icon
التغطية الحية

إغلاق المعابر يحرم المتقاعدين شمالي سوريا من رواتبهم ويدفع البعض إلى حلول معقدة

2021.06.25 | 08:24 دمشق

000_1r26nb.jpg
رحلة بمليوني ليرة يقطعها المتقاعدون لاستلام رواتبهم من مناطق سيطرة النظام - AFP
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

عامٌ ونصف مضى على إغلاق المعابر بين الشمال السوري ومناطق سيطرة النظام أمام حركة المدنيين، ما خلق مشكلةً كبيرةً لدى سكان مناطق شمال غربي سوريا، الذين حُرموا من السفر لقضاء حاجاتهم الضرورية، من قبض الرواتب واستكمال الدراسة في الجامعات وتسيير الأوراق الضرورية، وكان المتقاعدون أحد المتضررين من إغلاق الطرق، حيث حُرم كثيرون من الحصول على رواتبهم التي تسدّ جزءاً من مستلزماتهم المعيشية، بينما لجأ آخرون لحلولٍ بديلة لاستلام الراتب أو تحصيل جزءٍ منه.

أغلقت قوات الأسد الطرق بين مناطق سيطرة النظام والشمال الخاضع لسيطرة المعارضة، منذ إطلاقها عمليةً عسكريةً في ريف إدلب الجنوبي، من معرة النعمان باتجاه سراقب في مطلع عام 2020.

رحلةٌ بمليوني ليرة من أجل استلام الراتب

إغلاق المعابر حرم الكثير من المتقاعدين المقيمين في الشمال السوري من رواتبهم، أبو فراس (65 عاماً) من سكان مدينة إدلب، لم يتقاضَ رواتبه منذ عام ونصف، وليس لديه أحد في مناطق النظام، لذا قرر الأسبوع الماضي السفر إلى مدينة حماة، خاصةً أن صلاحية بطاقة الحساب البنكي المخصصة لاستلام الرواتب من الصرّاف الآلي قد انتهت وتحتاج إلى تجديد، إضافةً إلى أن لديه بعض الأوراق التي يريد استخراجها من مناطق النظام.

يقول أبو فراس لموقع "تلفزيون سوريا" "استفسرت من أحد السائقين عن موضوع السفر، فتفاجأت أن كلفة الرحلة إلى مناطق النظام تتراوح ما بين 400-700 دولار أميركي، وكل ما زادت التكلفة يقل الوقت المستغرق على الطريق، حيث يدفع السائق إتاواتٍ للحواجز للسماح لهم بالمرور فوراً، وبسبب وضعي المادي المتدهور اضطررت لاختيار الرحلة التي تكلّف 400 دولار، أي ما يعادل مليوناً و250 ألف ليرة سورية".

انطلقت الحافلة التي استقلها أبو فراس من إدلب باتجاه ريف إدلب الشمالي، وتنقّلت بين مدن وبلدات معرتمصرين وسرمدا والدانا وأطمه، ومن ثم دخلت إلى مناطق "غصن الزيتون" عبر معبر "دير بلوط"، حيث مرّت عبر نواحي عفرين، ومنها إلى منطقة "درع الفرات" ابتداءً باعزاز إلى الباب ومن ثم جرابلس، ألى أن وصلت إلى معبر "عون الدادات" بريف منبج، والذي يفصل بين المناطق المحررة ومناطق الوحدات الكردية.

يضيف أبو فراس: "بعدما قطعنا معبر عون الدادات دخلنا في مناطق سيطرة الوحدات الكردية، واتجهت الحافلة باتجاه ريف الرقة ومدينة الطبقة، واضطررنا خلال تلك المسافة إلى عبور نهر الفرات مرتين والسير لساعتين على أقدامنا، ومن ثم اتجهنا إلى مدينة الميادين، إلى أن وصلنا لمدينة دير الزور. هناك أخبرنا السائق أن مهمته انتهت، وبأن أي شخص يستطيع أن يستقل أي حافلة من كراج دير الزور إلى المدينة التي يريد".

بعد انتظارٍ لثلاث ساعاتٍ في الكراج، انطلقت الحافلة التي كان يستقلها أبو فراس، حيث اتجهت نحو البادية السورية باتجاه ريف حماة الشرقي، مروراً بمدينة السلمية ليصل أخيراً إلى مدينة حماة، بعد رحلةٍ شاقةٍ جداً استغرقت خمسة أيام، استنزفت طاقة المسافرين، حتى إن بعضهم بما فيهم أبو فراس، تعرّضوا للإغماء أكثر من مرة، من شدّة التعب والحر.

وتابع أبو فراس قائلاً: "قمت بتجديد البطاقة البنكية فور وصولي إلى مدينة حماة، وبعدما أنهيت باقي المعاملات، حجزت تذكرةً إلى مدينة دير الزور، وهناك كان ينتظرني المهرّب الذي نقلني إلى مدينة إدلب بذات الطريق الذي جئت منه، مقابل 300 دولارٍ أميركي، حيث إن رحلة الإياب أقل كلفةً من الذهاب، واستمرت الرحلة لثلاثة أيام، وبذلك أصبح السفر للحصول على الراتب يُكلّف 700 دولار، أي نحو مليوني ليرة سورية".

متقاعدون استغنوا عن رواتبهم

قبل إغلاق المعابر منذ عامٍ ونصف، كان التنقّل إلى مناطق النظام أقل كلفةً ومشقة، وأفاد الحاج عبد الحكيم لقموش من سكان أريحا: "كنت أتقاضى رواتبي التقاعدية من الصرّاف الآلي في مدينة إدلب، ومنذ خروجها عن سيطرة النظام في آذار 2015، أصبحت أسافر كل شهرين أو ثلاثة إلى حماة لقبض الرواتب. استمريت على هذا الحال على مدار أربع سنوات، حيث كانت كلفة الرحلة 15- 25 ألف ليرة سورية، وتستغرق 10-13 ساعة".

في تشرين الأول من عام 2019، أغلقت "قوات سوريا الديمقراطية" في منبج شرقي حلب، المعابر الثلاثة (عون الدادات والحلونجي والحمران)، التي تربط الشمال السوري بمناطق سيطرتها، والتي يتم من خلالها العبور لمناطق النظام، حيث كانت تلك المعابر المنفذ الوحيد لأهالي "المحرر"، بعد إغلاق معبريّ "مورك" و"قلعة المضيق" بريف حماة على خلفية المعارك.

وأعيد افتتاح معبر "عون الدادات" في نهاية عام 2019، ما أعاد الروح لآلاف المدنيين ولاسيما المتقاعدين الذي حُرموا من رواتبهم لأكثر من شهرين، لكن فرحتهم لم تكتمل، فبعد شهر وتحديداً في نهاية كانون الثاني 2020، أغلق الأسد المعابر بين الشمال السوري ومناطق سيطرته، عقب إطلاقه عمليةً عسكرية نحو ريف إدلب الجنوبي.

يضيف عبد الحكيم لقموش لموقع "تلفزيون سوريا" "منذ إغلاق المعابر لم أعد أستطيع السفر لاستلام رواتبي، حيث أصبحت رحلات السفر تتم عن طريق مهربين يتفقون مع الحواجز، التي تتقاضى إتاواتٍ باهظة، إضافةً إلى أن الرحلة أصبحت تستغرق عدة أيام، لذا قررت الاستغناء عن هذا الراتب الذي يبلغ 60 ألف ليرة، فكلفة الرحلة اليوم تعادل رواتب ثلاث سنوات".

الحاجة أمينة دالاتي (71 سنة) من أهالي مدينة جسر الشغور، بدورها استغنت عن رواتبها التقاعدية، وعلّلت ذلك بالقول: "أصبح كل من يتقاضى رواتب من مناطق النظام، يُتهم بأنه متواطئ مع الأسد، وبالوقت نفسه بات الحصول على الراتب مكلفاً جداً، لذا قررت الاستغناء عن هذا الراتب، رغم أنه كان يُعينني نوعاً ما في تأمين مستلزماتي المعيشية، على مبدأ (بحصة بتسند جرة)".

حلول بديلة

مع استمرار إغلاق المعابر وصعوبة السفر للحصول على الراتب التقاعدي، لجأ بعض المتقاعدين إلى حلولٍ بديلة للحصول على رواتبهم أو تقاضي جزءٍ منها، فمن لديه قريب أو أي شخص موثوق مقيم في مناطق النظام، أرسل له بطاقته البنكية ليستطيع أن يسحب له الرواتب، ويرسلها له عبر حوّالة مالية إلى المناطق المحررة، وبالتالي يخسر المتقاعد من راتبه نحو 3 آلاف ليرة سورية فقط من أجل رسوم التحويل.

لكن المشكلة التي اصطدم بها المتقاعدون الذين يحصلون على رواتبهم عبر هذه الطريقة، أن البطاقة البنكية الخاصة باستلام الرواتب تحتاج إلى تجديد كل عام، ولا يستطيع تمديد صلاحية البطاقة سوى صاحب العلاقة، أو أحد أقاربه من الأصول (الأب، الأم، الأخ، الأخت، الزوج، الزوجة، الابن، والابنة).

من ليس لديه أحد من الأقارب الأصول مقيم في مناطق النظام، لن يستطيع تجديد بطاقته البنكية، وبالتالي أمامه خياران، إما أن يسافر بنفسه لتجديد البطاقة، وهو أمر غير وارد لأن السفر اليوم أصبح مكلفاً وشاقاً جداً، أو يتعامل مع أحد السماسرة الموجودين في مناطق النظام، والذين يتقاضون مبالغاً ضخمة تصل إلى 200 ألف ليرة سورية مقابل ذلك.

تحويل الرواتب التقاعدية عبر حوّالات مالية إلى الشمال السوري، لم يكن حلاً متاحاً لدى كثيرٍ من المتقاعدين، حيث رفض العديد من أقاربهم الموجودين في مناطق النظام تحويل الرواتب لهم، خوفاً من تعرّضهم للاعتقال.

القبض بالإنابة! 

أم ابراهيم درويش (75 سنة) من سكان مدينة إدلب، خشيت أن تُعرّض أختها أم أكرم التي تقيم في دمشق، للمساءلة أو الاعتقال عند تحويل الراتب لها، خاصةً بعد أن علمت أن ابن أحد صديقاته تعرّض للاعتقال عند تحويله راتب والدته التقاعدي من مدينة اللاذقية، حيث اتهمه النظام أنه "يقوم بتمويل جماعاتٍ إرهابية".

لجأت أم ابراهيم درويش غلى طريقةٍ مثالية وآمنة للحصول على رواتبها، فيها تبادلُ منفعةٍ بينها وبين أختها أم أكرم، حيث أرسلت لها بطاقتها البنكية، وأصبحت أم أكرم تتقاضى راتب أختها كل شهر، والذي يبلغ نحو 55 ألف ليرة سورية، وفي المقابل تأخذ أم إبراهيم ما يعادل هذا المبلغ بالليرة التركية من إيجار منزل تملكه أم أكرم في إدلب، وهكذا يحصل الطرفان على حقه دون أي مخاطرٍ أو كلفة.

تقول أم أكرم: "في الشهر الماضي انتهت صلاحية البطاقة البنكية الخاصة بأختي، فسافرت إلى حماة من أجل تجديدها، باعتبار أن كل شؤون العاملين والمتقاعدين من أهالي إدلب تُدار في حماة، وبما أني من الأقارب الأصول بإمكاني تجديد البطاقة بالنيابة عن أختي، وبالفعل اتجهت إلى مكتب العادلية وقدمت طلبت تجديد، حيث دفعت رسوماً قدرها 10 آلاف ليرة سورية، ومن ثم حصلت على ورقة تتيح لي التوجه إلى المصرف العقاري في دمشق، لاستلام البطاقة البنكية الجديدة، ولحسن الحظ أصبح بإمكان المتقاعد تمديد البطاقة لثلاث سنوات بدلاً من سنة".

ضحايا لقمة العيش

السعي للحصول على الراتب التقاعدي الذي يسد جزءاً من احتياجات المتقاعدين، لم يخلُ من العواقب في رحلة سعيهم وراء لقمة العيش، عزيزة دحنون (72 عاماً) من أهالي مدينة اعزاز، سافرت إلى مدينة حماة مطلع العام الماضي لاستلام رواتبها التقاعدية، وحين قررت العودة تفاجأت بإغلاق المعابر إلى الشمال السوري، لذا قررت البقاء مؤقتاً في منزل أختها المقيمة هناك.

تقول عزيزة: "جلست في منزل أختي على أمل أن يفتح الطريق خلال أيام، لكن لسوء الحظ مضى أكثر من عام ونصف، وما زلت بعيدةً عن زوجي وأطفالي، والأصعب من ذلك أني أشعر بالإحراج الشديد من أختي كوني أشاركها منزلها الصغير، الذي يقيم فيه زوجها وأطفالها الأربعة، لكن ليس بمقدوري استئجار منزلٍ وحدي، وبنفس الوقت لا أستطيع دفع كلفة العودة والتي تصل إلى 500 دولار".

بدوره يروي لنا أنس من أهالي جبل الزاوية قصةً مأساوية حصلت مع والده البالغ من العمر 66 عاماً، والذي اعتُقل على أحد حواجز النظام خلال سفره لاستلام رواتبه التقاعدية من مناطق النظام، وبعد بحثٍ طويل تبيّن أنه تعرّض للاعتقال بسبب تشابه اسمه مع أحد المطلوبين لدى مخابرات الأسد، وعقب مضي سبعة أشهر من الاعتقال تم الإفراج عن الحاج أبي أنس، الذي كاد أن يفقد حياته في المعتقل، في رحلة الحصول على راتبٍ بات يعادل ثمن كيلوين من اللحم".

وتتراوح رواتب متقاعدي الوظائف الحكومية في حكومة النظام بين 30 -60 ألف ليرة سورية، ولا تكفي تلك الرواتب في تأمين أدنى متطلبات المعيشة في ظل الغلاء الفاحش، وبالتالي يعتمد المتقاعدون على الحوالات المالية التي تصلهم من أبنائهم في دول اللجوء، أو على التبرعات من أهل الخير، بينما يضطر من مازال يملك القوّة البدنية للعمل لتأمين ما يسدّ رمقه في السنوات التي بقيت من عمره.