ابتسامة إيميلدا الأسد في صورة كبيرة

2020.10.29 | 00:01 دمشق

1603696949.jpg
+A
حجم الخط
-A

شخصان ترشحا ضد بشار الأسد في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2014، أحدهما نكرة في المشهد السوري عموماً هو ماهر الحجار الذي ظهر فجأة، دون أن يسبق حضوره في مثل هذا المحفل أي نشاط معروف سوى كونه عضو سابق في الحزب الشيوعي جناح خالد بكداش، التحق لاحقاً بتشكيل قدري جميل، الذي حمل اسم "اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين"، على النقيض من حسان النوري الذي استوزره النظام غير مرة في حكومات الأسد الابن!

تجاسر صحفي في التلفزيون الحكومي وسأل أحد جنود الأسد من المرابضين على إحدى جبهات الغوطة الشرقية (وأظنهما جرياً على العادة قد رتبا الأمر مسبقاً) عن رأيه بشخصية ماهر الحجار كمرشح في مواجهة الأسد، فأجاب الجندي بهدوء في البداية قائلاً: حق كل إنسان أن يحلم، ولكن هل يملك هذا الحجار رجالاً تدافع عنه؟

هنا ظهر الانفعال على وجه المراسل، فبدا سعيداً بمكنونات الإجابة، والتقط الجندي الإشارة منه، فرفع بندقيته لتصبح في وسط الكادر، ثم هتف: بالروح بالدم نفديك يا بشار!

هذا المشهد لخص حكاية الانتخابات التي صنعها الأسد وحلفاؤه بوقاحة، كتمثيلية مكشوفة أمام العالم كله، دون أن يكلف نفسه عناء تمويهها بقليلٍ من التفاصيل، فهو يعرف بأن العالم يعرف، أنه يفبرك القصة، استجابة لمطالب السوريين بالتغيير، ولهذا لن تفرق معه، ومع العالم أيضاً، أن تهتز البنادق أمام الكاميرات، ليفديه أصحابها، محتقرين أولئك الذين تجرؤوا على خوض "المنافسة" أمامه!

لقد كانوا يقتلون من خرجوا في مظاهرات ضده، ولكنهم الآن وبأوامر عليا مضطرون للقبول بالتمثيلية، ولن يحاسبهم أحد إن خرجوا قليلاً عن النص!

ربما كان هذا الجندي أو غيره واحداً من معوقي الحرب الذين حضروا لقاء مؤسسة العرين في حمص على كرسي متحرك، والذي سيقت إليه قبل أيام جموع من عائلات الجنود من القتلى والمصابين، حيث أهينوا وحط القائمون على الفعالية من كراماتهم، حينما أبقوهم بانتظار رعاة الحدث لساعات، ثم رموا إليهم عبوات مياه صغيرة وقطع من البسكويت بطريقة مذلّة دون خجل من الكاميرات، التي توثق المشهد أمام صورة كبيرة لأسماء الأسد، تظهر فيها مبتسمة، وكأنها ترعى الحفل، بكل ما يحتوي من فجيعة!

هذا المشهد لخص حكاية الانتخابات التي صنعها الأسد وحلفاؤه بوقاحة، كتمثيلية مكشوفة أمام العالم كله

لن يستطيع هذا الجندي وبعد ست سنوات من رفض الحلول السلمية للأزمة السورية، وإثر سقوط مئات الآلاف من القتلى العسكريين، والمسلحين، وعددٍ لا يحصى من المدنيين، أن يهز الكلاشينكوف أمام الكاميرات، ليدعي أن السيدة الأولى، أو سيدة الياسمين، في حال صدقت التوقعات بأنها ستترشح لرئاسة الجمهورية، لا تملك جنوداً يدافعون عنها، مقابل مرشحين لا يملكون سوى الاستجابة لقرارات مخرج التمثيلية الانتخابية القادمة!

لقد باتت أقوى شخصية في سوريا، بعد أن أقصت منافسيها من آل مخلوف، أبناء خال زوجها، وقد يرضخ بشار لمثل خيار كهذا، إن كان سيضمن له الاستمرار في حكم البلاد من الخلف، في لعبة شبهها البعض بأنها ستكون النسخة السورية من معادلة (بوتين/ مدفيديف) الثنائية في تبادل المناصب بينهما!

ولكن ما الذي تملكه أسماء الأخرس التي تنتمي للأكثرية السنية، من أوراق لتهزها، أمام مؤيدي النظام الذين تم إذلالهم، وحاولت لاحقاً أن تعتذر منهم عبر إقالة مدير فرع مؤسستها العرين في حمص، محملة إياه المسؤولية عما حدث!؟

يتحدث المتابعون وبثقة عن قدرتها على الغوص في المستنقع الأسدي، وتمكنها من لجم تماسيحه المفترسة، ولا سيما أمراء الحرب منهم، فالمشهد لا يحتمل لدى إيما (اسم دللها به أصدقاؤها في بريطانيا) وجود أمراء عدة! بل أميرة واحدة، أو وردة واحدة في صحرائهم، فهي لن تفرط بأي من ألقابها بعد أن سحبت منها مجلة فوغ هذا التوصيف، بعد مجازر بعلها بحق السوريين المنتفضين ضده!

ولهذا من المرجح أنها ستفتك بكل من يقف في وجهها، ولا أحد يستطيع التكهن بنواياها وأفعالها القادمة، كما لا يملك أحد القدرة على الجزم بأن ما جرى في حمص كان مجرد خطأ من موظف مجتهد، أم هو سياسة مقررة سلفاً، شكلت هذه الواقعة طليعتها الأولى!

كانت زوجة دكتاتور الفليبين الشهير فرديناند ماركوس (1917 -1989) -ويا للصدفة-تحمل اسم إيميلدا، وقد تكشفت أحوالها، وما تملكه من ثروات منهوبة من الشعب أمام العالم كله، بعد سقوط حكم زوجها، بفعل ثورة خاطفة أطاحت به عام 1986، ففضلاً عن عشرات المليارات (الكاش) من الدولارات، ومئات العقارات غالية الأثمان المنتشرة حول العالم، وغير ذلك، أيضاً الكنوز التي تحتوي كميات كبيرة من المجوهرات والذهب ومئات اللوحات الفنية النادرة! اشتهرت إيميلدا بتملكها لـ 2700 زوج من الأحذية النسائية من أغلى الماركات العالمية، ولعل هذه مصادفة أخرى تجمعها بمثيلتها السورية، التي اشتهرت بتسوقها من أفخم المتاجر الأوروبية، في أحلك الأوقات المعيشية التي عاشها مؤيدو زوجها!

غير أن أفظع ما ملكته إيميلدا إصرارها على وقاحتها منقطعة النظير، فقد خاضت من حيث استقرت بها الأحوال في نيويورك بمعونة طاقم كبير من المحامين الشرسين، جولات في المحاكم مدافعة عن حقها بما ملكته من الأموال المسروقة من الفلبينيين، فنجت من العقاب، واستردت العديد من الأملاك التي صودرت منها في الخارج!

ولم تكتف بذلك، بل استطاعت أن تعود إلى بلادها، بعد موافقة السلطات، وطالبت بأملاك زوجها المصادرة، ورشحت نفسها للرئاسة، وغرزت ولديها في العمل السياسي، فباتت ابنتها إمي حاكمة لإحدى المقاطعات، وصار ابنها بونج بونج عضواً في البرلمان، يحاول الوصول لقمة الحكم.

وهنا نسأل: هل تنجح إيما الأسد، في تقمص شخصية إيميلدا ماركوس، فتبقى صورتها في الأعلى مزينة بابتسامة صفراء خفيفة!؟