أميركا تعيد تقييم سياستها الخارجية: تأبيد المشكلة وتوسيعها؟

2021.04.15 | 06:13 دمشق

جو بايدن
+A
حجم الخط
-A

في موازاة مفاوضات فيينا، تلجأ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعداد تقرير لإعادة تقييم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. يهدف لوضع رؤية واشنطن للواقع في ظل الذهاب إلى أي اتفاق أميركي إيراني متجدد، وكيف سيكون انعكاسه على الوضع في المنطقة، خصوصاً إسرائيل، ودول الخليج، وسوريا، والعراق، واليمن، ولبنان. في الأيام الأولى لتولي بايدن الرئاسة الأميركية، كانت هناك وجهة نظر أنه لا يمكنه تكرار تجربة باراك أوباما بسبب حصول متغيرات استراتيجية في المنطقة، منها دخول روسيا إلى سوريا، وتوسع تركيا وتعزيز أوراقها، والعلاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل. ولكن على ما يبدو أن توجهات بايدن قد تدفعنا مستقبلاً إلى الاعتراف بالخطأ، خصوصاً في ظل الحماسة المشهودة له سعياً وراء إبرام تفاهم مع إيران. صحيح أنه من المبكر الحديث عن نتائج وتداعيات مثل هذا الاتفاق، وهل يمكن أن يتكرر ما حصل في العام 2015، أم أن الاتفاق قابل لجعل إيران صاحبة نفوذ طبيعي في المنطقة، كما غيرها من الدول، بدلاً من الاستباحة المطلقة، والإعلان بصلافة عن السيطرة على أربع عواصم عربية. وأيضاً لا بد من التذكير بنقطة أساسية وهي أن الجيش الأميركي لا يزال فاعلاً بالنسبة إلى القرارات في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً الملف الإيراني.

كل المعطيات تفيد بأن لقاءات كثيرة عقدت بشكل مباشر وغير مباشر بين الإيرانيين والأميركيين، وقد مهدت لحصول الاتفاق، وكل المعلومات تؤكد أن المفاوضات سبقت اجتماعات فيينا التي تأتي في سبيل إخراج الاتفاق وإعلانه، وقد يتم الإعلان عنه قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، لأن واشنطن لا تريد فوز مرشحي الحرس الثوري الإيراني في إيران، إنما تفضل واشنطن مرشحاً محسوبا على غير الحرس، ما ينم عن تدخل غير مباشر في الانتخابات الإيرانية. هناك محاولة للتأثير على مسار الأمور داخل إيران من خلال الاتفاق النووي، وسط صعوبة في تحقيق ذلك بسبب موقف الخامنئي، الداعم لمرشح من الحرس، إلا أن واشنطن من خلال سياستها هذه تريد أن تؤسس لمرحلة مستقبلية بعيدة المدى.

 واشنطن وفق ما تقول لا تريد القيام بسياسة أحلاف، بمعنى أنها لا تريد الابتعاد عن دول بسبب علاقة هذه الدول مع إيران، وهذا تحول في المسار الاستراتيجي الأميركي من خلال الإقلاع عن سياسة إما معنا وإما ضدنا، والعراق هنا أبرز الأمثلة على ذلك. حتى في مسألة الاتفاق الاستراتيجي الإيراني الصيني. هنا لا بد من الدراسة بتمعن نظرية هنري كيسنجر والتي تدعو أميركا إلى إيجاد خيوط للتقارب والتفاهم والتشارك مع الصين للمرحلة المقبلة من دعائم النظام العالمي.

 وجود إيران في سوريا سيتحول فيما بعد إلى نفوذ صيني من خلال المشاريع والاستثمارات، وهنا لا بد من مراقبة أداء واشنطن وموقفها، علماً أنها تأخذ من سوريا ما يعينها وهو العلاقة الجيدة مع الأكراد التي تحتفظ بها وتحرص عليها، أو من خلال السيطرة على شرق سوريا، حيث منابع النفط والمعابر الأساسية. السؤال الأساسي سيكون حول الوضع في غرب الفرات، والذي سيشهد تنافساً كبيراً، بين الصين وإيران من جهة، وروسيا وتركيا من جهة أخرى، هذه اللعبة سيعمل الأميركي على إدارتها بكل تناقضاتها واختلاف حسابات الأطراف فيها.

أمام هذه الواقع لا بد من طرح أسئلة حول موقف دول الخليج، والتي لا يبدو أنها ستكون على موقف واحد، إذ هناك من يمتلك علاقات جيدة أو هادئة مع إيران، ودول أخرى تتخذ أقصى المواقف المعارضة. أما الأهم بالنسبة إلى هذا الاتفاق، هو إسرائيل التي سيكون موقفها حرجاً جداً، خصوصاً في ظل ما يعتبره الإسرائيليون أن الإدارة الأميركية غير المؤيدة لنتنياهو، فيما هو يعمل على الاستمرار في تنفيذ عمليات ضد الإيرانيين، إما ضد السفن في البحر، أو داخل إيران واستهداف المفاعلات النووية. ما يعني الذهاب إلى حرب استنزاف طويلة. مع وجود قناعة لدى معظم دوائر القرار الإسرائيلية والأميركية أن العمليات الإسرائيلية ضد إيران ستستمر، بالرغم من توقيع الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران مجدداً.

وسط هذه الأجواء، تستمر آراء أميركية متعددة من قبل مسؤولين ودبلوماسيين أميركيين حاليين وسابقين في التداول داخل الإدارات الأميركية ومراكز الأبحاث. أكثر الدبلوماسيين النشطين في هذه المرحلة هو فريدريك هوف الذي كان موكلاً بملف ترسيم الحدود، بين لبنان وإسرائيل، وكان له دور أساسي في ملف الحدود السورية الإسرائيلية والسورية اللبنانية. في أحد مقالاته الأخيرة قال هوف إن بشار الأسد أبلغه ذات مرة بأن مزارع شبعا سورية وليست لبنانية، استخدم الدبلوماسي الأميركي هذا الموقف في ظل انسداد أفق المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية، بسبب مساعي لبنان لتوسيع حدوده. يأتي موقف هوف في إطار الضغط على لبنان وتحذيره بأن اللجوء إلى خيار توسيع الحدود، يعني خسارة لبنان لمساحة بحرية ولثروته كما خسر مزارع شبعا بسبب الموقف السوري.

كل ذلك يأتي في إطار "إعادة التقييم للسياسة الخارجية الأميركية" في منطقة الشرق الأوسط، والتي يفترض أن تتبلور في المرحلة المقبلة، على وقع مفاوضات النووي، والعودة إلى الاتفاق الأميركي الإيراني، القابل في أي لحظة إلى إعادة رمينا في فم التنين، بنتيجة تقاطعات دولية، أوروبية أميركية إيرانية عربية، ذلك بلا شك سيكون تأبيداً للمشكلة وليس البحث عن حلّ لها.