icon
التغطية الحية

إيكونوميست: التهرب من إقامة العدل بعد حرب أهلية متوحشة

2022.08.16 | 10:11 دمشق

صورة تعبيرية عن العدالة الانتقالية - المصدر: الإنترنت
صورة تعبيرية عن العدالة الانتقالية - المصدر: الإنترنت
إيكونوميست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

مضى عشرون عاماً على اختطاف شقيقة سوسهيلا تشاودهاري من قريتها على يد الجيش النيبالي، ولم تعد منذ ذلك الحين، كما مضى 18 عاماً على اقتحام الجنود لبيت شقيقها، وحبسه في غرفة، وتعذيبه ثم قتله. إلا أن السيدة تشاودهاري التي أصبحت اليوم محامية في الثلاثينيات من العمر، أمضت ردحاً طويلاً من العقدين الماضيين وهي تحاول أن تكتشف من قتل شقيقها وما الذي حل بشقيقتها. وكغيرها ممن فقدوا أفراداً من أسرتهم خلال الحرب الأهلية بنيبال التي امتدت ما بين عامي 1996 و2006، أو ممن تعرضوا لانتهاكات طالتهم شخصياً، تحس تلك المرأة بإحباط وخذلان من قبل السلطات في بلدها، ولهذا تقول: "إنني على يقين من وجود سجلات تتضمن أسماء المسؤولين عن كل ذلك، إلا أنهم لم ولن يعطوها لنا".

بعد مقتل أكثر من 17 ألف إنسان، واختفاء ألف وثلاثمئة آخرين بشكل قسري، سواء عبر الخطف أو القتل، نزح الآلاف من السكان خلال تلك الحرب التي قام فيها الثوار الماويون ضد الحكومة التي بقيت حتى ذلك الحين تعتمد النظام الملكي الدستوري، إلا أن الحرب انتهت بسلام بعد مفاوضات بإشراف الأمم المتحدة، وذلك بعدما أجبر الملك الذي حاول أن يسحق الثوار عبر احتفاظه بسيطرة كاملة على البلاد حتى آخر فترة من ذلك النزاع، على التنازل عن سلطاته للبرلمان، وبعد فترة قصيرة على ذلك،  تم إعلان الجمهورية في نيبال.

جمهورية بعد ملكية طويلة

كان من شروط اتفاقية السلام في نيبال التزام كلا الطرفين بعملية ملائمة وصفها المحامون والحقوقيون بأنها: "عدالة انتقالية" أو بلسمة لجراح الحرب عبر الكشف عن مكان المختفين قسرياً، وإعداد سجل يشتمل على الفظائع والجرائم، إلى جانب محاكمة مرتكبيها في المحاكم، إلا أن ذلك الالتزام بقي حبراً على ورق، وذلك لأن عملية الانتقال الديمقراطي أنهت الملكية التي امتدت لمدة 240 سنة، إلا أنها حولت الخصوم السابقين إلى سياسيين، وهؤلاء لم تكن لديهم رغبة للفت النظر نحو أخطاء الماضي، ولذلك لم ينشر أي طرف معلومات حول مكان المختفين قسرياً.

مخربون يعيقون تحقيق أي تقدم 

وفي عام 2014، أي بعد سنوات من التسويف والتأجيل، شكلت الحكومة لجنتين، إحداهما للتحقيق بقضايا الإخفاء القسري، والأخرى للبحث بانتهاكات حقوق الإنسان، وذلك لتنفيذ بعض الشروط الواردة في اتفاقية السلام. تلقت اللجنتان أكثر من 60 ألف شكوى وتم تمديد تفويضهما لمرات عديدة، كان آخرها في شهر تموز الماضي، إلا أن كلتا اللجنتين لم تعقدا أي جلسة استماع كما لم تحيلا أي قضية للمحكمة. ولهذا يرى الكثير من المراقبين بأنهما محكومتان بالفشل منذ تأسيسهما، إذ يقول الصحفي كاناك ماني ديكسيت الذي يراقب الوضع: "لديهم أشخاص أكفاء بما يكفي لجعل الأمور تبدو منطقية، إلا أن لديهم بالمقابل ما يكفي من المخربين الذين يعيقون تحقيق أي شيء".

في مطلع هذا العام، كان لدى السيدة تشاودهاري ومحاميها سبب وجيه للاعتقاد بأن الأمور ستتغير، إذ في نيسان، تم تعيين غوفيندا شارما باندي وهو محام بارز بقي لفترة طويلة يطالب الحكومة بالقيام بالمزيد من الخطوات للتحقيق في جرائم الحرب، وزيراً للعدل في التعديل الوزراي، فأعلن بأنه قد خطط لتجديد الدفع باتجاه العدالة الانتقالية وبأن ذلك هو الهدف الأساسي لولايته ضمن هذا المنصب، ومن المتوقع للأحزاب الحاكمة التي تسعى لكسب تأييد المانحين الدوليين، أن تسايره في ذلك. والأهم من ذلك أن بعض المسؤولين الذين يحتلون مناصب رفيعة في الجيش بدؤوا بالتعبير عن نقمتهم بسبب منعهم من الوصول للمناصب ذات الرواتب العالية في عمليات حفظ السلام الأممية وذلك بسبب الأسئلة والشكوك التي تدور حول ما ارتكبوه من جرائم في الماضي، الأمر الذي جدد الأمل بانحسار المقاومة للقوات المسلحة أيضاً. 

مشروع قانون جديد

خلال الشهر الماضي قدم باندي للبرلمان مشروع قانون يهدف لإصلاح القانون الذي يعاني من مواضع خلل والذي تم بموجبه تشكيل اللجنتين في عام 2014، وهذا المشروع يصعب أمر العفو على من ارتكبوا جرائم خطيرة، كما يمنح الضحايا الحق بالحصول على تعويض، ويعطي أقارب المختفين قسرياً الحق بالحصول على أملاكهم. غير أن منتقدي هذا المشروع يرون بأنه ممتلئ بالثغرات التي يمكن أن تساعد المجرمين على الإفلات من قبضة العدالة، مع عدم تخصيصه ما يكفي من الموارد لعمليات التحقيق. ومع ذلك، مايزال باندي يأمل بأن يفتح ذلك الطريق أمام تشكيل لجنة جديدة لتبدأ أعمالها مع جبال من الشكاوي في نهاية المطاف، بالرغم من أنه يعترف بأن مشروع القانون الذي قدمه ليس مثالياً، إلا أنه يمثل حلاً وسطاً بما يكفي لإقامة عدالة انتقالية".

في حال سن ذلك القانون، فلا بد أن تعمل الحكومة على تنفيذه، إلا أن المشهد السياسي لم يتغير بما فيه الكفاية حتى يحصل كل ذلك، وذلك لأن المقاتلين السابقين من كلا الطرفين مايزالون في السلطة، ولم يتغير موقفهم تجاه فكرة التحقيق بما ارتكبوه هم بأنفسهم، ما يعني أن القانون قد يتحول لورقة توت ليس إلا.

إن ذلك الاحتمال الذي يرجحه كثيرون ما هو إلا درس مفيد على الرغم من أنه مثبط للهمم، وذلك بالنسبة لمن يسعون لتحقيق العدالة بعد نشوب حرب في أي مكان آخر في العالم، وذلك لأن السياسة أهم من البنود القانونية الرسمية عند المحاكمة على الانتهاكات التي جرت في زمن الحرب، وطالما بقي من ارتكبوا جرائم في السلطة، فمن الصعب جداً بالنسبة للضحايا أن يحصلوا على العدالة، أو حتى أن يصلوا لأي طيف من الحقيقة.

   المصدر: إيكونوميست