استعداد إسرائيلي لوصول بايدن إلى البيت الأبيض

2020.09.07 | 00:00 دمشق

e7460b929241cff30c8e7f5ed0f1d091.jpeg
+A
حجم الخط
-A

لا يعتبر الإسرائيليون أن الانتخابات الرئاسية الأميركية، شأن داخلي يخص الأميركيين وحدهم، على العكس من ذلك، فهم ينظرون إليها باعتبارها إحدى الملفات الأساسية التي تحظى بمتابعة الأوساط السياسية الإسرائيلية واليهودية، سواء في إسرائيل أو أميركا ذاتها، نظرا للارتباط الذي يبدو "عضويا" بين السياستين الأميركية والإسرائيلية.

اليوم، وقد انطلق السباق الانتخابي الرئاسي فعلا، باتت إسرائيل تستعد لاحتمال أن يكون جون بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأميركية في الانتخابات القادمة، وهو نائب الرئيس الأميركي السابق، والمرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، دون إغفال أن تحصل المفاجأة، ويعاد انتخاب دونالد ترامب لولاية رئاسية ثانية، وأخيرة.

على صعيد السياسة الخارجية، تنظر المحافل الإسرائيلية إلى بايدن، باعتباره مؤيدا لإسرائيل منذ فترة طويلة، ولكن إذا فاز في الانتخابات، فمن المحتمل أن تنشأ توترات بينه وبين الحكومة الإسرائيلية حول قضيتين رئيسيتين: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والملف النووي الإيراني، ولذلك قد يبدو من الأفضل، من وجهة النظر الإسرائيلية، أن تقوم تل أبيب ببدء التواصل مع بايدن ومستشاريه بأقرب وقت ممكن، وإنشاء قناة سرية للمحادثات السياسية، لتكون أساسا لبناء الثقة بينهما.

في الوقت نفسه، وفي محاولة لإعادة بناء دعمها من الحزبين، تطالب الأوساط الإسرائيلية بعدم اتخاذ خطوات أثناء الحملة الانتخابية، حيث يزداد الاستقطاب السياسي، لأنه سيتم تفسيرها في واشنطن على أنها دعم أحادي الجانب لأي من المرشحين.

لعل التواصل الإسرائيلي المطلوب مبكرا مع بايدن، ولعله تم، يساعد على تقليل الضرر الذي يلحق بالعلاقة الأوسع بين الجانبين، نتيجة لنقاط الخلاف المتوقعة، إذا تم انتخابه رئيسا، ومن المهم الآن مراقبة ومعرفة البرنامج السياسي الذي سيخوضه في الانتخابات، والآثار المحتملة على مصالح إسرائيل في حالة انتخابه، مع أن أزمة كورونا أدت لتغيير مضمون وشكل الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية المقبلة.

من حيث المحتوى، سيكون بايدن ناقدا لإدارة ترامب على الدوام، رغم افتقاره لحضور الرئيس الهائل في الإعلام، واستخدامه البيت الأبيض كخلفية لخلق الأخبار، لكن من وجهة نظر إسرائيل، فإن مجالات السياسة التي لديها أكبر إمكانية للتأثير على أمنها القومي هي التي تخصها بشكل مباشر، خاصة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والملف الإيراني، لاسيما القضية النووية، مع العلم أنه طوال حياته المهنية الطويلة في المناصب العامة، أعرب بايدن عن قدر كبير من المودة والتقدير لإسرائيل.

يستذكر الإسرائيليون أن بايدن أعلن نفسه ذات مرة بأنه صهيوني، رغم انتقاده لحجم المساعدات الخارجية السنوية البالغة 3.8 مليارات دولار لإسرائيل، ووصفها بـ"خطأ فادح"، وفي 2014، عبر عن اختلافاته الجوهرية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورغم أن صداقتهما بدأت في الثمانينيات، لكن علاقتهما الشخصية قد تكون أقل إيجابية اليوم، مع العلم أن خلاف بايدن مع نتنياهو يرجع جزئيا لخطاب الأخير في مارس 2015 أمام الكونغرس ضد الاتفاق النووي مع إيران، وهي خطوة اعتبرها البيت الأبيض شكلا صارخا من عدم الاحترام.

يتوقع الإسرائيليون نشوب ثغرات سياسية كبيرة في القضية الفلسطينية بين إدارة بايدن، في حال انتخابه، والحكومة الإسرائيلية، فقد ذكر هو ذاته في أغسطس/ آب 2019 أنه يجب ممارسة ضغط مستمر على الإسرائيليين للتحرك نحو حل الدولتين، ولذلك فإن ضم الأراضي في الضفة الغربية تحت غطاء صفقة القرن، سيثير توترات مع حكومة بايدن المستقبلية، إن رأت النور.

هناك تخوف إسرائيلي، لم يتم الكشف عنه رسمياً، يتمثل بأن إدارة بايدن قد تجري تعديلات بشأن قرار إدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة إليها، والعودة للصيغة التقليدية بأن القدس الغربية هي العاصمة، بينما ستكون الشرقية العاصمة الفلسطينية، صحيح أن بايدن لن يعيد السفارة لتل أبيب، لكنه سيعيد فتح القنصلية الأميركية التي تعمل مع الفلسطينيين في القدس.

أما فيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية، فإن بايدن يعتبر أنه إذا عادت إيران لالتزاماتها النووية، فسيعود للاتفاقية النووية كنقطة انطلاق، ويعمل مع حلفائه في أوروبا والقوى العالمية الأخرى لتمديد القيود النووية في الاتفاقية، مما سيثير رفض إسرائيل، التي ستطالب بعدم السماح بإعادة عقارب الساعة للوراء، في ظل أن السياق السياسي الداخلي الإسرائيلي سيصعب على أي رئيس وزراء قبول نهج بايدن.

مع العلم أن الذاكرة الإسرائيلية لا زالت تحفظ إرسال الرئيس السابق باراك أوباما لنائبه آنذاك بايدن إلى تل أبيب عام 2010، على أمل تحقيق انفراج في حالة الجمود بين إسرائيل والفلسطينيين، وتعرض خلال زيارته تلك لحادث مهين، عمل على تدهور العلاقات المضطربة أساساً بين نتنياهو وأوباما، وأوصلها لأزمة عميقة، لكن بايدن، المؤيد لإسرائيل أنقذ نتنياهو من إخفاق حقيقي، ونجح آنذاك بإعادة العلاقات الأميركية الإسرائيلية لمسارها الصحيح.

المعطيات المتوفرة في إسرائيل تتحدث أن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية الموالية لإسرائيل-إيباك، منحت بايدن أعلى الدرجات لمواقفه المؤيدة لها، لأنه لا يمكنك أن تجد تصويتا مهما لم يثبت التزامه بأمنها، لكن هذه الأوصاف صالحة للعصر الذي سبق ترامب، لأننا الآن أمام لعبة مختلفة، فالرئيس الحالي فكك جميع النماذج المتعلقة بدعم إسرائيل، ووضع جميع كبار المشرعين الديمقراطيين تقريبا في وضع غير ملائم.

حافظ بايدن ونتنياهو على علاقة شخصية منذ عقود، حين عمل الأخير نائبا لرئيس البعثة في السفارة الإسرائيلية بين 1982-1984، فيما كان بايدن شابا مخضرما بمجلس الشيوخ لـ10 سنوات، ورغم أنه ديمقراطي كلاسيكي، ونتنياهو جمهوري متميز، لكنهما صديقان حميمان، ولعل نتنياهو لم يطمح لمرشح ديمقراطي أفضل منه لمنصب الرئاسة.

بايدن من جهته يبقى على اتصال مع جميع رؤساء الوزراء السابقين، إيهود باراك وإيهود أولمرت، ويحافظ على علاقة وثيقة معهما، وفيما يتعلق بالمستوطنات، لا يزال موقفه التقليدي لإدارات ما قبل ترامب، ولعل الانتقال المتوقع لبايدن إلى البيت الأبيض في يناير 2021 هو الحافز لخطط نتنياهو المعلنة لخطة ضم مستوطنات الضفة الغربية قبل أن تتلاشى في واشنطن، مما يدفعه لأن يدعو من أجل فوز ترامب الذي سيسمح له بإحيائه، مع أن قضية الاستيطان أقل إثارة للقلق من القضية الإيرانية.

تثير سياسة الولايات المتحدة "الديمقراطية" تجاه إيران هواجس إسرائيلية، فالمسؤولون الإسرائيليون سيبذلون جهودا كبيرة لإقناع فريق بايدن بشأنها، لأنها قضية وجودية، وإن سياسة الضغط الأقصى الأميركية تؤتي ثمارها، وتدفع إيران نحو الجدار، رغم أن نتنياهو ورفاقه قلقون من أن بايدن قد يغير تلك السياسة، ويقلل التوترات، ويهدئ إيران ببادرة حسن نية، ويجدد المفاوضات بشأن اتفاقها النووي، وهذا خيار كارثي لنتنياهو.

مع العلم أن كبار مسؤولي وزارة الحرب وقادة الجيش الإسرائيلي، ليسوا متأكدين تماما من هذا التخوف، فإيران كدولة موقعة على اتفاق نووي ستبقى أقل خطورة، وإذا كان بايدن ماهرا بدرجة كافية في الوصول لاتفاقية نووية مطورة وطويلة الأمد، فلن تكون هذه الصفقة سيئة.

في كلتا الحالتين، يعرف شركاء نتنياهو أن بايدن ليس أوباما، فهو يعرف كيف يمارس القوة، ويدرك أهمية الاستعداد للقيام بذلك، ويعرف الشرق الأوسط، وتأمل إسرائيل بتحقيق أقصى استفادة من رئاسته، إن حدثت بالفعل، من أجل إبقاء أقدام إيران على النار، حتى لا يُسمح لها بالتهرب من العقوبات، دون توقيع اتفاق نووي جديد، أو أكثر إقناعا من السابق.

يصعب اختتام هذه السطور دون التعريج على التحذير الذي أطلقه جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، الذي أكد أن موقف البيت الأبيض تجاه تل أبيب قد يتغير بشكل كبير، إن لم ينتخب ترامب لولاية ثانية، وفي الوقت ذاته فإنه يستبعد أن تكون ولاية ترامب الثانية مماثلة للأولى تجاه إسرائيل، لأن الكثير من قراراته بشأن القضايا الخارجية، يتخذها من خلال تقييم كيفية تأثيرها على سياسته الداخلية بالولايات المتحدة.

ويضيف أنه "في حال تم انتخاب بايدن، فستتخذ إدارته نهجا مشابها جدا لأوباما، وهذه مشكلة كبيرة لإسرائيل، فالوضع قد يسوء بكثير مما كان عليه في عهد أوباما، وعلينا أن نكون واقعيين، كون الحزب الديمقراطي الحالي معاديا لإسرائيل بشدة، وسيكون لذلك تأثير كبير على الإدارة الأميركية".