icon
التغطية الحية

إحياء ذكرى غرق السفينة "حلب" في معركة جناق قلعة.. إليك قصتها

2022.08.28 | 00:53 دمشق

جناق قلعة
تعبيرية (ويكبيديا)
إسطنبول - وكالات
+A
حجم الخط
-A

ضمن فعاليات برنامج "إحياء ذكرى الشهداء"، نظّم الهلال الأحمر التركي مسيرة إحياءٍ لذكرى سفينة "حلب" الشهيرة، التي أغرقتها غواصة بريطانية في الـ25 من آب عام 1915 خلال معارك "جناق قلعة"، وكان على متنها جنود وبحارة ومسعفون من الهلال الأحمر.

وانطلق 200 متطوع في الهلال الأحمر التركي يحملون المشاعل، من أمام حديقة (Golf Çay) وصولاً إلى الساحة القديمة في جناق قلعة، من أجل تذكير المواطنين بالحدث المأساوي الذي وقع قبل 107 سنوات، وفق وكالة الأناضول.

وشارك في المسيرة كل من الوالي إلهامي أكتاش، والنائب عن حزب العدالة والتنمية في جناق قلعة جوليدي إسكندر أوغلو، ورئيس الهلال الأحمر التركي كرم كينيك، ورئيس موقع "غاليبولي" (معركة جناق قلعة) التاريخي إسماعيل كاشدمير، بالإضافة إلى العديد من المسؤولين في المنطقة.

حلب
من مسيرة إحياء ذكرى سفينة حلب (الأناضول)

وبعد المسيرة، أقيمت مراسم في متحف الهلال الأحمر التركي (أغاديري) بقرية "كيليت بهار" في شبه الجزيرة التاريخية. حيث وقف المشاركون دقيقة صمت على أرواح ضحايا سفينة "حلب" وميناء "أكباشي".

وألقى رئيس الهلال الأحمر التركي كرم كينيك خطاباً قال فيه إن جناق قلعة مكان مهم للغاية من حيث التاريخ التركي "ونحن هنا لنخبر العالم أن هذه الساعة لم تنته ولن تنتهي أبدًا، وأن هذه الجبهات للبشرية لن تبقى فارغة حتى اليوم".

وفي جزء من برنامج "إحياء ذكرى الشهداء" الذي سيقام غداً أيضاً، ستُنظّم "مسيرة الاحترام على خطى الأبطال" من متحف الهلال الأحمر ايضاً. وبعدها، سيتم الغوص في الذاكرة لاستحضار ذكرى سفينة "حلب" الغارقة.

حكاية سفينة "حلب" وغرقها في جناق قلعة

حاولت قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918)، السيطرة على عاصمة الدولة العثمانية حينذاك إسطنبول، ولهذا الغرض توجهت أساطيلهم عبر مياه البحر المتوسط إلى مضيق جناق قلعة. فبدأ العثمانيون التحضير للدفاع عن عاصمتهم وأراضيهم، وكان الطريق الأسهل والأكثر أماناً لنقل العتاد والجنود هو طريق بحر مرمرة.

أعلن العثمانيون التعبئة العامة ووضعت جميع المراكب في المياه العثمانية دون استثناء في خدمة المجهود الحربي. ومن بين تلك المراكب، كانت سفينة مملوكة لشركة مدنية للنقل تسمى "خيرية"، وهي مصنوعة منذ عام 1881م، ويبلغ طولها 110 أمتار، وحملت اسم عاصمة الشمال السوري "حلب". وبالرغم من أن مدينة حلب ليست ساحلية، إلا أن لها أهمية خاصة في الوجدان التركي، إذ قدمت عدداً كبيراً من الشهداء في معركة جناق قلعة.

حلب
قائمة بأسماء شهداء في جناق قلعة ينحدرون من حلب وبقية المدن السورية

جوبهت محاولة الحلفاء لعبور مضيق الدردنيل بعناد ومقاومة شديدين من قبل العثمانيين، وبهدف كسر صمودهم توجب على الحلفاء استخدام سلاح الغواصات للعبور تجنباً لضربات سلاح المدفعية العثماني القوي. وبعد محاولات فاشلة من قبل غواصات الحلفاء لعبور المضيق، نجحت الغواصة الأسترالية AE2 في ذلك، لكنها وقبل أن تقوم بإغراق أي سفينة عثمانية تم اكتشافها والقبض على طاقمها وإغراقها. إلا أن المسار الذي سلكته هذه الغواصة كشف للحلفاء طريقاً للمرور نحو بحر مرمرة.

وفي الـ19 من أيار 1915 سلكت الغواصة E11 بقيادة النقيب الإنجليزي مارتن سميث ذلك الطريق، ودخلت بحر مرمرة. وبدون أن يضيع وقته، وبعد إغراقه لأول سفينة عثمانية، تابع التقدم في مياه البحر.

قلعة
جنود عثمانيون في جناق قلعة 1915

استمرت مهمة سميث هناك ما يقارب 7 أشهر، وطوال هذه الفترة نجح في إغراق 94 سفينة عثمانية من بينها السفينة الحربية خير الدين بربروس فخر البحرية العثمانية، وكان يتم إخلاء العاملين في السفن قبل غرقها بشكل كامل في قاع المضيق.

في الواقع كان الهدف الرئيسي للحلفاء هو ميناء أكباشي الذي كان يتم عبره نقل الذخيرة والمؤن إلى الجبهة، ومن هناك كانت السفن تحمل الجرحى إلى الميناء ومن ثم إلى مشفى تأسس في إسطنبول مهمته علاج أولئك الجرحى، وقد نجحوا في تحييده لكنه عاد للعمل مرة أخرى في الـ25 من آب 1915.

وفي الليلة السابقة لذلك اليوم، تم وضع 200 جريح في السفينة "حلب" لنقلهم إلى إسطنبول. وفي الساعة 7:20 من صبيحة اليوم التالي وقبل إبحار السفينة حلب من الميناء، كانت الغواصة E11 موجودة بجوار الميناء. وعندما اكتُشِف أمرها أطلق زورق حربي ومدمرة عثمانية النار على الغواصة لإبعادها، وهنا رصد النقيب سميث ثلاث سفن راسية في الميناء ونفّذ على عجل هجومه الأخير.

وسجّل سميث ما حدث في ذلك اليوم في دفتر مذكراته، حيث قال: "رأيت ثلاث سفن في الميناء، أقربها إلينا كانت ترفع راية الهلال الأحمر فامتنعت عن مهاجمتها، حددت السفينة الأخرى كهدف، ولكونها لا تحمل أي علامة قلت لنفسي من المحتمل أنها تنقل الذخائر إلى الجبهة، ولذلك أمرت بإطلاق الطوربيدات عليها ما أدى إلى إصابة مقدمتها وبدأت بالغرق".

إلا أن سميث كان مخطئاً، فالسفينة المستهدفة كانت حلب المخصصة لنقل الجرحى والتي مع الأسف لم تكن تحمل راية الهلال الأحمر، وكان بداخلها 200 جريح، وبسبب إصاباتهم لم يستطيعوا الخروج من السفينة قبل غرقها، فقضوا جميعاً وتم انتشال جثامينهم لاحقاً ودفنوا في ميناء أكباشي حيث أقيم هناك صرحٌ للشهداء تخليداً لذكراهم.

وبالرغم من ذلك، إلا أن معركة جناق قلعة (غاليبولي بحسب التسمية الإنكليزية) انتهت بانتصار أسطوري ما تزال دول الحلفاء تتذوق طعمه حتى اليوم، وتم طرد آخر جندي من جنود الحلفاء في كانون الثاني 1916.

وبعد مرور قرابة قرن من الزمن، أرسلت إلى "متحف البحر" في بشكتاش بإسطنبول لوحة تحمل اسم السفينة "حلب"، من قبل وريث أحد المحاربين الأسكتلنديين الذين شاركوا مع الحلفاء في جناق قلعة، وهي اللوحة الأصلية للسفينة. وكان ذلك المحارب قد احتفظ باللوحة كذكرى بعد انتهاء الحرب.