أطفالنا وأطفال ويندرمير

2020.06.12 | 00:06 دمشق

atfal_wyndrmyr.jpg
+A
حجم الخط
-A

في فيلمه الجديد "أطفال ويندرمير"، والذي تم عرضه بمطلع عام "2020" يقدم لنا المخرج "مايكل صامويلز" فيلماً غايةً في البساطة، من حيث المشهد السينمائي وبساطة الحوار، حول مسألةٍ ما تزال تتكرر إلى يومنا هذا، في معظم النزاعات السياسية، التي تأخذ بعداً عسكرياً أو مسلحاً.

فهو يتحدث عن ثلاثمئة طفلٍ يهودي من بلدان مختلفة مثل روسيا وبولندا وألمانيا، تمَّ إنقاذهم من المحرقة الألمانية، بعد أن تنقل معظمهم بين عدة معتقلات، إلى أن قامت الحكومة البريطانية بتبني إعادة تأهيلهم، وإدماجهم في المجتمع البريطاني، من خلال فترة تأهيل تجري في قرية "تروتبيك بريدج" وهي قريةٌ صغيرةٌ عند بحيرة "ويندرمير".

من المشاهد المؤثرة في هذا الفيلم، والتي ترصد حجم الخوف الذي تخلفه تلك الأحداث العنيفة، التي يمرُّ بها هؤلاء الأطفال وأمثالهم، حين يقوم بعض الفتية من أبناء القرية الإنكليزية، بأداء التحية النازية، برفع اليد عالياً بزاوية مئة وعشرين درجة، ساخرين من هؤلاء الأطفال الناجين، الأمر الذي يتسبب بتبوّل أحد هؤلاء الناجين على نفسه، بسبب ما تعنيه له تلك التحية من عالم أسود، مليء بالخوف والقتل والتعذيب.

وسيعقِّب أحد هؤلاء الأطفال بكلِّ براءة "عندما نخبر الآخرين بما حصل معنا، لن يصدق أحد".

في نهاية الفيلم يقدّم لنا المخرج شهادات من هؤلاء الناجين، بعد أن قدموا نماذج ناجحةً، في الاندماج والحياة والعمل، وهم يحملون مشاعر العرفان والامتنان للتاج البريطاني، الذي منحهم فرصةً جديدةً للحياة.

تبرز هنا أهمية الشعور بالاندماج، والاستقرار للناجين أو المهاجرين، في وصولهم إلى حالة استواءٍ نفسيّ، يؤهلهم للعمل وبناء حياة أقرب إلى الحياة الطبيعية، وكلما بقي هاجس العودة وأشواق البلدة أو القرية الأولى، مهيمنةً على مشاعر المهاجرين، كانت عملية الاندماج وإعادة الاستقرار أصعب.

لن ننسى أنَّ حافظ الأسد اعتقل ما يزيد على مئات الأطفال والفتيان، من عمر هؤلاء الأطفال في ويندرمير، وتركهم في أسوأ سجونه "سجن تدمر الصحراوي"

وفي انعطافةٍ على ما حدث للأطفال السوريين، وغيرهم كثيرٌ من أطفالٍ، خاضت بلادهم حروباً لا تعنيهم، إنما تحرقهم بنارها وتغتذي من دمائهم، لن ننسى أنَّ حافظ الأسد اعتقل ما يزيد على مئات الأطفال والفتيان، من عمر هؤلاء الأطفال في ويندرمير، وتركهم في أسوأ سجونه "سجن تدمر الصحراوي" بل في واحدٍ من أسوأ سجون العالم طراً، يعذبون طيلة خمس عشرة سنة، وكذلك يفعل وريثه القزم اليوم، وبصورةٍ أشد بؤساً وإجراماً.

وبفضله وبامتدادٍ لإجرامه، تقوم قوات الاحتلال الروسية اليوم، بتجنيد الأطفال السوريين في مدارسها العسكرية، في سان بطرسبورغ وغيرها من مدن روسية، لإعدادهم ورعايتهم كقادة محتملين، في السنوات الطويلة اللاحقة، وفق موقع (يورو نيوز).

وقد بررت سفارة النظام في موسكو، أنَّ "ذلك يأتي ضمن إطار اتفاقٍ دائمٍ وسنويٍّ، لتدريس مجموعاتٍ من الأطفال السوريين، حيث يخضعون للتدريب ضمن فيلق الطلاب الروس"، بينما اعترف رئيس اللجنة الفرعية التابعة لمجلس الدوما الروسي، حول التعاون العسكري مع نظام الأسد: أنّ "إعداد ضباط عسكريين، على درجةٍ عاليةٍ من الاحتراف، من قبل روسيا، هو استثمارٌ كبيرٌ في مستقبل سوريا".

ومعظم أعمار الطلاب تتراوح بين عشر سنوات، إلى خمس عشرة سنةً، وسيخضعون لنفس التدريب القاسي، الذي يخضع له الطلاب الروس، في المدارس العسكرية.

وقد أصدرت وزارة الدفاع الروسية، وقيادة المدارس العسكرية فيها، في شهر "يوليو" من عام "2019"، مرسوماً يسمح للأطفال السوريين، بالالتحاق بالمدارس العسكرية الروسية مجاناً، بحيث يتم اختيارهم من قبل الجانب السوري، على أساس الاختبارات الطبية، وشرط تعلمهم اللغة الروسية، ثم يقرر الجانب الروسي عدد المرشحين الناجحين، حسب عدد الطلبات.

لقد استُخدم الأطفال في الحرب السورية، كمقاتلين أيضاً، من قبل قوات النظام ومن قبل بعض الفصائل المسلحة

لقد استُخدم الأطفال في الحرب السورية، كمقاتلين أيضاً، من قبل قوات النظام، ومن قبل بعض الفصائل المسلحة، لكنَّ الصورة الأكثر وضوحاً، كانت في إقدام تنظيم الدولة، على تجنيد مئات وربما آلاف الأطفال، فيما سمي "أشبال الخلافة" وتصويرهم يقومون بعملياتٍ عسكريةٍ، وعمليات قتل لمناهضي التنظيم، لكنَّ الخطر الأكبر، أن تتبنى إحدى الدول الفاعلة في الملف السوري، عملية تجنيد الأطفال، وفق أجنداتٍ معينةٍ، وهو ما أعلنت عنه حكومة موسكو عبر نائب وزير الدفاع الروسي، في خطوة تنتهك حقوق الطفل، التي أقرّتها العهود والمواثيق الدولية، كما رأى بعضهم فيها عملية صناعةٍ لقادة المستقبل، وغسل أدمغة هؤلاء الأطفال في سن مبكرة.

ليست هذه الجريمة حكراً على المحتل الروسي وحسب، فميليشيات الملالي الشيعية، لم توفر أطفال سوريا، وفي مقدمتها تدريب الأطفال وزجّهم في ميليشيات القتل بإذعان نظام الأسد وتحت نظره.

كما كشفت منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، في تقارير لها، عن تجنيد الأطفال في صفوف "هيئة تحرير الشام" في مناطق سوريةٍ مختلفة، وأصدرت تقريرها، الذي اعتمد على أربع عشرةَ شهادةً ومقابلة، لذوي الأطفال الذين تم تجنيدهم.

الفصل الذي أغفله الفيلم، أنَّ معظم الأطفال، الذين تم إنقاذهم في "ويندرمير"، تم تنظيم عودتهم إلى فلسطين، ليكونوا قادةً في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفي أجهزته الاستخبارية، وأخشى ما نخشاه، أن يعود أطفالنا السوريون، بعد تخرجهم من المعسكرات الروسية، جنوداً يعززون من سلطة الاحتلال الروسي، ويشاركون في قتل السوريين، امتثالاً لأوامره.