أستانا 9 دفاع عن الجريمة أم تكريس الخديعة؟

2018.05.15 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تُستكمل على مدى يومين (14 – 15 أيار – مايو الحالي) محادثات أستانا 9، والتي من المقرر أن يشارك فيها وفدا المعارضة ونظام الأسد، وذلك على خلاف اللقاءات الأخيرة السابقة التي اقتصرت على حضور الدول الثلاث الضامنة فحسب.

ولعله من المثير للسخرية أن يتصدّر الاستهلال الصحفي الروسي لهذا اللقاء بالإيحاء أن الأطراف المشاركة سوف تناقش استمرارية العملية العسكرية ضد داعش، في الوقت الذي نرى فيه جيوباً ضخمة لتنظيم داعش (قد تم الاحتفاظ بها عمداً) تتحرك بكل سهولة ابتداء من الحدود السورية العراقية وحتى جنوب البلاد، بل هي تشن حرباً ضروساً الآن على فصائل الجيش الحر في درعا بهدف الاستيلاء على مدن وبلدات جديدة.

السخرية الثانية تتجسّد في إصرار وفد الفصائل العسكرية ومن يشاركهم من الشخصيات السياسية السورية على الاستمرار في ترديد أكاذيب الروس ومزاعمهم التي لم تعد تخفى على أحد،

مخرجات أستانا منذ اللقاء الأول في مطلع العام 2017 وحتى الوقت الراهن، لم تعد تحتمل التأويل والاستنتاج، بل باتت نتائجها ملموسة للعيان.

من أن مسار أستانا سوف يفضي إلى حلول قد تلبي بعضاً من تطلعات السوريين، ولعلّ المصيبة الأكثر فداحة في هذه المسألة هي أن يتحول وفد المعارضة في أستانا من أشخاص مخدوعين بأكاذيب الروس ووعودهم الزائفة، إلى وفد بات يعلم جيداً أنه يسعى بكل مدركاته العقلية والإرادية إلى تكريس التفريط بكل حقوق السوريين والاستجابة المطلقة لرغبات نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين، وخاصة أن مخرجات أستانا منذ اللقاء الأول في مطلع العام 2017 وحتى الوقت الراهن، لم تعد تحتمل التأويل والاستنتاج، بل باتت نتائجها ملموسة للعيان.

لقد انطلق مسار أستانا – كاستراتيجية روسية – تحت ذرائع شتى، لعل أبرزها البحث في المسائل الميدانية التي تتعلق بوقف إطلاق النار، وكذلك البحث في الملفات الإنسانية التي تتعلق بإطلاق سراح المعتقلين، وفك الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة، وإدخال المساعدات الغذائية والدوائية للمواطنين المحاصرين، إلّا أن هذه الشعارات التي تستهوي المشاركة في أستانا (لو كانت حقيقية)، لم تجد في حينها ما يؤكد مصداقيتها على أرض الواقع، وخاصة أن القصف الجوي الروسي لم يتوقف عن استهداف المدنيين السوريين بالإضافة إلى استهدافه للفصائل ذاتها التي تشاركه الجلوس على طاولة المفاوضات، وكذلك لم يتوقف زحف نظام الأسد وملحقاته الطائفية عن التوغل في مساحات واسعة من المناطق المحررة، فضلاً عن عمليات التشريد والنزوح الكبيرة التي تسبب بها، ولعل ما حدث لسكان ريف إدلب الجنوبي والشرقي في شهر شباط – فبراير الماضي خير دليل على ذلك.

وعلى الرغم من تكرار لقاء أستانا ثماني مرات سابقة، إلا أنه في جوهره يحيل إلى مشروع متكامل، سعت روسيا منذ أواخر أيلول/ سبتمبر 2015 إلى هندسته، ولعلّ الفصل الأشد خطورة من هذا المشروع كان الأوضح من حيث المخرجات والنيّات والأهداف، ذلك أن مشروع “مناطق منخفضة التصعيد” أو “مناطق تُخفف فيها حدّة التوتر” إنما يّعدّ مشروعًا داعمًا ومكمّلًا للنهج الذي يعتمده نظام الأسد حيال مواجهته قوى الثورة في سورية، ويقوم على استئصال بؤر المقاومة من خلال الحصار المحكم للمدن والبلدات والقرى الآهلة بالسكان، ثم اللجوء إلى عقد هدن محلية، يُوضَع بموجبها المواطنون أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الموت جوعًا تحت وابل القذائف ووسائل الدمار، وإما النزوح إلى مناطق أخرى .وفي الوقت الذي سعت فيه قوى المعارضة السورية إلى التمسك بالقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، آملةً أن تكون لقاءات جنيف التي تجري تحت رعاية أممية هي التي ستفضي إلى حل سياسي، فإن نظام الأسد، مدعومًا من روسيا، بدأ يعمل بطريقة ممنهجة منذ عام 2013 على استئصال المقاومة المسلّحة والتي تتضمن-حكمًا- تهجيرا قسريا للسكان واقتلاعهم من جذورهم ورميهم في مناطق أخرى، ربما تكون محرقة موعودة. لقد بدأت   العملية من مدينة القصير في 2013 بعد ترحيل أهلها، واغتصاب ميليشيا (لواء الرضا) الشيعية لتلك البلدة، ثم لحمص القديمة في 2014، ثم “داريا” في آب/ أغسطس 2016 بعد أربع سنوات من الحصار، ثم معضمية الشام في 9 تشرين الأول 2016، وفي نهاية عام 2016 رُحّل نصف سكان مدينة حلب (حلب الشرقية)، وفي 4 نيسان 2017 تمت عملية إجلاء سكان المدن الأربع (كفريا – الفوعة – الزبداني – مضايا)،

لقاء(سوتشي) بمخرجاته التي تم الإعلان عنها مسبقاً هو أقصى ما يمكن أن يقدّمه الروس للشعب السوري

وفي 8 أيار 2017 هُجّر أهالي حي (برزة) الدمشقي، وفي نيسان 2018 تم تهجير سكان الغوطة الشرقية بعد قصفها بالسلاح الكيمياوي، ثم استمر تيار التهجير ليشمل منطقة القلمون، مروراً بسكان ريف حمص الشمالي.

ولئن كان لقاء(سوتشي) بمخرجاته التي تم الإعلان عنها مسبقاً هو أقصى ما يمكن أن يقدّمه الروس للشعب السوري، فما الذي تعوّل عليه الفصائل العسكرية وجميع الأفراد الذين تفاعلوا مع مسار أستانا على مدار عام كامل؟

لعل الدفاع عن قناعة أو رأي حول قضية أو مسألة مجهولة النتائج، أو هي ما تزال رهن الاستشراف، ربما يكون حقاً مشروعاً لصاحبه، أمّا الدفاع عن جريمة، بل جرائم مازالت مستمرة بحق شعب بأكمله، فماذا يمكن تسميته؟

وفد المعارضة السورية المشارك في أستانا يوم (14 – 15 – من الشهر الحالي) ليس مشكّلاً من منصات عُرفتْ بتماهيها مع رؤية نظام الأسد أو الروس لما يجري في سورية، بل يتشكّل من كيانات تدّعي التمثيل الثوري للسوريين (الفصائل العسكرية – الهيئة السياسية للائتلاف – رئيس الحكومة السابقة رئيساً للوفد).

سيشارك هؤلاء في (أستانا 9)، ولن يكون مطروحاً أمامهم قضية المعتقلين – كما يدعون – ولا وقف الاعتداء على المواطنين السوريين، ولا – كذلك – وقف عمليات التهجير القسري، بل سيكون في طليعة مهامهم التوقيع على اتفاق يقضي بسيطرة النظام على الطريق (حلب – دمشق) الدولي، والذي سيكون مرحلة إنعاش وبث الروح في الشريان الاقتصادي لنظام الأسد، فضلاً عن أن هذه الخطوة ستكون تمهيداً لسيطرة نظام الأسد على طريق (حلب – اللاذقية) وكذلك طريق (حلب – باب السلامة)، وذلك بناء على التزام وفد المعارضة بهذا الاتفاق خلال أستانا 6.

بكل تأكيد سيكون التوقيع على هكذا اتفاق أهم محاور (أستانا9)، وسيكون مُنجزاً كبيرا للروس، وسيعود وفد المعارضة مؤكداً القول كما في السابق: لقد استطعنا أن نضع ملف المعتقلين على طاولة التفاوض، ولكن المعالجة الحقيقية لهذا الأمر تتطلب خطوات وآليات إجرائية بحاجة إلى وقت أطول.