أسباب ودلالات قرار النظام السوري في بيع المحروقات بالدولار

2023.07.09 | 06:16 دمشق

أسباب ودلالات قرار النظام السوري في بيع المحروقات بالدولار
+A
حجم الخط
-A

في 22 من حزيران 2023، أصدرت وزارة النفط التابعة لحكومة النظام السوري قراراً يقضي بإصدار بطاقات مسبقة الدفع مقومة بالدولار لتعبئة البنزين للمغتربين السوريين والسياح العرب والأجانب القادمين إلى الأراضي السورية بكمية 200 لتر صالحة لمدة ثلاثة أشهر، حيث يتم تفعيلها بمجرد الدخول إلى النافذة الإلكترونية وإدخال رقم البطاقة. وبحسب تصريحات الوزارة فإن هذه الخطوة ستمكن المغتربين السوريين والسياح القادمين إلى سوريا من تعبئة البنزين لسياراتهم بسهولة ومن دون عوائق. وبحسب وزارة النفط سيتم بيع البنزين حسب الأسعار العالمية وهي بما يقارب 1.10 سنت للأوكتان 90 و1.20 سنت للأوكتان 95 (وقد تختلف هذه الأسعار بارتفاع وانخفاض الأسعار في السوق الدولية). وبحسب موقع الوزارة ستكون البطاقات متوافرة في كل كوات المصرف التجاري وفروعه بالمحافظات والمناطق والمعابر الحدودية ويستطيع حاملها تعبئة البنزين من أي محطة خاصة أو حكومية. وبحسب وزير النفط في حكومة النظام بإمكان أي شخص الحصول على البطاقة، وستكون متوافرة خلال شهر تموز أو آب. 

الواضح من صيغة القرار أنه لا يوجد إجراء يفرض بيع البطاقة فقط للمغتربين السوريين أو للسياح الأجانب، بمعنى لم يتم توضيح الشروط التي يجب أن تتوافر لدى من يريد الحصول على البطاقة، مثل إبراز جواز سفره أو ختم الدخول أو أي شيء يثبت أنه قادم من خارج سوريا للحصول على البطاقة، وعدم وجود هذا الإجراء يفتح الباب أمام المقيمين في مناطق سيطرة النظام لشراء البنزين من خلال البطاقات مسبقة الدفع المقومة بالدولار وبذلك يكون سعر البنزين المباع من خلال هذه البطاقات أغلى من البيع العادي.

ويمكن قراءة خلفيات ودلالات إجراء بيع البنزين من خلال بطاقات مسبقة الدفع من جهتين: أولاً، تحقيق مصالح الفئة المقربة من النظام. ثانياً، مواجهة الطلب المتزايد على قطاع المحروقات. ونناقش في سطور هذه المقالة دلالات القرار على الشكل التالي:

أولاً: تحقيق مصالح الفئة المقربة من النظام

من المتوقع أن إصدار قانون يسمح ببيع البنزين عبر بطاقات مقومة بالدولار في الوقت الحالي، سيشكل منفذاً يمكن أن يستغله التجار ليشمل لاحقاً المحروقات الأخرى حتى ولو بشكل غير رسمي. ومن المعروف أن تجارة المحروقات في سوريا تحتكرها مجموعات مقربة من النظام السوري تعمل بالشراكة مع شخصيات مقربة من عائلة الأسد، مثل حسام قاطرجي الذي يدير تجارة النفط مع داعش سابقا ومع قوات قسد في الوقت الحالي. وانطلاقاً من مصلحة تجار المحروقات في مناطق سيطرة النظام فإن بيعهم لمادة البنزين والمازوت مقوم بالدولار يحمي تعاملاتهم المالية من خطر الانخفاض المستمر لليرة السورية، بدلاً من استيراد المحروقات بالدولار وبيعها في السوق المحلية بالليرة ومن ثم إعادة تحويلها للدولار، وقد تسبب هذه العملية الخسائر لتجار المحروقات بسبب أن سعر صرف الليرة السورية غير مستقر وهو في انخفاض مستمر. واستغلال تجار المحروقات لهذا الإجراء سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع في سوريا، حيث سيضطر المُنتِج حينذاك (أصحاب المنشآت المتوسطة والصغيرة سيكونوا الأكثر تأثرا) لشراء المحروقات بالدولار، وبهذه العملية سترتفع كلفة تصنيع وبيع السلع. كما سيشكل هذا الإجراء ضغطاً كبيراً على المنتجين من كل القطاعات لتأمين الدولار لشراء المحروقات، مما قد يدفعهم لتصدير منتجاتهم بشكل كبير إلى خارج البلاد على حساب تأمين المنتجات للسوق المحلية، الأمر الذي سيخلق فجوة بين العرض والطلب في أسواق مناطق النظام، أوسع من الفجوة التي تضرب الأسواق في الوقت الحالي. كما أن ربط سعر البنزين والمحروقات بالدولار سيشكل ضرراً بشكل أساسي على المواطن، وسيصبح من الصعب عليه تأمين احتياجاته من المحروقات. وبالوقت ذاته سيحقق المنافع لمحتكري تجارة المحروقات المقربين من النظام، وبذلك لن يتأثروا بعد ذلك بانخفاض قيمة الليرة السورية أمام الدولار لأن أسعار المحروقات ستكون بالأصل مقومة بالدولار.

وتقويم المحروقات بالدولار بشكل غير رسمي يمكن قراءته كدلالة على نية النظام في إفساح المجال لاستخدام الدولار في المعاملات الاقتصادية. فبعد الانخفاض المستمر لقيمة الليرة وارتفاع معدلات التضخم أصبح التعامل بالليرة أمرا يصعب القيام بالمعاملات الاقتصادية الضخمة، بينما يحقق التعامل بالدولار فائدة أكبر للتجار. ومن المهم الإشارة إلى أن جزءا كبيرا من اقتصاد البلاد تسيطر عليه مجموعة من رجال الأعمال التابعين للنظام.

ثانيا: مواجهة الطلب المتزايد على قطاع المحروقات

قد تكون إحدى خلفيات هذا القرار هي رغبة النظام في مواجهة أزمة الطلب المتوقعة في الشتاء على المحروقات والتي تعاني منها بكثرة مناطق النظام بسبب ارتفاع الطلب بشكل كبير مقارنة بالعرض في الأسواق. وعدم قدرة النظام على تلبية الطلب يرجع لعدة أسباب أهمها: سيطرة قوات قسد على غالبية آبار النفط في سوريا والواقعة في منطقة شرقي الفرات، إضافة إلى أن البنية التحتية لصناعة النفط في سوريا تحتاج لصيانة، فعلى سبيل المثال لا تستطيع مصافي النفط في مناطق النظام تصفية النفط المستورد بشكل كبير بمعنى أن النظام يحتاج يومياً إلى ما يقارب 150 برميلا لتغطية الاستهلاك اليومي، لكن المصافي لا تستطيع تصفية هذه الكمية بسبب تعطلها وحاجتها للصيانة. وانطلاقاً من ذلك يرى النظام أن قرار بيع البنزين المقوم بالدولار ومن ثم المحروقات الأخرى سيخفض من الطلب عليها لأنه من الصعب على المواطن العادي تأمين الدولار لشراء المحروقات.

من الواضح أن قرار بيع البنزين من خلال بطاقات مسبقة الدفع هو بوابة غير مباشرة لدولرة أسواق المحروقات في مناطق سيطرة النظام. وبعد مناقشة خلفيات ودلالات هذا القرار اتضح لدينا أن القرار يخدم بالدرجة الأولى مجموعة معينة محسوبة على النظام ومرتبطة به بشكل مباشر لتحقيق مكاسب مالية بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية تخفيف أزمة الطلب التي تنفجر في العادة في كل فصل شتاء.