icon
التغطية الحية

إيكونوميست: هل ستنتقم إسرائيل من إيران أم أن الإطراء الأميركي يكفي؟

2024.04.15 | 16:20 دمشق

الصواريخ الإيرانية التي تم إطلاقها لتستهدف إسرائيل - المصدر: الإنترنت
الصواريخ الإيرانية التي تم إطلاقها لتستهدف إسرائيل - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

 "فلتنعم بالانتصار!" هذا ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن مخاطباً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب الهجوم الذي شنته إيران بمسيراتها وصواريخها، إذ نجحت إسرائيل باعتراض 99% من 300 صاروخ إيراني أو يزيدون أطلقت باتجاه إسرائيل، وذلك بحسب ما أعلنه مسؤولون إسرائيليون، وما نزل منها فوق إسرائيل تسبب بأضرار طفيفة في قاعدة نفاتيم الجوية الواقعة جنوبي إسرائيل، لكنها بقيت تمارس أعمالها بشكل كامل، غير أن الضحية الرئيسية كانت فتاة بدوية عمرها سبع سنوات، أصيبت بجراح من جراء تساقط الركام عليها، وذلك لأن إسرائيل برأي بايدن: "أظهرت قدرة متميزة في الدفاع عن نفسها بل حتى في التغلب على تلك الهجمات غير المسبوقة".

ولكن خلف هذا الإطراء تكمن رغبة أميركية بتجنب الانتقام الإسرائيلي الذي يمكن أن يؤدي إلى تصعيد إقليمي مرعب كما بوسعه أن يجر العم سام إلى نقطة أعمق في مستنقع الشرق الأوسط، إذ عقب مواجهة دولة لدولة بين أهم قوتين عسكريتين في المنطقة، لم تعد الأمور سهلة، إذ شعرت إسرائيل بأنها تلقت ضربة استهدفت قوة الردع لديها، ولهذا قد تشعر بأنها مجبرة على الرد، هذا إن لم نستبعد الدول العربية والغربية التي ساعدت إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولهذا وتحديداً في الرابع عشر من شهر نيسان الجاري، أخذت حكومة الحرب الإسرائيلية تصارع هذه المعضلة، وسواء أأعجبنا الأمر أم لم يعجبنا، أعادت تلك الهجمة رسم قواعد الردع من جديد في المنطقة، وأظهرت مدى أهمية الدور الأميركي ضمن الجهود الإقليمية الساعية لاحتواء إيران.

لا أحد يريد الحرب

بعد مرور ستة أشهر على الحرب التي استنزفت كل المقدرات في غزة، أصبحت رغبة معظم الأطراف تنصب مباشرة على تفادي أي حرب إقليمية موسعة، ولهذا أبلغت أميركا إسرائيل بأنها لن تشارك في أي هجوم تشنه إسرائيل على إيران، كما خشي المستثمرون من تفاقم القتال الذي يمكن أن ينجم عنه زيادة كبيرة في أسعار النفط، بل حتى إيران نفسها ألمحت إلى استعدادها للتوقف، إذ في تغريدة نشرتها البعثة الإيرانية إلى الأمم المتحدة ورد الآتي: "يمكن اعتبار الأمر بأنه انتهى" لكنها حذرت أيضاً من "رد أقسى بكثير" في حال اتخذت إسرائيل أي إجراء، كما أكدت على ضرورة ابتعاد الولايات المتحدة عن المشهد.

ثمة سابقة قامت خلالها إسرائيل بضبط نفسها عن الرد على هجوم صاروخي مباشر، إذ في عام 1991، أطلق العراق عشرات من صواريخ سكود على الدولة اليهودية والمملكة العربية السعودية خلال حرب عاصفة الصحراء، أي ذلك الهجوم الذي ترأسه الولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية التي احتلت الكويت من ذلك المكان، فكان العجيب في الأمر عدم رد رئيس الوزراء وقتئذ، إسحق شامير، على العراق ورضوخه للضغط الأميركي، في الوقت الذي اعتبرت فيه غارات صواريخ سكود غير الدقيقة التي شنها صدام حسين بمثابة استفزاز هدفه جر إسرائيل إلى الحرب وتقويض الدعم العربي للتحالف الأميركي. ولذلك أطلق صدام نحو 40 صاروخاً يحمل رؤوساً حربية تقليدية، فأحدثت أضراراً محدودة في إسرائيل، في حين أن معظم القتلى الذين لم يتجاوز عددهم عشرة توفوا بسبب نوبة قلبية أو بسبب ارتدائهم للأقنعة الواقية بطريقة خاطئة.

احتمالات الرد الإسرائيلي

ما يعني أن هذه الواقعة قد تبدو مألوفة لنتنياهو الذي كان وقتئذ نائب رئيس وزراء في حكومة شامير التي ترأسها حزب الليكود، واشتهر بفضل لقاءاته التلفزيونية وهو يرتدي القناع الواقي في عام 1991، بيد أن المقارنة هنا تمتد لما هو أبعد من ذلك بكثير، إذ بخلاف العراق، لم تدخل إيران في حرب مع أي من الجيوش المتحالفة، بل إن غاراتها المباشرة بوساطة المسيرات والصواريخ على إسرائيل تمثل ذروة حرب شبه سرية امتدت لعقود طويلة، لكنها تحولت إلى حرب علنية بشكل خطير، ثم إن إيران لا تدعم حماس فحسب، بل تقدم الدعم لشبكة من الميليشيات الشيعية وغيرها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن، ضمن ما يعرف بمحور المقاومة.

كما أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية قد تطورت، إذ خلصت التحقيقات بعد حادثة عام 1991 إلى أن نسبة الاعتراض لدى البطاريات القديمة من نوع باتريوت الأميركية المرسلة إلى إسرائيل كانت أقل من 10%، وبالمقابل، أصبح التهديد الصاروخي أكبر بكثير، إذ تمتلك إيران وحلفاؤها اليوم الآلاف المؤلفة من الصواريخ والقذائف من مختلف الأنواع والأشكال، ولكن أن تطلق تلك الصواريخ على إسرائيل من دون أن تتلقى أي رد بات أمراً غير مقبولاً البتة بالنسبة لإسرائيل.

تشوب استراتيجية نتنياهو جهود حثيثة للبقاء في السلطة بعد تراجع شعبيته إلى حد بعيد، فقد ضغط شركاؤه من اليمين المتشدد في الحكومة الائتلافية من أجل إطالة أمد الحرب بهدف تدمير حماس في غزة، وأصبح هؤلاء اليوم يطالبونه باتخاذ إجراء ضد إيران. وفي لبنان وغيرها، كانت إسرائيل ترد في معظم الأحيان على الموقع نفسه الذي أطلق النار عليها وعبر اغتيال كبار القادة العسكريين. ولكن في الداخل الإيراني، يمكن أن تختلف الأهداف المحتملة، إذ لطالما تطلعت إسرائيل إلى مقرات إيران النووية وتلك المخصصة لتخصيب اليورانيوم، وكذلك الأمر بالنسبة لمقرات الحرس الثوري وغيرها من المصانع التي تقوم بإنتاج المسيرات والصواريخ.

ولكن، بعدما عزلت إسرائيل نفسها بسبب الحرب على غزة، أوضحت الهجمات الإيرانية مدى اعتماد الأمن الإسرائيلي على دول أخرى لا ترغب بالتصعيد كما ترغب إسرائيل، إذ أسقطت القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية عدداً كبيراً من الصواريخ والمسيرات الإيرانية قبل وصولها إلى إسرائيل، وساعد الأردن في ذلك أيضاً عبر تدمير أسلحة إيران عند وصولها إلى مجال الأردن الجوي، فيما يرجح تدخل دول عربية أخرى في تلك العملية بشكل غير مباشر، ثم تكفلت الدفاعات الجوية الإسرائيلية المكونة من طبقات بالباقي، وذلك بعدما طورتها إسرائيل بفضل الدعم الأميركي الكبير، فأصبحت تشمل صواريخ السهم التي تعترض الصواريخ الباليستية في الأجواء، وصواريخ مقلاع داوود وصواريخ باتريوت التي تصيب تلك الذخائر عند عودتها لدخول المجال الجوي الإسرائيلي، فضلاً عن القبة الحديدية التي صممت لقذائف المدفعية والصواريخ والمسيرات الأصغر حجماً، إذ عندما يتصل الأمر بالهجوم على إيران، يمكن القول بإنه لدى إسرائيل ما تحتاجه من طائرات وناقلات للتزود بالوقود، ناهيك عن المسيرات والصواريخ والغواصات، ولكن كلما زاد الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الولايات المتحدة، أصبح بوسعها توجيه ضربة أقسى، إذ يمكن للطيران الإسرائيلي أن تدعمه أميركا بإمكانيات البحث والإنقاذ وذلك لمساعدة أي طيار عند إسقاط طائرته.

العلاقة مع أميركا على المحك

وهنا يجب على نتنياهو أن يقيس حجم الضغط الذي بوسعه أن يحمله لعلاقات بلده مع أميركا التي تعتبر أهم حام لإسرائيل، فهو يعرف بأن شامير خسر في انتخابات عام 1992 ويعود أحد أسباب خسارته إلى توتر علاقة إسرائيل بأميركا بسبب بناء الأولى لمستوطنات جديدة. بيد أن الغارات الإيرانية عملت على إصلاح الأمور بين بايدن ونتنياهو بما أنهما اختلفا بسبب ما تسلكه إسرائيل من سلوك في حربها على غزة، إلا أن أي انتقام كبير قد يهدد تلك العلاقة من جديد، إذ بما أن إسرائيل تقع ضمن المنطقة المسؤولة عنها القيادة الأميركية الوسطى، أصبحت أميركا تعمل على دمج الدفاعات الجوية للمنطقة، بيد أن الدول العربية لم تبد أي رغبة للخوض في أي حرب بين إيران التي تخشاها، وإسرائيل التي لا تستطيع دعمها علانية، ولقد ثبط رئيس وزراء بريطانيا، ريشي سوناك، من أهمية الرد الانتقامي عندما قال: "لا أحد يرغب برؤية مزيد من الدماء وهي تسفك".

كل تلك الأمور تشير إلى أن إسرائيل أضحت تحت ضغط كبير يمارسه عليها بايدن وغيره حتى تبدي ضبطاً للنفس، إذ قبل اجتماع حكومة الحرب الإسرائيلية مع بيني غانتز وهو أحد أعضاء تلك الحكومة وخصم لنتنياهو، اقترح هذا الرجل بأن تأخذ إسرائيل وقتها، وقال: "سنبني تحالفاً إقليمياً وسنجعل إيران تدفع الثمن بالطريقة والتوقيت الذي يناسبنا"، ولكن حتى لو لم ترد إسرائيل، عادت المشكلة الإيرانية القديمة بالنسبة لأميركا والمتمثلة بالعودة إلى أسلوب الانتقام، وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستقام في شهر تشرين الثاني القادم، أنحى مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بلائمة الهجوم على ما وصفه بضعف بايدن في الخارج. وعلى الرغم من المطالبة برد قاس، لن يكون بعض الجمهوريين راضين في حال انجرار أميركا لحرب ضد إيران، وهذا ما قد يدفع بايدن للعودة إلى شيء مشابه لسياسة ترامب القائمة على ممارسة أشد ضغط على إيران، والذي يشمل فرض حصار أعتى عليها، وهذا قد يتسم بصعوبة أكبر مما كانت عليه الأمور في السابق مع عدم وجود أي رغبة لدى الصين وروسيا في فرض عقوبات.

كما لا يرغب بايدن أيضاً بتقويض الاحتمال المخيف فعلاً والمتمثل بمحاولة التوصل إلى وقف إطلاق نار لفترة قصيرة في غزة، مع تبادل الأسرى والسجناء والبدء بعملية سياسية يمكن أن تترافق مع اتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل مقابل إحداث تطور في ملف إقامة دولة فلسطينية. إذ في عام 1991، كانت أميركا في ذروة قوتها عقب انتهاء الحرب الباردة، وبالمقابل نجد بأن بايدن قد حاول تخليص أميركا من مشكلات الشرق الأوسط، فتبين له بأن الأمر مستحيل، ولهذا مايزال النمط القديم للسياسة التي اعتمدت في عام 1991 يظهر من جديد، إذ عندما تحارب إسرائيل فلسطينيين عديمي الجنسية، ينقسم أصدقاء إسرائيل حولها، وعندما تتعرض لهجوم من دول مثل العراق وإيران، يحتشدون خلفها، فقد حشد بايدن تحالفاً دولياً غير معلن للدفاع عن سماء إسرائيل، إذ دعا قادة مجموعة الدول السبع لمناقشة الرد على إيران، وانعقد مجلس الأمن الدولي ليتولى الأمر أيضاً، بيد أن بايدن يعرف الدرس القديم منذ عام 1991، إذ كلما زاد عدد القوى الخارجية الآتية لمواجهة أعداء إسرائيل، زاد احتمال ضبط إسرائيل لنفسها.

المصدر: The Economist