icon
التغطية الحية

احتجاجات الضواحي تكشف وجهاً آخر لفرنسا البرّاقة

2023.07.01 | 13:21 دمشق

ضباط الشرطة يوقفون رجلاً بينما يحتج الناس بالقرب من أوبرا غارنييه
ضباط شرطة يوقفون رجلاً بينما يحتج أناس بالقرب من أوبرا غارنييه ـ رويترز
تلفزيون سوريا ـ سامر القطريب
+A
حجم الخط
-A

يبدو وجه فرنسا اليوم مختلفا عما اعتدناه في الإعلانات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه وجه حقيقي للبلاد التي أخفت تحت أزيائها الفخمة ومساحيق الوجه الغالية الثمن، طبقة فقيرة تزحف اليوم من الضواحي إلى قلب المدن العصرية.

أعمال الشغب والنهب استهدفت أغلى الماركات الفرنسية والأجنبية، التي لم تكن يوما في متناول سكان الضواحي، وتعد تلك الماركات رمزا واضحا للفروق الطبقية في المجتمع الفرنسي، إذ نهب لصوص عشرات المتاجر وأضرموا النار في نحو ألفي سيارة منذ بدء أعمال الشغب.

وتعد ضاحية غريني جنوبي باريس الأفقر في فرنسا، إذ تصل نسبة الفقر فيها لـ 45 في المئة، أي ثلاثة أضعاف المعدل الوطني. وتبعد هذه المناطق الفقيرة نحو 15 كم فقط عن أضواء برج إيفل وشارع الشانزليزيه، ومعارض الفنون.

وجهان لفرنسا

"ليست سوريا أو العراق أو أفغانستان.. هذه هي فرنسا حيث 9٪ من السكان هدموا مدنا بكاملها!".. "هذه هي فرنسا بفضل الهجرة الجماعية والتعددية الثقافية"، إنه "ربيع فرنسا".

تنتشر هذه التغريدات على تويتر ومواقع التواصل الاجتماعي، خلال الاحتجاجات التي تتخللها أعمال عنف وشغب في ضواحي العاصمة باريس وعدد من كبرى المدن الفرنسية، عقب مقتل شاب ذي أصول عربية على يد عنصر من الشرطة الفرنسية.

أعمال العنف والنهب، ومشاهد قوات الأمن ومكافحة الشغب في شوارع باريس وعدد من المدن مثل مرسيليا وليون وتولوز وستراسبورغ وليل وغرونوبل، ترفع أسئلة جدية عن حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية والهوية في بلد "العنف الثوري"، عندما ثار الفقراء على الباستيل وما يمثله سنة 1789.

احتجاجات الضواحي التي تتكرر كل عدة أعوام تشير إلى فشل الحكومات المتعاقبة في معالجة قضايا البطالة والعنصرية والهوية والفقر في المجتمع الفرنسي "المتعدد"، وتذكر بماكرون حين قال عام 2020 "الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان بالعالم"، وعلى باريس التصدي لما وصفها بـ"الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية".

المجتمع الفرنسي.. تعددية وعنف وعنصرية وفقر

اندلعت الاضطرابات في جميع أرجاء البلاد في مدن مثل مرسيليا وليون وتولوز وستراسبورغ وليل بالإضافة إلى باريس، حيث قُتل نائل م. (17 عاما)، وهو من أصل جزائري-مغربي، برصاص الشرطة يوم الثلاثاء في ضاحية نانتير الباريسية.

وأذكت وفاته، التي رصدتها إحدى الكاميرات، شكاوى قديمة من أصحاب الدخل المنخفض والأعراق المختلطة والمجتمعات الحضرية من أن الشرطة تمارس العنف والعنصرية.

الاحتجاجات العنيفة وأعمال الشغب وقعت سابقا عام 2005 وتكررت عام 2015، بعد مقتل شابين طاردتهم الشرطة الفرنسية، واستدعت الحكومة لإعلان حالة الطوارئ، وهي خيار مطروح اليوم بحسب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي.

وبالعودة إلى العام 2005، وصف حينئذ الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي (كان وزير داخلية) مثيري الشغب بأنهم "حثالة"، قائلا إن العديد من الضواحي تحتاج إلى "تنظيف صناعي" وهو ما أذكى نار الاحتجاجات.

واليوم تضع أعمال العنف، الرئيس إيمانويل ماكرون في أكبر أزمة خلال فترة رئاسته منذ احتجاجات السترات الصفراء التي اندلعت في 2018، احتجاجا على السياسات الليبرالية، والاحتجاجات على أنظمة التقاعد 2023.

خرجت حركة السترات الصفراء في البداية للتنديد بارتفاع أسعار الوقود وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة، ثم امتدت مطالبها لتشمل إسقاط الإصلاحات الضريبية التي سنّتها الحكومة، والتي تستنزف الطبقتين العاملة والمتوسطة وتقوّي الطبقة الغنيّة بحسب الحركة.

وتزامنت احتجاجات السترات الصفراء مع خطط ماكرون الإصلاحية في المجال التعليمي، والتي دفعت التلاميذ والطلاب للاحتجاج أيضا في جميع أرجاء فرنسا.

وتحدث الطلاب حينذاك أن إصلاحات ماكرون سوف تؤدي بشكلٍ أو بآخر إلى مزيد من عدم المساواة في حق الوصول إلى التعليم العالي بين الطلاب في المناطق الحضرية وشبه الحضرية والمناطق الريفية، وهي المناطق التي تشهد اليوم أعمال عنف وشغب.

فرنسا.. هل يولد التناقض انفجاراً؟

قررت الحكومة الفرنسية حتى اللحظة مواجهة الاحتجاجات والتلويح بفرض قانون الطوارئ، بدلا عن الحل السياسي للمشكلات المجتمعية المتراكمة منذ عقود، مثل العنصرية والتهميش والفوارق الطبقية والبطالة، حيث يقابل الحرق والنهب استخدام القوة المفرطة من قبل الشرطة وقوات مكافحة الشغب.

وقالت الشرطة إن مثيري الشعب في وسط مرسيليا نهبوا متجرا للأسلحة النارية وسرقوا بعض بنادق الصيد لكن من دون ذخيرة. وأضافت أنها اعتقلت شخصا بحوزته بندقية ربما نُهبت من المتجر الذي يخضع الآن لحراسة الشرطة.

التناقضات التي تعيشها المدن الفرنسية اليوم حقيقة تكبر يوما بعد يوم، وقد كان أحد أهم المبادئ التي انبثقت عن الثورة الفرنسية "إعلان حقوق الإنسان والمواطن"، والذي وضعته الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية في عام 1789، وهو وثيقة حقوق مدنية مستوحاة من فلاسفة التنوير، وكان الإعلان بياناً أساسياً لقيم الثورة الفرنسية وكان له تأثير كبير على تطوير المفاهيم الشعبية للحرية الفردية والديمقراطية في أوروبا وفي جميع أرجاء العالم، فهل يكفي الإعلان الحقوقي لمعالجة أزمة الضواحي التي تتجدد باستمرار؟