل لتأمين قوت يومهم، نتيجة عدم حصول الكثير منهم على وظيفة في حكومة الإنقاذ أو المنظمات العاملة في المنطقة لاعتبارات كثيرة أهمها التحصيل العلمي الذي خسره قسم كبير من الشباب بسبب الحرب والتهجير، إذ يقتصر عمل العديد من المنظمات الإنسانية على فئات قليلة من الشباب على حساب باقي شرائح المجتمع والتي تشكل الغالبية.

وتعيش مناطق شمال غربي سوريا تدهوراً اقتصادياً في ظل غياب فرص العمل وتدني أجور العمال وتدهور قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي والذي تخطى حاجز الـ25 ليرة مقابل الدولار الواحد، وسط ارتفاع جنوني للأسعار، وغياب نقابات العمال من منطقة إدلب التي تحفظ حقوقهم وتحدد الحد الأدنى للأجور وتلزم أصحاب العمل بدفعها من دون استغلال الوضع المعيشي المتردي.

عمالة أطفال في إدلب - تلفزيون سوريا
عمالة أطفال في إدلب - تلفزيون سوريا

شاهد على المعاناة

يحرص الشاب "جميل العاروب" (34 عاماً)، من سكان مدينة الأتارب غربي حلب (30 كم)، على عمله الشاق واليومي في تنزيل أكياس الطحين من سيارات الشحن لأحد الأفران الخاصة في المدينة، مقابل أجر قدره 30 ليرة تركية وربطة خبز فقط، على كل 5 طن من الطحين.

يروي العاروب وهو أب لأربعة أطفال لـموقع "تلفزيون سوريا"، أنه يعاني من تدني أجرته اليومية التي بالكاد تكفي ثمن وجبة غداء لأطفاله، من دون مراعاة أي التزامات أخرى لمنزله.

يؤكد العاروب في حديثه معنا أنه يعمل مجبراً في هذا الأجر القليل لغياب فرص العمل الدائمة أو المؤقتة في المنظمات أو الجمعيات، مشيراً إلى أنه لا يجرؤ بتاتاً على مطالبة صاحب الرزق برفع أجرته اليومية، كي لا يتم الاستغناء عنه، قائلاً: "مستعد أشتغل بأي يومية.. في ألف واحد غيري ما عم يلاقي شغل".

يفتقد منزل "العاروب" إلى ساعة الكهرباء التي باتت متوفرة في كل منازل المدينة، البالغ سعرها "50 دولاراً"، وعلبة إنترنت (ubint) التي تعتبر من أساسيات المنازل في الشمال السوري التي من شأنها توفير الإنترنت في المنزل بمساعدة ناشر (راوتر) البالغ سعره 13 دولاراً فقط، بالإضافة إلى ساعة مياه خاصة التي تكفيه عناء تعبئة خزانه بشكل أسبوعي بأجر 65 ليرة لكل 10 براميل ماء.

ويقضي "العاروب" بشكل يومي، قرابة 5 ساعات في إفراغ الشاحنات المحمّلة بالطحين، برفقة شباب آخرين يتقاسمون الشاحنة مناصفةً، مسترسلاً بقوله: "لا أستطيع العمل في مكان آخر.. بسبب العناء الذي نعيشه يومياً.. فجسدي له حق عليّ".

أجور لا تكفي الحاجات اليومية

ويلجأ العديد من الشباب في الشمال السوري المحرر، إلى العمل في الورشات الخاصة ومكاتب السيارات والمطاعم والأفران والمحال التجارية والمناطق الصناعية، على الرغم من حصول الكثير منهم على شهادات دراسية متوسطة كالثانوية العامة ومنهم من حصل على الشهادة الإعدادية.

كما يعاني الشاب "أحمد خالد" (24 عاماً)، وهو مهجر من بلدة أورم الكبرى غربي حلب (20 كم غرباً)، ويسكن مدينة الأتارب، من تدني أجرته الأسبوعية في عمله عند مكتب سيارات في مدينة سرمدا بريف إدلب الشمالي، إذ يتقاضى آخر الأسبوع 200 ليرة تركية فقط، من دون أي اعتبار لأجور المواصلات.

يتحمل "خالد" وهو أب لطفلٍ واحد، مشقة الطرقات بشكل يومي ويعتمد في ذهابه وإيابه إلى العمل على توقيف السيارت المتوجهة إلى سرمدا، حيث تعرف هذه الحالة في المنطقة بـ"تقطيع".

يخبرنا الخالد أنه يستدين أكثر من راتبه الأسبوعي لتأمين مستلزمات حياته اليومية ومتطلبات عائلته، ويؤكد أن راتبه الأسبوعي في نهاية كل شهر يُدفع لتسديد إيجار المنزل البالغ 10 دولارات، معتبراً أنه أجر قليل جداً مقابل أجور المنازل الأخرى في المدينة، التي تتراوح من 25 إلى 75 دولاراً.

يؤكد العديد من الشبان ممّن استطلعنا رأيهم في شمالي سوريا، أن مجموع ما يحصلون عليه شهرياً، لا يمكن أن يغطي 30 بالمئة فقط من متطلبات حياتهم ومستلزمات منازلهم وعائلاتهم.

عمالة أطفال في إدلب - تلفزيون سوريا
اليد العاملة في إدلب - تلفزيون سوريا

جذر المشكلة

يرى الباحث الاقتصادي "أسامة القاضي" أن أحد أبرز أسباب انتشار هذه الظاهرة أو ما وصفها بـ"المَظلمة"، هو غياب حكومة حقيقية في منطقة إدلب، ونقابات عمالية تدافع عن حقوقهم، سواء عمالة الأطفال أو استغلال العمال، أو حتى على صعيد عدم وجود حد أدنى للأجور، وعدم وضوح عدد ساعات العمل اليومية.

ووصف القاضي في إفادة له لـموقع "تلفزيون سوريا" أن ما تعيشه إدلب اليوم هو "فوضى"، معتبراً أن غياب القوانين الناظمة لليد العاملة، جعلهم عرضة للاستغلال ومزاجية أرباب العمل.

وبخصوص الحلول الممكنة، شدّد القاضي على ضرورة محاربة هذه الظاهرة الخطيرة، التي بدورها تقتل بشكل غير عادل القوة السورية العاملة.

ولفت إلى أن الشمال السوري وتحديداً "إدلب" تغيب عن حكومتها (الإنقاذ) القوانين الحقيقية التي ترعى هؤلاء العمال، قائلاً: "بعد 12 عاماً من الثورة السورية لم يتوفر إلى اليوم نموذج حقيقي لدولة تحكم بشكل عادل في أي منطقة، إذ لا يوجد لدينا مجالس محلية منتخبة من أهلها، ولا قضاء مستقل"، بحسب القاضي.

وطالب "القاضي" الحكومة التركية باعتبارها صاحبة النفوذ التركي في الشمال السوري، بأن تعمل على تمكين حكومة مؤقتة تكنوقراطية حقيقية على كامل الشمال الغربي، وحلّ حكومة الإنقاذ، وخلق موازنات حقيقية ولعلّ أبرزها صرف الرواتب وتحديدها من قبل الوزارات والنقابات.

وأعطى الباحث الاقتصادي مثالاً بأن يُصرف راتب الجندي في الجيش الوطني من الحكومة المؤقتة مباشرة، ورواتب موظفي المجلس المحلي من وزارة الإدارة المحلية، وكذلك الممرضون والأطباء والمعلمون والقضاة من وزارة العدل".

غياب النقابات

من جانبه، أكّد أيضاً الاقتصادي "سعد العمر" على أن أحد أهم الأسباب الرئيسية وراء تدني الأجور في إدلب، هو غياب النقابات العمالية التي من شأنها حماية جهد هؤلاء العمال وتحديد أجرتهم اليومية ومنع استغلالهم من قبل أصحاب الأعمال الخاصّة أو الحكومية.

وأوضح العمر في حديثه لـموقع "تلفزيون سوريا" أن العمال في الشمال السوري يعيشيون اليوم على مزاجية أصحاب العمل وتخوفهم الزائد في الاستغناء عنهم بأي لحظة، في حال رفضهم للأجور أو تذمرهم على ضغط العمل، وسط غياب فرص العمل أو ندرتها وكثرة الشبان العاطلين عن العمل ومتطلبات الحياة الكثيرة.

ولفت إلى أن الأجر اليومي للعامل في الشمال السوري لا يكفي اليوم لأبسط مقومات حياته الكريمة ومتطلبات عائلته.

عمالة أطفال في إدلب - تلفزيون سوريا
عمالة أطفال في إدلب - تلفزيون سوريا

 

ما رأي أصحاب العمل؟

بدوره، يضع "محمد أنيس الصياد" وهو تاجر إسمنت في بلدة الجينة غربي حلب، ثلاثة تبريرات تؤكد بأن أجور العمال "مناسبة"، أولها بسبب وفرة العمال وعروضهم بأجرهم التنافسي.

وثانياً، غياب الأرباح المطلوبة للتجار نتيجة تأثر البضائع بشكل يومي من عدم استقرار سعر صرف الليرة التركية مقابل الدولار.

وثالثاً؛ قلّة الطلب على مواد البناء واعتماد أصحاب المشاريع على شراء البضائع بـ"الدين" حتى انتهاء مشاريعهم.

وأوضح لـموقع "تلفزيون سوريا" أن مربحه الصافي لكل "طن واحد" من الإسمنت يتراوح بين 7 إلى 8 دولارات، وأن أجر العامل إذا بلغ أكثر من 3 دولارات فتجارته تصبح خاسرة، وفق قوله،

وأضاف "كل ذلك يُضاف إليه أجور سيارات الشحن والمحال والخسارات اليومية للأكياس في أثناء التحميل والتنزيل".

عملياً فالمتتبع لواقع المعيشة في شمالي سوريا، مع وجود "حكوماتٍ ورقية"، تفتقر إلى أدنى مقومات النجاح، وانتشار فوضى الفصائلية العسكرية، يتوقع أن يزداد الوضع سوءاً في قابل اﻷيام، ما لم يتم إيجاد معادلة سياسية واقتصادية عادلة تدير المحرر، الذي ضج الناس من واقعهم المتردي وكثرة المظالم، فضلاً عن انقسام المجتمع إلى شريحة منتفعين وما تحت خط الفقر.