إفشاء أسرار عسكرية

2023.07.21 | 07:06 دمشق

آخر تحديث: 21.07.2023 | 07:06 دمشق

قوات النظام السوري
+A
حجم الخط
-A

سوف أُفشي في هذا المقال أسراراً عسكرية على طريقة الضباط المنشقين، فأنا أيضاً كنت ضابطاً في جيش النظام، وإن كنت مجرد ملازم مجنّد أدى خدمته الإلزامية ثم انصرف لحياته المدنية.

لكني لن أتواضع أكثر من ذلك إذ لدي أيضاً أشياء مهمة كي أبوح بها. فقد كان مديري المباشر أثناء الخدمة هو وزير الدفاع الحالي في نظام الأسد العماد علي عباس. كان عباس وقتها مسؤولاً في كلية الدفاع الوطني ضمن الأكاديمية العسكرية العليا في دمشق التي كانت بمثابة الجامعة المرموقة بالنسبة لجيش النظام السوري.

تم فرزي إلى كلية الدفاع الوطني عام 2007 كي أعمل مترجماً في مكتب مدير الكلية اللواء يحيى لايز سليمان وكانت تبعيّتي المباشرة له، لكنه لكثرة أشغاله أوكل أمري إلى علي عباس (الذي كان يومها برتبة عقيد) كي يشرف عليّ في المهام التي أسندت إليّ ومعظمها أعمال ترجمة لنصوص تتعلق بتكنولوجيا الصواريخ.

وكي أكون منصفاً منذ البداية فسوف أقول إن العقيد علي كان شخصاً مجدّاً ومخلصاً في العمل، وكان لطيفاً جداً معي، لكنه كان مهزوز الشخصية وجباناً؛ مجرد تابع يعرف كيف يتلقى التعليمات وينفذ الأوامر.

كانت لدى اللواء يحيى لايز سليمان علاقات وثيقة بنظام الملالي في إيران وكان العقيد علي عباس دائم العمل على تنظيم زيارات لضباطٍ إيرانيين للأكاديمية وبالمقابل تجهيز قوائم لضباطٍ سوريين كي يسافروا إلى إيران لاكتساب الخبرات من نظام الملالي؛ وليتني أعلم أي خبراتٍ تُرجى من هناك باستثناء شهادة الدكتوراه في القتل على الهوية! وهكذا ما كنت أحسب إلا وكأن العقيد علي عباس كان مجرد مسؤول علاقات عامة مهمته التواصل مع الملالي في طهران. ولعلّ هذا ما ساعده في الوصول إلى رتبة وزير الدفاع اليوم.

كانت كلية الدفاع الوطني تحتل زاويةً صغيرة من المقرّ الواسع للأكاديمية العسكرية العليا. فالأكاديمية ضمّت كليات أخرى مثل كلية الأركان وكان فيها فندق كبير لمبيت الضباط الأجانب نزلتُ فيه شهراً كاملاً كنوعٍ من الإقامة الجبرية إثر مخالفةٍ ارتكبتها ولم أندم عليها أبداً.

من الناحية النظرية كان قائد الأكاديمية العسكرية العليا هو اللواء أحمد الرفاعي الجوجو وفعلياً كان القائد هو ضابط الأمن العميد غسان بلال المقرب من ماهر الأسد والذي برزت مواهبه مع قيام الثورة حيث ارتكب المجازر الطائفية في ريف دمشق وصار مطلوباً خطيراً للمحاكم الدولية.

قبل الالتحاق بالأكاديمية العسكرية العليا في دمشق خضعت لدورة تدريبٍ قاسية في كلية المشاة في حلب. استمرت الدورة ستة أشهر والأجدر أن أسميها دورة تعذيب لا تدريب

سألني يوماً والدي عن اسم رئيس الأكاديمية التي أخدم بها في دمشق فأجبت، "أحمد الرفاعي الجوجو،" لكني استدركت بالقول إنه مجرد واجهة وإن القائد الفعلي هو ضابط الأمن العميد غسان بلال. فاستنكر والدي ذلك وقال عن رئيس الأكاديمية، "نعم الاسم وبئس القائد!" وكان والدي يلمّح بذلك للإمام أحمد الرفاعي مؤسس الطريقة الصوفيّة الرفاعية في القرن 12 الميلادي. والحقّ أن اللواء أحمد الرفاعي الجوجو لم يكن عبر مكتبه في الأكاديمية (أحمد الرفاعي) بل مجرّد (جوجو) بمعنى أنه كان ألعوبة بيد غسان بلال والدولة العميقة للمنظومة المتحكمة بالجيش والدولة. وكل من أدى الخدمة الإلزامية في سوريا يكتشف أن نظام الأسد برمّته قائمٌ على ثنائياتٍ مماثلة لثنائية (جوجو-بلال) التي كانت قائمة في الأكاديمية.

كانت خدمتي في الأكاديمية العسكرية العليا في دمشق أول مناسبةٍ في حياتي لكي أرى أحدث وأفخم السيارات في العالم. فالطلاب في الكلية التي كنت فيها كانوا برتبة عميد فما فوق. أما المدنيون منهم فمعظمهم كان نائب وزير قيد التدريب لكي يتقلّد منصب الوزارة. وكان الكلّ - وخصوصاً ضباط الجيش - يأتون بسيارات من أحدث الطرز وأغلى الماركات مما يندر مشاهدته في شوارع دمشق. وكنت كلما شاهدت سيارة فارهة جداً يركبها ضابط فاسد أو مسؤول انتهازي من طلاب الأكاديمية أشير للسيارة بيني وبين نفسي وأقول، "هذه حنطة الحسكة وتلك قطن الغاب .. وهكذا."

قبل الالتحاق بالأكاديمية العسكرية العليا في دمشق خضعت لدورة تدريبٍ قاسية في كلية المشاة في حلب. استمرت الدورة ستة أشهر والأجدر أن أسميها دورة تعذيب لا تدريب. فقد كانت الرياضة شاقّة والطعام قليلاً والمعاملة متوحشة بحيث لم أقتنع أن الخدمة الإلزامية التي ذهبت أؤديها كانت من أجل الوطن، بل لإذلال المواطن كما صار واضحاً عندي. كان المجندون في الدورة من حملة الماجستير والدكتوراه حصراً لكن مدرباً من مدينة القرداحة أمرنا بالانبطاح على الأرض في أحد الأيام وقال لنا بالحرف:

"لن أسمح لأحدٍ بالتباهي بشهادته أمامي. أنتم وشهاداتكم تحت حذائي".

حقاً لقد ساعدتني خدمتي الإلزامية في جيش الأسد كي أفهم بلدي بشكلٍ أفضل، وأعطتني - مع تجارب كثيرةٍ أخرى - كل الأسباب المشروعة لكي ألتحق بالثورة عند أول صيحة، ومن دون أدنى تفكيرٍ بالعواقب.