icon
التغطية الحية

"اترك العالم خلفك".. نهاية حضارة المادة

2024.02.01 | 07:56 دمشق

فغعى
من فيلم "اترك العالم خلفك" (يوتيوب)
+A
حجم الخط
-A

ينتمي فيلم "اترك العالم خلفك" إلى سينما المؤلف، وقد كتب السيناريو وأخرجه "سام إسماعيل" (أميركي من أصول مصرية) عن رواية "رومان عَلم" (أميركي من أصول بنغلاديشية)، وأنتجه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما (أميركي من أصول كينية). وبحسب تصريحات المخرج، فإن أوباما وضع ملاحظات على السيناريو، منها ما يتعلق بخلفيته السياسية وأخرى فنية. فالفيلم إذن صُنِعَ من قِبَل أميركيين ينتمون لعائلات مهاجرة.

هذا الاهتمام الكبير بالرواية والفيلم من رئيس أميركي سابق، وتوافق الروائي والمخرج والمنتج على سيناريو يتناول "انهيار العالم" فتح مجالًا واسعًا للتأويلات والأسئلة حول الفيلم والرواية.

الحكاية في الفيلم والرواية

تدور الحكاية في الفيلم حول عائلة مكونة من والدين "أماندا وكلاي" وابنهم المراهق آراتشي وابنتهم روز. يستأجرون بيتًا بعيدًا عن المدينة للاستجمام، وبشكل مفاجئ يعود صاحب المنزل جورج وابنته روث، يعللون عودتهم بانقطاع التيار الكهربائي وصعوبة الوصول للمدينة، ترفض أماندا استضافتهم، لكنها توافق أخيراً على إقامة عائلة جورج في قبو المنزل وإعادة نصف مبلغ الإيجار. ثم تحدث أمور غريبة، منها أخبار عن حدوث هجوم سيبراني وانقطاع الإنترنت، وسلوك مريب للحيوانات مثل الغزلان وطيور الفلامنجو.

يصاب آراتشي بمرض غريب، فتتساقط أسنانه ويصاب بالحمى، يحاول جورج وكلاي إسعافه إلى المشفى، لكنهم يقررون أخيرًا اصطحابه إلى جارهم داني عسى أن يجدوا عنده بعض الأدوية، لأن سيارات تسلا ذاتية القيادة تغلق الطرق الرئيسية في البلدة.

 بالتزامن مع ذلك، تُفقد الفتاة الصغيرة روز، وهي مولعة بمشاهدة مسلسل "الأصدقاء"، ونظراً لانقطاع الإنترنت، لم تتمكن من متابعة الحلقة الأخيرة.

ينتهي الفيلم بعثور الفتاة الصغيرة على مخبأ يحتوي على مخزن للأغذية ومجهز بطاقة كهربائية، ومجموعة ضخمة من أشرطة الأفلام والمسلسلات، وتعثر على الحلقة الأخيرة من مسلسلها المفضل. ينتهي الفيلم بإضاءة زرقاء على وجهها أثناء بدء متابعتها للمسلسل.

الاختلافات بين الفيلم والرواية محدودة جدًا، وربما يُعتبر استبدال شخصية روث، زوجة جورج البالغة من العمر الثالثة والستين في الرواية، بشخصية ابنته الشابة التي تحمل نفس الاسم في الفيلم، من أبرز وأهم الاختلافات.

حبكة الفيلم وأجزاؤه الخمسة

في الجزء الخامس من الفيلم، يتحدث جورج مع كلاي عن خطة من ثلاث مراحل لإسقاط الحكومة، كان أكبر زبائنه يتخوف منها:

أولها العزل من خلال تعطيل الاتصالات ووسائل النقل، وثانيها فوضى متزامنة مع هجمات إرهابية ونشر الإشاعات والمعلومات الخاطئة، وترك أسلحة للمتطرفين، فتبدأ الفوضى. إذا نجح ذلك، فستحدث المرحلة الثالثة تلقائيا وهي الانقلاب والحرب الأهلية والانهيار.

7عتلا
بروشور الفيلم

إذا عدنا لممارسات نظام الأسد في بداية الثورة السورية، من تعطيل الاتصالات وأحداث فوضى متزامنة مع إطلاق سراح قيادات وأفراد متشدّدين وتزويدهم بالأسلحة، وبداية تكوين تنظيم "الدولة" ما تزال حاضرة في الذاكرة، سيتبادر للذهن أن ما جرى في سوريا عبارة عن سيناريو مبسط لمخطط نهاية العالم كما تروج له أفلام الكوارث؛ خطة النظام لقمع الثورة تشبه إلى حد كبير البرنامج الذي يؤكد فيه جورج أنه "الطريقة الأكثر فعالية من حيث التكلفة لزعزعة استقرار البلاد. فعندما يفقد الشعب المستهدف توازنه، سيقوم بالعمل بدلاً منك".

 إذا عدنا إلى أقسام الفيلم الخمسة، نجد أنها تتجسد في هذه المحادثة القصيرة، إذ يقسم الفيلم إلى خمسة أجزاء: (المنزل، المنحنى، الضجيج، الفيضان، والنهاية).

الجزء الأول والثاني هما مقدمة طويلة تنتهي بالعقد الثلاث التي تعنون الأجزاء التالية، وينتهي المسلسل دون حلول للعقد، ودون معرفة أسباب حدوث أي من الكوارث.

ما أسباب انهيار الولايات المتحدة؟

أماندا شخصية عنصرية شككت في إمكانية امتلاك جورج للبيت الذي يستأجرونه فقط لأنه أسود البشرة، ثم فسرت وجود مفاتيح البيت لديه بأنه قد يكون أحد عمال التنظيف الذي يعمل لدى المالك.

حركة الكاميرا من الطابق العلوي الذي تقيم فيه العائلة المستأجرة (البيض)، مروراً بالطابق الأرضي ونزولاً إلى القبو حيث تقيم العائلة المالكة للبيت (السود)، تشير إلى الطبقية الاجتماعية والعنصرية. أيضا انتقالات الكاميرا إلى الأعلى وإلى الأقمار الصناعية تشير إلى أننا جميعًا مراقبون حتى في غرف النوم. هذه المراقبة للفرد تفقده حريته المكفولة دستوريًا وهذا عامل من عوامل الانهيار.

الباخرة التي هاجمت الشاطئ كتب عليها بلون أبيض واضح "الأسد الأبيض" WHITE LION. إذا ربطنا هذا الاسم برقم الإذاعة "1619" التي يستمع إليها كلاي، والتي تركز عليها الكاميرا بشكل واضح، سنجد أن دلالة "الأسد الأبيض" تشير إلى سفينة بريطانية تجلب الأفارقة ليباعوا كعبيد في عام 1619م.

إذا؛ هناك أسباب داخلية للانهيار المرتقب منها العنصرية، أيضا يوجد خلل البنيوي في منظومة العائلة. فهناك حالة من القطيعة بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث يعيش كل من الأب والأم في عوالم خاصة بهم، والابن يعاني من مشاكل المراهقة دون أن يدرك الوالدان ذلك. أما الطفلة روز، فقد صنعت لنفسها عالمًا خياليًا خاصًا مستوحى من المسلسلات التي تتابعها والقصص التي تقرؤها، يضاف إلى ذلك عوامل خارجية تساهم في الانهيار، منها كثرة أعداء الولايات المتحدة نتيجة لتدخلاتها الخارجية في شؤون الدول الأخرى.

الحوار المميز لشخصيات العمل

شخصية أماندا تمثل المرأة البيضاء من الطبقة المتوسطة التي تظهر سلوكيات تمييز عنصري ويُطلق عليها في الثقافة الغربية "كارين". وهي أيضًا كارهة للبشر كما صرحت في بداية الفيلم. أما شخصية داني، فهي تمثل المؤمنين بنظرية المؤامرة، فهو يدّعي أن المنشورات التي عثر عليها كلاي باللغة العربية "الموت لأمريكا" وجدت في أماكن أخرى باللغة الصينية والكورية، ليفسر ذلك أن هذه المنشورات مجرد تمويه لانقلاب داخلي.

أيضًا، نلاحظ أن حوارات جورج تتسم بالطابع العقلاني الهادئ والمشبع بلغة الأعمال، ولا سيما حديثه الماتع عن المنحى ومراقبته، بينما يبدي كلاي- الأستاذ الجامعي في الإعلام- انفتاحًا أكبر ومرونةً أعلى من بقية الشخصيات. وهكذا، كل شخصية لها حواراتها المميزة المستمدة من طبيعتها وعملها وتكوينها النفسي وانتمائها العرقي (أسود- أبيض).

تحكم الميديا والتكنولوجيا بحياتنا

الفتاة الصغيرة روز مشغولة بمسلسل "الأصدقاء"، أي أنها مشغولة بنوع من الميديا. أما أخوها آراتشي فيعشق التصوير بكاميرا هاتفه واستعراض الصور والفيديوهات، الجملة التسويقية للإعلان كانت "اترك العالم خلفك"، لكن العالم ممثلا بوسائل الاتصال والميديا، وهو ما يحاصر شخصيات الفيلم حتى أثناء إجازتهم للاستجمام، وهذا ما أشار إليه كلاي بأن الكتاب الثاني لإحدى طالباته يتحدث عن "الإعلام كوسيلة للهروب والانعكاس"، وهذا ما عاد ليؤكده في نهاية الفيلم أنه دون "جي بي آس" ودون الإنترنت لا يستطيع أن يفعل شيئًا، لذلك يشعر أنه ضعيف.

حرب أهلية في لوحات فنية

اللافت أن اللوحات التي تعلق على جدران المنزل تتغير بتصاعد الأحداث. في بداية الفيلم، هناك لوحة في غرفة نوم أماندا تظهر فيها أمواجا بمستوى السرير، ثم يرتفع الموج في مشاهد لاحقة حتى يبلغ الذروة في جزء الفيلم المعنون "الطوفان"، كما يظهر اللون الأبيض والأسود في لوحة أخرى، ومع تصاعد الأحداث تتغير مستويات اللونين، وهذا ترميز لتأرجح مستويات الصراع بين البيض والسود في أمريكا صعودًا ونزولًا.

موسم الكوارث

بدأ منتجو الأفلام يتنافسون مع المنجمين الذين تستضيفهم الفضائيات "كعلماء الفلك" عند اقتراب رأس السنة الميلادية. ففي كل عام، يُنتج فيلم كوارث. العام الماضي كان فيلم "لا تنظر إلى الأعلى" وهذا العام "اترك العالم خلفك"، وكلاهما يرسل رسائل تحذيرية مكثفة، ويستعرضان أغلب الأفكار التي تتبناها شرائح واسعة من المجتمع بشأن نهاية العالم. لذلك، سيجد أي شخص يشاهد الفيلمين بعضًا من الأفكار التي يتبناها. وهذا ما يُعيد إثارة الجدل والنقاش بين شرائح المجتمع، مما يحقق نسبة عالية من المشاهدة.