icon
التغطية الحية

أطفالنا وتحدي ضياع الهوية بعد إلغاء المدارس المؤقتة في تركيا

2019.01.23 | 20:01 دمشق

الأطفال السوريين في المدارس التركية بعد إلغاء المدارس المؤقتة (إنترنت)
تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

مع استلام طلابنا نتائج الفصل الدراسي الأول، تكشّفت الكثير من المشاكل التي كانت مرهونة بإلغاء المدارس المؤقتة في تركيا، وأضْحت خطة الدمج بين الطلاب السوريين والأتراك قضية شائكةً تسببت في الكثير من المشاكل التنظيمية والتربوية، وعلى رأسها تحدي تعلّم اللغة التركية التي غدت لغة التواصل الوحيدة بالنسبة للطفل في مدرسته، ولاسيما بعد تقليص عدد الطلاب السوريين في الصف الواحد.

ولا يخفى أن هذا الأمر مدروس ومقصود، ليضطر الطالب لاستخدام اللغة التركية كتابة وقراءة ومحادثة، وهذا بدوره سرّع عملية التتريك المتّبعة، ربما كانت الحكومة التركية محقةً في منهجها هذا، سيما بعد الست سنوات الفائتة التي سمحت للمدارس المؤقتة بالاقتصار على المناهج العربية في التعليم. ولكن هذا أدى إلى تدهور اللغة العربية وتشتت الهوية لدى الكثير من الأطفال.

لؤي طفل سوري عمره 6 سنوات وهو الطفل الأكبر في أسرته، ويصب والداه جلّ اهتمامهما لتنشئته تنشئة سوية وعندما التحق

تمزقت هوية الأطفال بين حلم الوالدين بالعودة وما يعايشونه في بلاد الغربة، فلم تسعفهم ذاكرتهم الغضّة بتذكّر أي مشاهد لبلدهم الأصلي سوريا

بالمدرسة التركية هذه السنة، تراجع مستواه التعليمي عما كان عليه في الروضة، وأصيب بصدمة كبيرة نتيجة غربته وتواجده مع أطفال لا يفهم لسانهم، بل إن صحته تدهورت ولم يفارقه التهاب اللوزتين منذ أول السنة حتى الآن.

ربما كان الدمج حلاً سليماً، ولكن الأهالي لم يتقبلوه بعد مضي 6 سنوات في بلاد الغربة، وخاصة أن الكثير منهم مازالت لديهم أحلام العودة، فتمزقت هوية الأطفال بين حلم الوالدين بالعودة وما يعايشونه في بلاد الغربة، فلم تسعفهم ذاكرتهم الغضّة بتذكّر أي مشاهد لبلدهم الأصلي سوريا، وما تمكنوا من الانتماء للبلد الذي عاشوا فيه.

972 ألف طفل سوري - حسب مديرية التعليم التركية - ليس بالعدد القليل إنه حمل ثقيل على الحكومة التركية، ولكنه في الوقت  نفسه مسؤولية كبرى وذاكرة جيل تتدهور عدا عن قضية التجنيس التي تنهجها أنقرة في الآونة الأخيرة، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى تتريك الشمال السوري.

إن تنازع الانتماء يشتت ذهن الطفل ويؤدي إلى ضياع الهوية، وظهور الكثير من الأمراض النفسية بل الجسدية أيضاً، فحاجة الطفل إلى الأمان والاستقرار من أولى احتياجاته النفسية والاجتماعية، وشعوره بأي تهديد لهويته اضطره راغماً للبحث عن ذاته وملامح وطنيته بأي مجال كان، لذا فإنك تجد الأطفال انقسموا قسمين: فمنهم من اختار أن يندمج بشكل سريع وملفت وكأن لسان حاله يقول ها قد أصبحنا أتراكاً وانتهى زمن الضياع، وقسمٌ آخر تشبث بعروبيته ورفض التعليم التركي واللغة التركية فراوح مكانه وتراجع مستواه التعليمي بشكل رهيب.

 وما زاد الأمر سوءاً هو وجود لغة أو لهجة بين التركية والفصحى والتي تدعى العربية العامية أو المحكية، فترى الطفل حين يتواصل

رأْب الصدع في الهوية لا يتم إلا بالعمل على الأسرة من الداخل أولاً من خلال إنشاء مراكز عربية تعنى بتعليم اللغة العربية بأسلوب سهل ومبسط وشيّق

مع ذويه يقتصر على تداول الكلمات العامية التي لا تمتّ إلى الفصيح بصلة، فتتلاشى لديه أساسيات العربية وتندثر قواعد الإملاء والنحو، بل إن صعوبة التوغل في الكلمات العربية أضحى سبباً لنفور الكثير من الطلاب ولجوئهم إلى العامية أو التركية لكونهما الأسهل والأكثر تداولاً.

ويُقدر أن 15474 طفلا سوريا على الأقل ولدوا في تركيا منذ اندلاع الثورة السورية حسب آخر إحصائية، وإن رأْب الصدع في الهوية لا يتم إلا بالعمل على الأسرة من الداخل أولاً من خلال إنشاء مراكز عربية تعنى بتعليم اللغة العربية بأسلوب سهل ومبسط وشيّق، وتجنب التقعّر اللغوي المنفر، والاعتماد على التكلم بما يسمى اللغة البيضاء بين أفراد الأسرة واستبدال الكلمات المغرقة  في العامية بأخرى أكثر فصاحة، والعمل على توسيع ذاكرة الطفل الوطنية من خلال مشاهدة برامج تلفزيونية أو على اليوتيوب تحكي عن سوريا ومحافظاتها وخيراتها وتاريخها وأبطالها، مع عدم التنفير من التعرف على تاريخ البلد الذي يعيش فيه الطفل، بل نطلب منه أن يطلع عليه ليسهل عليه الاندماج السليم دون الوقوع في مطبات العنصرية والتعصب، بالإضافة إلى تجنب الأهل التحدث عن الأتراك واللغة التركية بالسوء، بل يجعلون من تعلم التركية تحدياً أسرياً ومسرحاً للمنافسة، فيتيحون المجال للطفل أن يكون هو المعلم  لكل من في الأسرة ليشعر بالتميز وبالتالي لا ينفر من اللغة التركية، بالإضافة إلى إنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية مع التركيز على المحتوى المبسط والشكل الشيّق المحبب للطفل.

وأمام هذا الاستحقاق الذي يعيشه أطفالنا السوريون في تركيا بعد مضي أكثر من سبع سنوات، يبقى السؤال دائراً حائراً، يا ترى إلى متى سيبقى أطفالنا مشتتي الهوية، وإلى متى سنبقى لاجئين!؟ سؤال حريٌّ بالبحث عن إجابته..