اتفاق 2+2 بين الهند والولايات المتحدة.. احتواءٌ للصين أم استعداد للحرب؟

2023.11.21 | 06:49 دمشق

آخر تحديث: 21.11.2023 | 06:49 دمشق

اتفاق 2+2 بين الهند والولايات المتحدة.. احتواءٌ للصين أم استعداد للحرب
+A
حجم الخط
-A

انعقد اجتماع وزيري الخارجية والدفاع الهندي والولايات المتحدة الأميركية بصيغة "2+2" في العاصمة نيودلهي في العاشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري. وتناقلت الأوساط الرسمية والإعلامية نتائج الاجتماع؛ حيث جرى الاتفاقُ على تقاسم التكنولوجيا المتعلقة بـ"التحديات البحرية، بما في ذلك المجال البحري"، والتطوير والإنتاج المشترك لأنظمة النقل البرّيّ، وتلتزم الهند بصيانة الطائرات الأميركية وإصلاحات منتصف الرحلات البحريّة للسفن الأميركية مع التزام الولايات المتحدة الأميركية الاستثمارَ في صيانة وإصلاح وتجديد الطائرات الأميركية والمركبات الجوية من دون طيار في الهند.

كما وُضعت اللمسات الأخيرة على اتفاقية أمن سلاسل التوريد، التي من شأنها تعميق تكامل النظم البيئية الصناعية والدفاعية، وتعزيز مرونة سلاسل التوريد، وإنشاء مواقع اتصال جديدة بين القوات المسلحة في البلدين، بالإضافة إلى منح الهند العضوية الكاملة في القوّات البحرية المشتركة متعدّدة الجنسيات، ومقرها البحرين. كما جرى الاتفاق على تعظيم نطاق اتّفاقية مذكّرة الّلوجستيات والتّبادل، وتحديد التدابير اللازمة لزيادة وصول السفن البحريّة الأميركيّة إلى القواعد الهنديّة.

كما برزت في اجتماع 2+2 قضايا أفغانستان وأوكرانيا والحرب في فلسطين "غزّة"، وخصص البيان المشترك فقرة منفصلة لأفغانستان، تضمّن اتهاماً لطالبان بالفشل في الالتزام "بمنع أي جماعة أو فرد من استخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن أي بلد". وذكّر البيان المشترك بقرار مجلس الأمن رقم 2593 (2021)، الذي ينصّ على "عدم استخدام الأراضي الأفغانية لتهديد أي بلد أو مهاجمته أو إيواء أو تدريب الإرهابيين، أو التخطيط لهجمات إرهابية أو تمويلها".

تبدو الولايات المتحدة واثقة للغاية من أن الهند مستعدة للدخول في تحالف حصري، وهو الأمر الذي لم تسعَ إليه "نيودلهي" قطّ مع أيّ قوة كبرى

هذا التحول غير العادي في السياسة الهندية سوف يظلّ إلى حدٍّ كبير وراء أبواب مغلقة بعيداً عن نشرات الأخبار ومنصّات الرأي العام، وتبدو الولايات المتحدة واثقة للغاية من أن الهند مستعدة للدخول في تحالف حصري، وهو الأمر الذي لم تسعَ إليه "نيودلهي" قطّ مع أيّ قوة كبرى. لكن ما هو العرض الذي قدّمته إدارة "بايدن" للهند ليجعلها تقبل مثل هذا القرار الخطير؟

يبدو أن هذا التغيير الكبير في السياسات العسكرية الهندية يرتبط بالمسلّمات الأساسية للسياسة الخارجية. ومع ذلك، فمن المثير للاهتمام أن حزب المعارضة الرئيسيّ في الهند، غير مهتمّ بهذا التغيير، وهذا يمكن تفسيره بأنه نتيجة طبيعية لاستثمار الولايات المتحدة الأميركية للصراع القديم بين الهند والصّين، مما يجعل هذا التحالف الناشئ بين الطرفين بمنزلة طبول مواجهات مستقبلية ضد الصين قد تكون سياسيّة واقتصاديّة هدفُها احتواء الصّين وإرغامها على النزول على ما سمّاه بلينكن "الاستقرار الإستراتيجيّ" الذي تؤسس له واشنطن. ويبرز في هذا السياق سؤال مُلحّ؛ لماذا تتظاهر كلّ من روسيا والصين بعدم الملاحظة، ولماذا لا تبدي موسكو وبكّين ردّة فعل لإيقاف الهند وثَنيها عن مسارها؟

يرى بعضهم أن الهند ليست متحمسة للتعددية القطبية المتنامية في النظام العالمي، وترى أنها مستفيدة من استمرار انتشار القواعد الأميركية في جميع أرجاء العالم، وتشعر بالارتياح لنظام عالمي ثنائيّ القطب؛ إذ تظلّ فكرة التعددية القطبية، إنْ وُجدت، ظاهرة هامشيّة، في حين يستمرّ تفوق الولايات المتحدة في السيادة للعقود المقبلة. ويرى بعض المراقبين أن الهند تنظر إلى النموذج الأميركيّ باعتباره مفيداً لها في شقّ طريقها للسيطرة على غرائز الهيمنة في الصين، وفي الوقت نفسه يُمكّنها من تطوير قوّتها الوطنية الشاملة على النحو الأمثل.

ورغم أن هذه الأجندة الطموحة تبدو مفيدة جدّاً للهند، فإنها محفوفة بالمخاطر أيضاً، إذ يرى بعض المحللين السياسيين أن هذا التوجّه الأميركي قد يتغيّر مع قدوم رئيس جديد إلى البيت الأبيض، إذا ما أُعيد تعريف المصالح وتحوّل الأولويات لدى واشنطن.

الرغبة الهندية في التحالف مع الولايات المتحدة تزداد وضوحاً أكثر من أيّ وقت مضى، وأول مظاهر هذه الرغبة بدأت مع دخولها تحالف QUAD الذي أسسته الإدارة الأميركية وضم كلّاً من الهند واليابان وأستراليا وأميركا، وجرى بعده تأسيس ما يُسمّى بمبادرة حماية الحدود البحرية. ويبدو أن واشنطن أحسنت استثمار المخاوف الهندية تجاه صعود الصين، وأصبحت QUAD قاطرة مهمة بالنسبة لأعضائها وخاصّة نيودلهي، ولا بدّ أن يكون لبكّين ردّ متوقع، لكن متى وبأي شكل؟ جوابٌ سيتكفّل الزمان بالإجابة عنه.

إن تركيز واشنطن على منطقة المحيطين الهندي والهادئ لا يزال قائماً في ظل إدارة بايدن، على الرغم من الارتباط المتزايد بين واشنطن وبكّين. وثمة نقطة تحول للصين ستظهر بعد قيام الرئيس الصيني شي جين بينغ بأول رحلة له إلى الولايات المتحدة منذ خمس سنوات، وهو الاجتماع الذي يأمل الجانبان أن يكون مثمراً ويجعل الصين أقربَ للقَبول بالرؤية الأميركية لمستقبل النظام العالمي والعلاقات الدوليّة التي يتم التأسيس لها اليوم بين الدول الفاعلة وفي مقدمتها الصين وأميركا.

وعلى صعيد آخر، فإن الولايات المتحدة والهند تشتركان في الشعور بالسخط إزاء قرب طالبان المتزايد من الصين وشبح تحوّل أفغانستان إلى مركزٍ لمبادرة الحزام والطريق؛ فخطة بكين لبناء طريق يربط أفغانستان عبر ممر واخان تشكل نقطة تحول في الجيوستراتيجيا، ولها عواقب وخيمة على مصالح واشنطن ونيودلهي.

ومن الواضح استغلال واشنطن مخاوف روسيا بشأن الصراع في أوكرانيا لمضاعفة إستراتيجيتهم بعد الحرب الباردة للحدّ من النفوذ الروسيّ في أفغانستان، ويرى بعض المراقبين أن "موسكو" تشعر بأنها تخسر الأرض ولكن من الساحة الخلفية.

الهند لا يمكنها أن تصف حرب غزة تحت بند أعمال "الدفاع عن النفس" عندما أطلقت إسرائيل مثل هذه العملية العسكرية الوحشية على المدنيين وتمارس عمليّة تدمير ممنهجة لمدينة غزة

وفيما يتعلق بأوكرانيا والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، قد يكون الجانبان الأميركي والهندي في طريق تأسيس تنسيق ناجح في المواقف بشأن هاتين الساحتين من الصراع؛ وتريد نيودلهي التخلّص من ازدواجيتها الإستراتيجية وتقترب من الموقف الأميركي. ويتجلى ذلك في ملامح البيان المشترك.

وفيما يتعلق بالوضع في غرب آسيا، أعرب البيان المشترك عن دعم قوي لحرب إسرائيل ضد ما سمّاه البيان بـ"الإرهاب"، إلا أن الهند ما تزال ترفض إدانة حماس، ولا تؤيد الحرب التي تشنها إسرائيل ضدّ قطاع غزّة. وكان لافتاً في البيان غيابُ أيّ إشارة إلى ما يسمى "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" ، وهو الشِعار الذي يُردَّد باستمرار على شفاه "بايدن". والواقع أن الهند لا يمكنها أن تصف حرب غزة تحت بند أعمال "الدفاع عن النفس" عندما أطلقت إسرائيل مثل هذه العملية العسكرية الوحشية على المدنيين وتمارس عمليّة تدمير ممنهجة لمدينة غزة.

مثل هذه المواقف والتحوّلات المفاجئة تجعلنا نعيد النظر في حتميّة السرديّة التي تتحدّث عن تبلور معسكر شرقي ضدّ المعسكر الغربيّ، ويعيد النّظر في كثير مما تستشرفه مراكز الدراسات السياسية حول مستقبل الاصطفافات الجيوبوليتيكية.