أردوغان في الجزائر: اندفاعة استراتيجية متعددة الأهداف

2023.11.26 | 06:25 دمشق

آخر تحديث: 26.11.2023 | 06:25 دمشق

أردوغان وتبون
+A
حجم الخط
-A

بعد أقل من 5 أشهر على زيارة قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى أنقرة في شهر تموز المنصرم، قصد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العاصمة الجزائرية قبل أيام في زيارة مماثلة بدعوة من نظيره الجزائري.

وضع الرئيسان التركي والجزائري، نصب أعينهم هدف الانتقال بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى التعاون والتنسيق الاستراتيجي في التعامل مع كثير من الملفات والقضايا الثنائية والإقليمية، وتثبيت معالم خريطة الطريق المتفق عليها بهذا الاتجاه.

يتحدث أردوغان عن اجتماعات مثمرة، وتبادل أفكار حول الخطوات المزمع اتخاذها لتعميق العلاقات. لكن تبون أكثر حماسا واندفاعا "بكل ثقة وصدق، العلاقات قوية وذات آفاق مفتوحة على مزيد من التعاون؛ نظرا للإرادة السياسية الصادقة في البلدين".

البداية كانت مع اتفاقية الصداقة والتعاون الموقعة بين البلدين عام 2006، وزيارة أردوغان إلى الجزائر في كانون الثاني 2020. ثم زيارة الرئيس تبون لتركيا في العام 2019 والتي وصفت بأنها الأولى على هذا المستوى بعد 17 عاما. أعقبها زيارة أخرى في تموز المنصرم. ليرد الرئيس التركي الزيارة في 21 تشرين الثاني.

الترجمة العملية لهذا الانفتاح والتعاون حتى الآن هي باختصار:

-تحقيق رقم قياسي في حجم التبادل التجاري والانتقال به إلى الضعف خلال 3 سنوات.  حيث وصل الرقم إلى 5.3 مليارات دولار على أن يتجاوز 6 مليارات في نهاية العام الحالي، وأن يرتفع  إلى 10 مليارات دولار خلال الأعوام القليلة القادمة.

-توقيع 12 اتفاقية مشتركة في مجالات متعددة شملت التجارة والتعليم والثقافة والسينما والبيئة والعلوم، وافتتاح فرع لبنك الزراعة التركي ومدرسة لمؤسسة المعارف الوقفية ومركز يونس إمره الثقافي بالجزائر.

-الانفتاح على التحرك الجزائري باتجاه تطبيق خطط إنماء واسعة لتعزيز البنى التحتية، بموازنة قد تصل إلى 150 مليار دولار. ودخول تركيا على هذا الخط كونها بين الدول الإقليمية التي أثبتت نجاحها في مجال بناء المساكن والسدود والطرقات السريعة والأنفاق والموانىء.

تحرص تركيا منذ سنوات على تعزيز اهتمامها بالقارة الأفريقية وهي تعول على البوابة الجزائرية في ذلك. وتسعى الجزائر بالمقابل لتوسيع رقعة تمددها السياسي والتجاري وهي ترى في تركيا فرصة إقليمية لا تعوض

-الكشف عن المؤشر الآخر حول المستوى الذي وصلت إليه العلاقات والرؤية الاستراتيجية التي تغذيها، من خلال تجديد الاتفاقية الموقعة بين الشركة الوطنية الجزائرية للنفط والغاز "سوناطراك" وشركة خطوط أنابيب البترول التركية "بوتاش" والاتفاق على رفع حجم صادرات الغاز الجزائري إلى تركيا إلى 5.4 مليارات متر مكعب سنويا، بدلا من 4.4 مليارات متر مكعب.

-تعتبر الجزائر ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي لتركيا بعد روسيا وإيران . لكن هدف الطرفين في مجال الطاقة هو أكبر وأوسع من ذلك حتما، خصوصا وأن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي السابق فاتح دونماز كشف النقاب عن أن تركيا والجزائر تعتزمان تأسيس شركة مشتركة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في بلدان المنطقة على رأسها الجزائر. وهي خطوة لا يمكن فصلها عن تطورات ملف الطاقة الإقليمي والتسابق على ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.

-بين الأهداف السياسية بطابع إقليمي أيضا تنسيق مشترك في قضايا تتطابق الآراء حولها ويتقدمها الملف الليبي لناحية دعم خطط إيجاد حل سياسي للأزمة هناك، وحيث تلتقي المواقف في رفض الحسم العسكري ودعم المؤسسات الشرعية. والموضوع الفلسطيني وتجيير علاقاتهما مع اللاعبين المحليين والإقليميين لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ودعم حل الدولتين لإنهاء الصراع.

-كذلك بين أهداف البلدين اليوم الانتقال بالعلاقات من التقارب السياسي والتعاون التجاري إلى تعزيز فرص التنسيق الاستراتيجي في إطار خطط وبرامج مشتركة ومتوازنة، تحمي المصالح في مجالات الأمن والصناعات الدفاعية والتعاون لإنجاز مشاريع صناعية عسكرية مشتركة تعزز قوة الطرفين. الأنظار تتجه صوب قطاع الطائرات المسيرة التركية التي أثبتت تفوقها في هذا المجال. هل سنقرأ قريبا عن عقود واتفاقيات تعاون واسع في هذا الحقل؟

يعود عمر العلاقات التركية الجزائرية إلى ما قبل خمسة قرون عندما وصل القائد العثماني خير الدين بربروس إلى شمال إفريقيا في 1516، ولعب دوراً أساسياً في مواجهة الإسبان والفرنسيين في حملات القرصنة والتحكم التجاري البحري. لكن المشهد الحالي يقول إن القيادات التركية ترى في الجزائر بوابة عبور استراتيجي باتجاه القارة السمراء. وترى بالمقابل القيادات الجزائرية في تركيا فرصة لا تعوض باتجاه وصولها إلى مناطق جديدة في القوقاز والبلقان ودول آسيا الوسطى.

لماذا يصف الإعلام الجزائري زيارة الرئيس أردوغان الأخيرة للجزائر بأنها شكلت "محطة لنفس جديد" في العلاقات بين البلدين التي شهدت قفزة على أكثر من مستوى خلال السنوات القليلة الماضية؟ الإجابة هي عند تبون الذي يقول إن "العلاقات القوية بين البلدين تمتاز بآفاق مفتوحة على مزيد من التعاون بفضل الإرادة السياسية الصادقة للطرفين"، وعند أردوغان الذي يتحدث عن وجود نوايا صادقة باتجاه التطلع نحو المستقبل في العلاقات التركية الجزائرية.

تحرص تركيا منذ سنوات على تعزيز اهتمامها بالقارة الإفريقية وهي تعول على البوابة الجزائرية في ذلك. وتسعى الجزائر بالمقابل لتوسيع رقعة تمددها السياسي والتجاري وهي ترى في تركيا فرصة إقليمية لا تعوض. وكل ما يجري يتم بعيدا عن تفسيرات البعض في توصيف هذا التقارب على أنه عملية اصطفاف أو بناء محور في مواجهة لاعبين آخرين.