أسباب كافية لإنهاء القطيعة التركية المصرية

2022.04.17 | 06:02 دمشق

3f786ca161c450b9072abedf2fa9b7f1_xl.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن في تغريدات جديدة له قبل أيام أن العالم بدأ الدخول في حقبة حرب باردة جديدة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وأن المنطقة ستشهد لعبة توازنات تواكبها تفاهمات واتفاقيات إقليمية لا مفر منها. كالن هو ليس المتحدث باسم الرئاسة التركية فقط بل المستشار الأول في لجنة الأمن والسياسات الخارجية وكاتم أسرار أردوغان وأقرب أعوانه في الملفات الدبلوماسية والسياسية المرتبطة بالمهام الحساسة مع الغرب والشرق.

 الترجمة العملية لكلام كالن هي أن التحرك التركي الإقليمي سيتضاعف وأن أنقرة راغبة في تسريع إنجاز تقدم في ملفات علاقاتها المتوترة أو المجمدة مع أكثر من دولة عربية وإقليمية، تتقدمها العلاقات التركية السعودية والتركية المصرية والشق المرتبط بالملفات الساخنة التي تعني تركيا وعلى رأسها الملف الليبي والسوري وموضوع الطاقة في شرق المتوسط.

نحن اليوم في الداخل التركي ورغم الكثير من الأزمات الاقتصادية والمعيشية واستمرار التوتر في علاقاتنا مع عواصم عربية وإقليمية، نتحدث عن فرص استثمارات استراتيجية بقيمة 600 مليار دولار تمر عبر الأراضي التركي بأشكال مختلفة بينها خطوط نقل الطاقة وخط الحرير الصيني والمعابر التجارية بين القارات. العقبة هي أن تنجز أنقرة بأسرع ما يكون سياسات إعادة التموضع وتحسين علاقاتها مع عواصم عربية وإقليمية ما زالت مجمدة وإنهاء ملفات أزمات عالقة بينها الملف الليبي والسوري والأرميني والقبرصي.

العلاقات التركية السعودية والتركية المصرية هي التي تحتاج إلى نقلة سريعة في هذا الإطار وهو ما تحاول أن تقوم به تركيا على طريق الحلحلة وتليين المواقف من خلال نقلات متعددة ظهرت إلى العلن في الآونة الأخيرة. الحديث هنا  حول مسار العلاقات التركية المصرية التي لم تسجل الاختراق المطلوب منذ أيار المنصرم وحتى الأسابيع الماضية. خصوصا أن وزير الخارجية المصري سامح شكري أعلن في أعقاب الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين البلدين في أيلول العام المنصرم، أن هناك قدرا من التقدم في العلاقات بين البلدين ونأمل البناء عليه. لكنه عاد وأضاف "سنفتح الباب لمزيد من التقدم في علاقتنا مع تركيا عندما نكون راضين عن الحلول المطروحة للمسائل العالقة بيننا".

الواضح تماما هو أن أنقرة التي بدأت دبلوماسية تحسين العلاقات مع دول الجوار والعودة إلى تصفير الأزمات هي الأكثر حماسا لتحقيق اختراق في ملف العلاقات التركية المصرية

كثرت التسريبات والأنباء التي تتحدث عن اتصالات تركية مصرية جديدة تتم باتجاه تسريع المصالحة وتفعيل التطبيع بين البلدين. الإعلام التركي هو الذي يتعامل بشكل أوسع مع مثل هذه الأنباء التي لا علم للإعلام المصري بها. الواضح تماما هو أن أنقرة التي بدأت دبلوماسية تحسين العلاقات مع دول الجوار والعودة إلى تصفير الأزمات هي الأكثر حماسا لتحقيق اختراق في ملف العلاقات التركية المصرية والتي لم تسجل تقدما حقيقيا خلال العام المنصرم سوى المحادثات الاستكشافية في شهري أيار وأيلول من العام المنصرم، وما أعلنه الرئيس رجب طيب أردوغان في كانون الأول الماضي حول أن تركيا ستطرح مبادرة جديدة مع مصر وإسرائيل، مشابهة لتلك التي بدأتها مع الإمارات العربية المتحدة. أنقرة حسنت علاقاتها مع أبو ظبي وتل أبيب لكن في المسار مع القاهرة كان هناك حاجة لقوة دفع مشابهة أبعد مما قيل لنا قبل أشهر حول محادثات صريحة ومعمقة تجري بين العاصمتين ويبدو أنها بدأت تظهر إلى العلن في الأسابيع الأخيرة ومنها:

- إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أنه يجب على تركيا ومصر تحسين علاقاتهما الثنائية، الأمر سينعكس إيجابا على المنطقة برمتها خصوصا في ملفات شرقي المتوسط، والقضية الفلسطينية، ومسائل تعني العالمين العربي والإسلامي، وإفريقيا، والشرق الأوسط. وإشارته إلى أنه من الممكن عقد جلسة ثالثة قريبة في الحوار التركي المصري بعد انعقاد جلستين على مستوى نائبي وزيري الخارجية.

- كشف وزير الخارجية التركي النقاب عن توقع زيارة لنظيره المصري إلى إسطنبول خلال شهر رمضان الحالي، يواكبها حفل إفطار على شرفه.

- وجود تقارب في السياسات التركية والمصرية في الموقف من الحرب الأوكرانية الروسية والرغبة في الحفاظ على علاقاتهما المتوازنة مع طرفي النزاع.

- قلق تركي مصري من نتائج المفاوضات الغربية الإيرانية حول الملف النووي واحتمالات توقيع اتفاقية بهذا الخصوص تؤثر سلبا على مصالحهما ونفوذهما الإقليمي.

- انفراجة دبلوماسية في مسألة إعادة تبادل السفراء بين البلدين بعد مرور 9 سنوات على سحب السفيرين.

- وجود حراك سياسي مصري على خط الأزمة الليبية عبر التنسيق مع الأطراف المحلية بدعم تركي واضح. حيث يبدو أن هناك توافقاً بين البلدين حول دور فتحي باشاغا في تحريك الملف الليبي نحو الحلحلة.

- بروز ليونة تركية مصرية في التعامل مع موضوع وجود قيادات وكوادر إخوانية مطلوبة للعدالة في مصر واحتمال حدوث تقدم في صيغ تسوية وتفاهمات ترضي البلدين وتساعد في الانتقال إلى ملفات سياسية واستراتيجية أهم وأكبر، خصوصا في أعقاب مطالبة أنقرة للمؤسسات الإعلامية المصرية الناشطة في إسطنبول بتغيير لهجتها والالتزام بلغة جديدة تأخذ بعين الاعتبار الانفتاح التركي المصري الأخير.

- الانفتاح التركي الإماراتي والذي يساهم شئنا أم أبينا في دفع الحوار التركي المصري نحو مرحلة جديدة وهو نتيجة تفاهمات وتنسيق إماراتي قطري باتجاه لعب دور المسهل بهذا الخصوص كما يظهر من خلال تكثيف حراك البلدين الخليجيين على هذا الخط.

- الانفتاح التركي اليوناني والتركي الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة والذي تحول إلى فرصة تركية مصرية باتجاه تسريع عمليات التفاوض والحوار.

- التحول المرتقب في سياسة تركيا السورية والمنفتح على دور مصري فاعل في الملف باتجاه تسريع الحلحلة في الملف خصوصا لناحية الاستفادة من أجواء الحرب في أوكرانيا وانشغال روسيا بالملف، مما قد يعطي أنقرة والقاهرة بالتنسيق مع العواصم العربية والإقليمية المؤثرة في المشهد السوري فرصة إيجاد مخرج للأزمة التي وصلت إلى طريق مسدود منذ عامين تقريبا.

- بعكس ما كانت الأمور عليه قبل سنوات في مسار العلاقات التركية المصرية، يبدو هذه المرة وعلى ضوء العديد من المؤشرات الثنائية والإقليمية أن كلا البلدين بات أكثر قناعة ورغبة باتجاه تسجيل اختراق سياسي ودبلوماسي حقيقي في مسار العلاقات. هناك مثلا دورة تدريبية في مجال الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا في أنقرة حيث شارك فيها شخصيات عسكرية مصرية بين "الدول الحليفة والشقيقة" حسب وزارة الدفاع التركية. وهناك قيام وفد عسكري مصري، بزيارة جناح إحدى الشركات التركية المشاركة في معرض الدوحة الدولي للدفاع البحري (ديمدكس 2022) وسط الترحيب والإشادة التركية. هذا إلى جانب الاتصالات والتنسيق المتزايد بين البلدين في المجالات الأمنية والتجارية والدبلوماسية في الأشهر الأخيرة.

العوامل الإقليمية، التي باتت تتحكّم بمسار العلاقات بين مصر وتركيا، لا يمكن إغفالها أو تجاوزها بسهولة، خصوصاً في ملفّات شائكة ومعقّدة مثل ليبيا وسوريا وإيران والخليج وشرق المتوسط

المصادفة مهمة هنا طبعا فنحن ننتظر وزير الخارجية المصري سامح شكري على مائدة إفطار بعد إنهاء زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية. نريدها زيارة لا تقل عن التقارب الذي تحقق بين مصر والولايات المتحدة لناحية "احتواء التباينات السياسية والحقوقية بين البلدين". العوامل الإقليمية، التي باتت تتحكّم بمسار العلاقات بين مصر وتركيا، لا يمكن إغفالها أو تجاوزها بسهولة، خصوصاً في ملفّات شائكة ومعقّدة مثل ليبيا وسوريا وإيران والخليج وشرق المتوسط. لكن الواضح تماما أننا تجاوزنا أسلوب "هم أفسدوا العلاقة والآن يريدون إصلاحها". هناك حقيقة لا بد من تكرارها مرة أخرى وهي أنه من أجل تحقيق تقدم ملموس في ملف العلاقات التركية المصرية لا يكفي بعد اليوم الاتفاق على السير باتجاه ثنائي وإقليمي واحد، المطلوب هو أن يمشيان جنبا إلى جنب وعلى رصيف واحد أيضا.