icon
التغطية الحية

أستانا في مصب رباعية موسكو.. نهاية مسار كارثي وغياب المبرر التركي للتطبيع

2023.06.21 | 19:43 دمشق

آخر تحديث: 21.06.2023 | 20:42 دمشق

رؤ
إسطنبول - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

شارف مسار أستانا على الانتهاء بعد 6 سنوات ونصف من انطلاقه، عقد خلالها 20 اجتماعاً، ظهر في آخرها اليوم الأربعاء مؤشرات على التحول إلى مسار موسكو لتطبيع العلاقات بين النظام وأنقرة بحضور روسي وإيراني، وهذا ما يعني انتهاء الدور الوظيفي للمعارضة السورية وانقضاء الحاجة حتى لوجودها الشكلي، واندماج مسار أستانا مع رباعية التطبيع في موسكو.

حملت تصريحات نائب وزير خارجية كازاخستان كانات توميش اليوم بشريات زائفة للسوريين عندما تناقلت وسائل إعلام عنه أن "مسار أستانا انتهى"، ليتضح أن تصريح توميش كان عبارة عن مقترح، وأن بلاده أبلغت الأطراف بأنها لن تستضيف لقاءات أخرى.

وقال مبعوث بوتين الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف: اجتماع أستانا الـ 20 هو الأخير الذي تستضيفه كازاخستان، حيث سيعقد الاجتماع المقبل في النصف الثاني من العام الجاري، في مكان يحدد لاحقاً.

مسار أستانا الذي انطلق بداية العام 2017 بكونه مساراً عسكرياً لتأمين وقف إطلاق نار في سوريا بين فصائل المعارضة وقوات النظام إثر سقوط مدينة حلب؛ تحوّل إلى منافسة مسار جنيف الدولي لمناقشة العملية السياسية في سوريا، ثم إلى مسار تفاوضي أمني بين أنقرة وموسكو بشأن "مكافحة الإرهاب"، إلا أن 20 جولة لم تدفع العملية السياسية السورية بل جرتها للخلف وزادت من تعقيداتها، وخلال هذه السنوات الـ 6 ونصف لم يبق للمعارضة سوى منطقة خفض التصعيد الرابعة التي تجمعت فيها 3 أخريات على مرأى الضامن التركي، دون أي حراك، حتى بلغ السيل زبى جبل الزاوية وتجمع ملايين المهجرين والنازحين على الحدود التركية.

لم يجتمع ضامنو أستانا الثلاثة حتى في أشد الأوقات اشتباكاً وعنفاً، عندما أطلقت تركيا عملية "نبع السلام" ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وعندما وصلت قوات النظام وروسيا وإيران إلى مشارف مدينة إدلب. في الحالتين خفّضت تركيا وروسيا التصعيد عبر لقاءات بين رئيسي الدولتين.

وجاءت الجولة الـ 20 من أستانا بعد موجة تطبيع عربي، وبعد اجتماعين في موسكو لتطبيع العلاقات بين النظام وأنقرة بحضور روسي وإيراني، و كان المسار آلية لضبط أزمات الدول الثلاث الضامنة، ومساحة لمناكفة اللاعبين الآخرين في الملف السوري وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، Gكونها من نقاط التلاقي القليلة لموسكو وأنقرة وطهران، في حين تتباعد المصالح كثيراً في النقاط الأخرى.

انتهاء الدور الوظيفي للمعارضة السورية

أما فاعلية المعارضة السياسية السورية فتتلاشى مع مرور الزمن بعد انكفاء المعارضة القديمة وظهور شخصيات جديدة في الائتلاف وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وانزياح الملف السوري عن أولويات الولايات المتحدة وأوروبا، وتأثر الملف السوري بتداعيات الأزمات الإقليمية والدولية والتي كان آخرها الحرب الأوكرانية، وتورط المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون في تحريف الحل السياسي في سوريا عبر طرح آلية "خطوة مقابل خطوة"، بعد أن تبعثرت أوراق الحل السياسي في سلل سلفه دي مستورا الأربع.

يخبو اهتمام السوريين بجولات أستانا واجتماعات اللجنة الدستورية، وينظرون إلى هذه المسارات على أنها تحقق غايات الضامنين الثلاثة لشراء الوقت وتمييع الحل السياسي، بمشاركة معارضة سورية بوصفها دمى تحركها تركيا.

وشهدت الفترة بعد التطبيع العربي وانطلاق المسار التطبيعي التفاوضي بين أنقرة والنظام، جولة لافتة لرئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس، حيث زار الرياض ومنها إلى الدوحة ثم الولايات المتحدة، واختتمت الجولة في لم شمل مكونات الهيئة في جنيف للمرة الأولى منذ 3 سنوات.

وقال مصدر في المعارضة السورية لتلفزيون سوريا بعد اختتام أعمال الجولة الـ 20 من أستانا اليوم الأربعاء: ستعقد الجولة التاسعة للجنة الدستورية خلال شهرين، ولن تكون في جنيف بل في سلطنة عمان أو الكويت أو كليهما بالتناوب، على شرط إبقائها تحت مظلة الأمم المتحدة والعودة إلى جنيف عند تغير الظروف.

انقضاء الغاية المفترضة من رباعية موسكو

منذ انطلاق المسار التفاوضي بين النظام السوري وأنقرة في موسكو نهاية العام 2022، اتجهت التحليلات إلى أن الدوافع وراء ذلك انتخابية بحتة، مع وجود آمال خافتة لأنقرة بأن تصل المفاوضات إلى مرحلة تعديل اتفاق أضنة وضمان وجود طويل الأمد للجيش التركي في سوريا، إلا أن النظام السوري ومنذ اللقاء الأول لم يتزحزح عن شرطه بانسحاب الجيش التركي وإيقاف دعم فصائل المعارضة لبدء عملية تطبيع للعلاقات، وهذا ما يؤدي إلى صفرية جدوى المسار على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.

بعد الانتخابات التركية وفوز رجب طيب أردوغان، وتسليم حقيبة الخارجية لرئيس المخابرات السابق حقان فيدان، وهو الرجل الذي أسس لمسار التطبيع بحكم اللقاءات الأمنية التي جمعته مع مخابرات النظام سابقا، حتى الآن لم يعقد اجتماع في موسكو لاستكمال مفاوضات التطبيع.

مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري بات في مرحلة لاختبار التحليلات بأنه مسار بدوافع وغايات انتخابية، فبعد انتهاء الانتخابات وتمسك النظام بشرط انسحاب تركيا، وتلاشي مسار أستانا، لم يعد هنالك مبررات تركية للسوريين بالاستمرار في المسار التطبيعي. في حين من المرجح أن ينتقل مسار أستانا إلى رباعية التطبيع في موسكو، لكن هذا يعني انتهاء الدور الوظيفي للمعارضة السورية، فتركيا تتفاوض الآن مع النظام السوري مباشرة بتيسير من موسكو وطهران.

ومن الأجدى لتركيا أن تنظر إلى ما آل إليه مسار التطبيع العربي الذي كان في جزء كبير منه محاولة لاستباق أي تطبيع تركي مع النظام. الآن العرب منقسمون إلى 3 تيارات لا تلتقي، فقطر تتمسك بموقف الحل السياسي في سوريا وفق القرار 2254 ضمن آليات يقودها السوريون بإشراف أممي، وتشدد على أن التطبيع مع النظام يعني زوال أي أفق لطموحات السوريين، في حين طبعت السعودية ومن قبلها الإمارات وسلطنة عمان علاقاتها مع النظام مجاناً دون تحقيق مكتسبات لها أو للسوريين، أما الأردن فيتذبذب بين التيارين في محاولة لتحقيق مطالبه المتعلقة بالجنوب السوري وعلى رأسها إيقاف تهريب المخدرات والضبط الأمني وضمانات لإعادة اللاجئين السوريين في الأردن، ويشعر بالغدر بعد أن أسس لبيان عمّان ثم نسخته السعودية ببيان جدة.

ما انتهى إليه مسار أستانا الذي أفقد تركيا الكثير من الأوراق التفاوضية وفاقم كارثة السوريين، وما آل إليه مسار التطبيع العربي؛ يجب أن يكون كافياً لتعدل تركيا عن عملية التطبيع مع النظام السوري، وتتدارك أخطاء الماضي، والاستثمار في منطقة سيطرة المعارضة مع الدول المهتمة والراغبة، والاقتناع بأن معادلة الرعب القائمة في شمال غربي سوريا بحكم الوجود العسكري التركي منذ اتفاق آذار 2020، هي الأجدى والأكثر نفعاً مع التعامل مع النظام وحلفائه، وأمنت استقراراً للمنطقة على مدار 3 سنوات، انعكس على الحالة المعيشية والاقتصادية.

أما شمال شرقي سوريا، فقواعد الاشتباك القائمة منذ عام والتي تستند إلى استراتيجية الضربات الجوية على أهداف محددة، فقد آتت أكلها أكثر مما فعلته عملية نبع السلام، فحزب العمال الكردستاني يتعرض لخسائر حقيقية عندما تصطاد المسيرات التركية كوادره دون توقف. وهنالك فرصة لأنقرة مع الولايات المتحدة لتقدّم الأخيرة ضمانات حقيقية لأمن تركيا القومي، حيث تسعى أنقرة لذلك ضمن مفاوضات انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو).