icon
التغطية الحية

إيكونوميست : روسيا تنكر وأميركا تحذر من هجوم وشيك على أوكرانيا

2022.02.15 | 08:35 دمشق

روسيا أميركا
وزير الخارجية الأميركي "بلينكن" خلال لقائه في جنيف مع نظيره الروسي "لافروف" (رويترز)
إيكونوميست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بدأت تلك المسرحية قبل ثلاثة أشهر عبر تسريبات للاستخبارات الأميركية تحدثت عن تعزيزات عسكرية روسية هائلة على الحدود مع أوكرانيا، وقد انكشف ذلك وقتها عبر سلسلة من القمم والمفاوضات الطويلة والثرثرة المستمرة التي تجري في كواليس وسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن لحظة التأزم تقترب، وسواء انتهت الأمور بحرب أم بانفراج، فمن المؤكد ألا تدوم حالة التشويق التي نشهدها اليوم لفترة طويلة.

طبول الحرب تقرع

في 11 من شباط، تحدث مستشار جو بايدن للأمن القومي، جيك سوليفان للشعب الأميركي وطلب منه الخروج من أوكرانيا في غضون 48 ساعة، وذلك لأن حرباً "من المحتمل أن تبدأ عبر قصف جوي وهجمات صاروخية من الواضح أن بوسعها قتل المدنيين"، وذلك قبل أن يضيف بأن بوتين قد اتخذ قراره النهائي حيال ذلك. ثم أصدرت حكومات دول غربية أخرى تحذيرات مشابهة لمواطنيها، كما أوقفت شركة الخطوط الجوية الهولندية رحلاتها إلى كييف في 12 من شباط، وبدت شركات النقل الجوي الأخرى على استعداد لتحذو حذو تلك الشركة في غضون الساعات التي أعقبت إيقافها لرحلاتها. ومع رحيل المواطنين الغربيين، تقاطر الصحفيون للسفر إلى أوكرانيا حتى يصلوا في الموعد المحدد للحرب التي أشار الأميركيون اليوم إلى أنها يمكن أن تبدأ في 16 من شباط.

محادثات روسية-أميركية.. عملية!!

بيد أن روسيا تؤكد أنها لا تعتزم القيام بهذا الهجوم، إذ اتهم سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي أميركا وحلفاءها في 12 من شباط بشن "حملة دعائية حول العدوان الروسي" ضد أوكرانيا"، إذ لابد وأن الكرملين يعرف هذا المصطلح جيداً، بما أنه هو من اخترعه، وذلك عندما اختلق مزاعم حول تهديد حلف شمال الأطلسي لروسيا وللعرق الروسي في أوكرانيا وذلك لتبرير عملية ضم القرم وللتقدم نحو إقليم الدونباس جنوب شرقي أوكرانيا في عام 2014.

والحق يقال هنا إن أميركا وحلفاءها يستخدمون اليوم الاستخبارات الحية كسلاح للمعلومات، على أمل ردع روسيا ومنعها من الغزو. ففي 12 من شباط، أجرى الرئيس جو بايدن اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليحذره من جديد من العواقب الوخيمة التي لابد وأن تترتب عليه في حال شن الغزو. وفيما لخصه حول تلك المحادثة، ذكر يوري أوشاكوف، مستشار السياسة الخارجية لدى بوتين بأن جنون أميركا بلغ ذروته، لكنه نوه أيضاً إلى أن المحادثات بين الرئيسين كانت عملية.

حرب المعلومات

بالرغم من حشد الجنود على الحدود، يبدو أن روسيا اليوم قد فوجئت بقوة سلاح المعلومات الذي انقلب ضدها.

إذ في بحر الأسبوع الماضي، أجرت الإيكونوميست مقابلات مع عدد كبير من الدبلوماسيين والصحفيين والمسؤولين والاقتصاديين ورجال الأعمال في روسيا، حيث توقع عدد قليل منهم دخول بلاده الحرب، إلا أن أياً منهم لم يتمنَ ذلك، إذ إن جميعهم، سواء أكانوا رجالاً أم نساءً، عبروا عن خوفهم من عواقب القيام بتلك الخطوة، في حال وقوعها.

كما أن التوتر الجيوسياسي ما فتئ يضر بالاقتصاد الروسي، حيث انعكست آثار الخطر على السندات وأسواق الأسهم والعملات بحسب ما ذكره مسؤول رفيع رفض الكشف عن اسمه، حيث قال: "قد تكون روسيا أقل عرضة للصدمات الخارجية مما كانت عليه قبل عام 2014، لكنها ماتزال مندمجة بشكل كبير في الاقتصاد العالمي".

وبالرغم من صور الأقمار الصناعية التي تظهر التعزيزات العسكرية الروسية والتحذيرات الدبلوماسية، ماتزال الحياة في موسكو وكييف عاصمة أوكرانيا تسير على طبيعتها، إذ مايزال الشباب في كلتا المدينتين يتجولون بحثاً عن أحدث البارات الجميلة. كما مايزال الأطفال يتزلجون في الساحة الحمراء داخل حلبة جليد وضاءة على أنغام أغنية: Jingle Bells، وفي عطلة نهاية الأسبوع، تحدث فولوديمير زيلينسكي، ذلك الممثل الأوكراني الذي أصبح رئيساً، إلى الصحفيين الذين وصلوا لبلاده متوقعين نشوب حرب فيها، وأخبرهم بأن هنالك "الكثير من المعلومات في فضاء المعلومات... إننا نتفهم جميع المخاطر"؛ ولكن إن كان لدى أي أحد "معلومات إضافية حول غزو مؤكد بنسبة 100% سيبدأ في 16 من شباط، فنرجو منه أن يزودنا بتلك المعلومة".

مشكلة الدونباس

ولكن ماذا يكمن خلف التصعيد في تلك المسرحية؟ لعله الطريق المسدود الواضح الذي وصلت إليه المحادثات التي أجريت حول وضع إقليم الدونباس، ففي العاشر من شباط، أي قبل تصريح سوليفان بيوم، التقى ممثلا روسيا وأوكرانيا في برلين مع ممثلين عن فرنسا وألمانيا لمناقشة اتفاقيات مينسك، أي تلك الوثيقة السياسية التي فرضت على أوكرانيا في عام 2014 وتم تحديثها في عام 2015 عقب التقدم الروسي نحو إقليم الدونباس.

خلال السنوات القليلة الماضية، أصدر الكرملين الآلاف من جوازات السفر للناطقين باللغة الروسية في كلتا المنطقتين اللتين تسيطر عليهما روسيا، أي في دونيتسك ولوهانسك. كما حاولت أيضاً إرغام أوكرانيا على منح ذلك الإقليم استقلالاً ذاتياً بنسبة كبيرة، في خطوة بوسعها منح روسيا نفوذاً مهماً في تلك البلاد بأكملها. وقد تفهمت أوكرانيا تلك المخاطر جيداً، فقاومت تلك الخطوة، وحاولت أن تكسب الوقت، فعرض الرئيس زيلينسكي بتحريض من الغرب البدء بمشاورات حول صياغة قوانين من أجل تسوية سياسية، إلا أن موسكو رفضت ذلك بصورة فجة، ووصفته بأنه تمثيلية.

وفي مقابلة مع مجلة الإيكونوميست بعد عودته من برلين، ذكر ديمتري كوزاك كبير المفاوضين الروس ونائب قائد أركان الجيش لدى بوتين بأن روسيا لم تعد على استعداد للعب ما سمّاه التقليد الأوكراني لعملية السلام. فبعد تسع ساعات من المحادثات بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا، يخبرنا كوزاك بأن الأمر بات جلياً جداً وبأن هنالك أدلة خطية رشحت بعد ذلك، لتثبت بأن "سبع سنوات من التأكيدات التي أطلقتها أوكرانيا وحلفاؤها، حول الالتزام باتفاقيات مينسك كانت مجرد خدعة... فالفريق الحكومي الأوكراني الحالي غير مهتم بحل أزمة الدونباس، كما أنه ليس بحاجة للدونباس لأسباب اقتصادية وسياسية لا يخفيها ذلك الفريق بالأصل". كما رأى بأن النزاع المحتدم يساعد الحكومة الأوكرانية ويتيح لها الحصول على مساعدات من قبل الدائنين والممولين الغربيين، ويعتبر بأن فكرة إنهاء النزاع لابد وأن تترتب عليها تكاليف باهظة على عملية إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة كما يمكن أن يخل بالتوازن الهش لنظام أوكرانيا السياسي، وهذا لن يصب في مصلحة الحكومة الحالية.

ومن المفارقات هي أن هذا التقييم يشبه إلى حد كبير التقييم الذي يرجحه غالبية الأوكرانيين الذين يشعرون بأن عملية إعادة دمج إقليم الدونباس قد تسمم البلاد من الداخل، إذ يقول كوزاك: "إن النتيجة السلبية تعتبر نتيجة بحد ذاتها في بعض الأحيان"، وأضاف: "إننا لم نغلق الباب، ولكننا لن نشارك في أي تقليد لعملية السلام أيضاً، وكل ما نريده هو حل المشكلة، وقلب الصفحة والمضي قدماً". وفي الوقت الذي اتهم فيه كوزاك كييف بالتآمر، يبدو بأنه ما يزال يحتفظ بتفاؤله تجاه إمكانية تجنب الحرب.

نزع فتيل الحرب والعواقب

ثمة توجه لاتباع طريقة ممكنة تفضي لنزع فتيل الوضع دون حرب وقد تحول ذلك إلى حديث من المتوقع للبرلمان الروسي أن يصوت عليه خلال فترة قريبة ليتحول إلى مقترح تقدمه ثلة من النواب المخلصين وذلك لمناشدة بوتين حتى يعترف بجمهوريتين أعلنت كل منهما عن قيامها بنفسها وهما جمهورية دونيتسك وجمهورية لوهانسك، إذ ذكر فياتشيسلاف فولودين وهو أحد أهم وأقوى الخطباء في مجلس الدوما، في تصريح له صدر في 11 من شباط ما يلي: "إنها مسألة خطيرة وحساسة، فنحن نتحدث عن حماية أرواح شعبنا وأبناء بلدنا".

في حال اعترفت روسيا رسمياً بالجمهوريتين اللتين أسِستا وأعلنت كل منهما عن قيامها بنفسها، على أنهما كيانان مستقلان، أو حتى أرسلت جنودها وبنيتها العسكرية إلى هناك، فإن ذلك سيرقى لشيء لا يقل عن الضم، بما أن هاتين "الجمهوريتين" ستكونان مليئتين بمواطنين روس منحوا الجنسية مؤخراً، ولهذا لن تقوم لهما قائمة دون دعم كبير من قبل موسكو.

إلا أن أوكرانيا والغرب لابد وأن يعترضا بشكل صريح على عملية إعادة رسم الحدود الدولية بالقوة، غير أن هذه الخطوة يمكن أن تخفض التوتر أيضاً، وذلك لأن المبرر المباشر لأي غزو روسي كان يوصف دوماً من قبل أوكرانيا على أنه "استفزاز" في دونيتسك ولوهانسك. وحتى لو احتجت الحكومة في كييف على ذلك، إلا أنها ستتنفس الصعداء، وكذلك ستفعل باقي دول العالم، بيد أن الخطر يكمن في أن روسيا لن تتوقف عند هذا الحد.

  المصدر: إيكونوميست