أوروبا أمام تحدي اللاجئين

2023.07.05 | 07:05 دمشق

أوروبا أمام تحدي اللاجئين
+A
حجم الخط
-A

ليست هي المرة الأولى التي تشهد فيها فرنسا مظاهرات غاضبة تشل الحياة في أجزاء منها، وتترافق بأعمال عنف تتطور إلى حرق وتكسير ونهب وتؤدي إلى إصابات في صفوف رجال الشرطة وفي صفوف المتظاهرين؛ فقبل المظاهرات التي اشتعلت مؤخرا على خلفية مقتل شاب من أصول مهاجرة والتي لاتزال مشتعلة، حدثت سابقا مظاهرات مشابهة تخللها أعمال عنف، وليس الأمر مقتصرا على فرنسا فهناك دول أوروبية أخرى شهدت مظاهرات مشابهة.

في كل مرة تندلع فيها هذه المظاهرات يقفز إلى الواجهة السؤال المهم حول وضع اللاجئين في أوروبا، ومدى نجاعة الخطط التي تنفذها الحكومات الأوروبية لدمج القادمين الجدد في المجتمعات الأوروبية، ورغم أن أوروبا هي الهدف الأول لمعظم طالبي اللجوء في العالم منذ زمن طويل، وهي تستقبل سنويا أعدادا كبيرة منهم، إلا أن العقد الأخير شهد أكبر موجة لجوء عرفتها أوروبا في تاريخها، وكانت أعداد السوريين الفارّين من سوريا باتجاه أوروبا هي الأعلى إلى حين نشوب الحرب الروسية الأوكرانية والتي تسببت بلجوء ما يقرب من خمسة ملايين أوكراني إليها.

يذهب البعض إلى تحميل سياسة الإدماج التي تنتهجها الحكومات الأوروبية كامل المسؤولية عن الفشل الذي وصلت إليه عملية الاندماج، بينما يذهب آخرون إلى تحميل اللاجئين كامل المسؤولية، ويبررون ذلك باختلاف الثقافات وقصور فهم اللاجئين لمعنى الدولة والقانون والحريات الفردية.

اليوم تواجه أوروبا تحدّياً حقيقياً في مشكلة اللاجئين، فقد نشأت داخل المجتمعات الأوروبية مجتمعات أخرى للاجئين، مجتمعات مهمّشة إلى حدّ ما، غير مندمجة، وتعيش وفق منظومة سلوكية وحتى قانونية مستمدة من ثقافاتها السابقة

لابد من القول إن معظم الدول الأوروبية لديها برامج طويلة ومكلفة يستفيد منها أي قادم جديد إلى أوروبا تشمل تعلم اللغة، وفهم القوانين السائدة وعلاقة الفرد بالدولة والقانون، وأيضا إكساب هؤلاء القادمين مهارات العمل، لكن معظم هذه الدول اعترفت مؤخرا بأن النتائج التي أسفرت عنها هذه البرامج كانت ضعيفة جدا إذا ما قورنت بحجم الإنفاق عليها، وبالمدد الزمنية التي تستغرقها.

اليوم تواجه أوروبا تحدّياً حقيقياً في مشكلة اللاجئين، فقد نشأت داخل المجتمعات الأوروبية مجتمعات أخرى للاجئين، مجتمعات مهمّشة إلى حدّ ما، غير مندمجة، وتعيش وفق منظومة سلوكية وحتى قانونية مستمدة من ثقافاتها السابقة ومن هوياتها الدينية أو القومية في بلدانها الأم، تفاقم هذا الوضع في السنوات الأخيرة مع أزمات عديدة عصفت بالمجتمعات الأوروبية وخصوصا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وما نتج عنها من زيادة التضخم وارتفاع الأسعار.

لا تملك الحكومات الأوروبية قدرة كبيرة على مواجهة هذا التحدي، الأمر الذي يبعث على الخوف من تفاقم هذه المشكلة ومن تداعيات خطيرة تهدد بنية المجتمعات الأوروبية وربما تؤدي إلى انفراط عقد الاتحاد الأوروبي بسبب التباين الذي يتزايد بين دول الاتحاد في رؤيتها لمعالجة قضية اللاجئين، فهي عدا عن الكلفة العالية التي تنوء تحت ثقلها معظم الحكومات الأوروبية تجد نفسها أمام تحدي تغيير القوانين فيها، وأمام تحدي نمو اليمين المتطرف واكتساحه لأوروبا كلها، الأمر الذي سيفرض تغيراً كبيراً في الصيغة القانونية والثقافية والاجتماعية التي استقرت عليها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

الذي يزيد من خطورة مشكلة اللاجئين ويزيد من انعكاساتها الخطيرة هو تسخير أطراف دولية ومحلية للعصبيات القومية والدينية لدى قسم كبير من اللاجئين في لعبة السياسة داخل المجتمعات الأوروبية، وهذا ما تجلى واضحا في محاولة أطراف إسلامية خارج السويد في تصعيد التوتر داخل المجتمع السويدي على خلفية قضية سحب أطفال من عائلاتهم، ويتجلى اليوم في السويد أيضا بعد قيام أحد الأشخاص بحرق المصحف.

أمام هذا التحدي واحتمالاته ستجد الحكومات الأوروبية نفسها مضطرة إلى التفكير بحلول جديدة، حلول لن تكون في مصلحة اللاجئين.

أول هذه الحلول هو الحد إلى أقصى ما يمكن من تدفق اللاجئين، وهو ما تم التوافق حوله في الاجتماع الأخير لوزراء مختصين في دول الاتحاد الأوروبي.

ثانيها هو إيجاد مجمعات للاجئين خارج دول الاتحاد الأوروبي تتكفل الحكومات الأوروبية بتكاليفها وبالتالي يجنبها مخاطر إغراق مجتمعاتها بقادمين جدد.

ثالثها هو إعادة النظر في القوانين المتعلقة بحق اللجوء ومنح الجنسية وشروط الإقامة الدائمة وغير ذلك، الأمر الذي يضع أعدادا كبيرة من اللاجئين أمام احتمال إعادتهم إلى بلدانهم الأم.

في كل الاحتمالات التي سوف تلجأ لها الحكومات الأوروبية هناك ركيزة أساسية تقوم على تخفيض أعداد اللاجئين إلى أدنى حد ممكن، مع ميل صريح لأحزاب اليمين التي تتزايد شعبيتها بوضوح إلى خلق صعوبات كبيرة أمام اللاجئين تدفعهم إلى هجرة معاكسة

رابعها قد تضطر الحكومات الأوروبية لإقرار قوانين جديدة تزيد من صلاحيات الأجهزة الأمنية ورغم أن زيادة صلاحية الأجهزة الأمنية يعني بالضرورة إنقاص في الحقوق الفردية مع ما يعنيه هذا من احتمال رفض المجتمعات الأوروبية لها واحتمال قيام مظاهرات كبيرة ضدها.

في كل الاحتمالات التي سوف تلجأ لها الحكومات الأوروبية هناك ركيزة أساسية تقوم على تخفيض أعداد اللاجئين إلى أدنى حد ممكن، مع ميل صريح لأحزاب اليمين التي تتزايد شعبيتها بوضوح إلى خلق صعوبات كبيرة أمام اللاجئين تدفعهم إلى هجرة معاكسة، وتجلى هذا واضحا في برنامج الحزب الأكثر عنصرية في السويد والذي حاز ثاني أعلى عدد من المقاعد في الانتخابات الأخيرة والذي أعلن عن سعيه في عكس الهجرة، أي تحويلها إلى أن تكون باتجاه خارج السويد.

من سيدفع ثمن هذه المواجهة في ضوء عجز الحكومات الأوروبية عن إيجاد حلول جذرية لمشكلة اللاجئين، وفي ضوء ذهابها مرغمة للحلول الأمنية المقوننة هم اللاجئون الذين لاتزال أوضاعهم القانونية في هذه البلدان قيد الدراسة أو من يحمل منهم إقامات مؤقتة، وكذلك الأفراد المضطهدون في بلادهم والذين كانوا يجدون في أوروبا ملاذاً حقيقياً لهم يحميهم ويمنحهم حياة كريمة.

كل المناشدات التي أطلقت سابقاً من قبل مواطنين سواء من أصول مهاجرة أو من السكان الأصليين للتعاون من أجل كسر حدة الاستقطاب الحاصل في المجتمعات الأوروبية لم تتطور لتصبح آلية فعالة في حماية اللاجئين من جهة، وحماية المجتمع ككل من جهة ثانية، وتزداد فرص تصاعد هذا الاستقطاب وانفجاره، الأمر الذي سينعكس سلبا على الجميع.

إذا كان القانون الذي لايزال حتى اللحظة هو الحماية الحقيقية للاجئين في بلدان لجوئهم فإنه من المحتمل أن يصبح لاحقا هو الوسيلة الأولى في التضييق عليهم وتقييد وجودهم في أوروبا.