آليات المزاحمة الإسرائيلية للنفوذ التركي في المنطقة

2020.09.28 | 00:02 دمشق

thumbs_b_c_5cacaf19cb7301a36b1dce4e144d24d5.jpg
+A
حجم الخط
-A

تبدي الأوساط الإسرائيلية، السياسية والعسكرية والأمنية، فضلا عن البحثية والدراسية، حالة من الانشغال الجدي والحثيث، للعثور على "تخريجة" ما لاستمرار التوتر مع تركيا في المرحلة القادمة، على اعتبار أنه ليس مؤقتا، ولن يختفي بعد الرئيس أردوغان، بل يعكس اتجاهات بعيدة المدى في المجتمع التركي، ويتجلى في الاحتكاكات المتكررة مع إسرائيل، وتحول تركيا إلى دولة ذات تطلعات وهيمنة تهدد المصالح الإسرائيلية.

رغم مظاهر العداء التركي لإسرائيل، فإن الأخيرة تظهر، حتى اللحظة، حذراً بتعاملها مع أنقرة، فلا مصلحة لها بتحويلها عدواً نشطاً، فيما يمارس الأتراك براغماتية تجاه إسرائيل، فلم يقطعوا علاقاتهم الدبلوماسية معها، ويحافظوا على معاملات تجارية واسعة، ورحلات طيران مهمة للسياحة، وللوصول إلى القدس.

تشير القراءة الإسرائيلية للسياسة التركية في المنطقة لتحولها إلى دولة كبيرة ومهمة في الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط، تمهيدا للهيمنة الإقليمية، والنشاط في الساحة العالمية؛ والاحتفاظ بوجود عسكري في العراق وسوريا وقطر والصومال، والهيمنة على بحر إيجة، لعرقلة وصول إسرائيل للأسواق الأوروبية.

في هذه اللحظة، من المهم لإسرائيل تحديد أدوات النفوذ التي ستجعل من الممكن كبح جماح طموح القيادة الحالية في تركيا، أولاً وقبل كل شيء على المستوى الاقتصادي، وهو مصدر قوة أردوغان، وأصبح نقطة ضعفه، بهدف منعها من تشكيل تهديدات لمصالح إسرائيل الحيوية، وشراكاتها في النظام الإقليمي، خاصة مصر، بحيث يركز النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي بشأن تركيا على واشنطن.

تطالب الأوساط الإسرائيلية بحمل الولايات المتحدة، الإدارة والكونغرس، على السعي لكبح أردوغان، فتجربة السنوات الأخيرة تشير إلى أنه كان حذرا من الوصول لمواجهة مباشرة معها، وفحص ما إذا كانت الأطراف العربية التي تشارك إسرائيل الرأي، جاهزة لحشد جماعات الضغط النفطية في واشنطن لمواجهة الجهود التركية.

في الوقت نفسه، يتواصل العمل الإسرائيلي مع مصر واليونان والإمارات العربية المتحدة لتقوية المحور الذي يحاول احتواء تركيا، بجانب التحركات الحالية لفرنسا، التي تم حشدها لحملة سياسية، وحتى للوجود العسكري في شرق البحر المتوسط، فضلا عما يوصف بـ"توسيع الوعي بسلوك تركيا الإشكالي"، لأن دول البلقان عانت من العبء العثماني في الماضي، وتخويف الآخرين من تركيا: رومانيا وبلغاريا وصربيا وكوسوفو.

في الوقت نفسه، يتواصل العمل الإسرائيلي مع مصر واليونان والإمارات العربية المتحدة لتقوية المحور الذي يحاول احتواء تركيا

تسعى المؤسسة العسكرية ومجتمع المخابرات في إسرائيل للتكيف مع الواقع الذي يشكل فيه السلوك التركي مخاطر على مصالحها الحيوية، عبر فحص الآثار المترتبة على تكثيف نشاط البحرية التركية، ومتابعة التطورات في المجال النووي التركي، ومراقبة نشاط تركيا في القدس، وتحييد نفوذها فيها، مع أن الأردن ومصر والسعودية ودول الخليج شركاء طبيعيون في إحباط النفوذ التركي في القدس.

في قلب الجهود الإسرائيلية لإضعاف السياسة التركية، تكمن المسألة الاقتصادية، لأنها تلعب دورا رئيسيا في ترسيخ أو تقويض قبضة أردوغان على السلطة، من خلال مواجهة تركيا لصعوبات انخفاض قيمة الليرة، وكبح النمو، والديون المتضخمة، والآن أصبح الاقتصاد التركي أكثر عرضة للخطر خلال فترة كورونا، التي أدت إلى ركود اقتصادي، وحرمت تركيا من مصدر دخل مهم بسبب انهيار قطاع السياحة.

وقد بدا لافتا، أن تتركز الأنظار الإسرائيلية نحو استغلال الجهود التي يقودها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من أجل مستقبل البحر الأبيض المتوسط، في ظل ما تمتلكه تل أبيب وباريس من شراكة مصالح حالية في ملف ترسيم الحدود البحرية تتعارض مع توجهات أنقرة، وهي فرصة لتنسيق تحركاتهما الاستراتيجية ضدها.

تتماشى التداعيات المتوقعة للسلوك الفرنسي على السياسة الإسرائيلية مع موقفها الحازم ضد تركيا، التي تؤثر سلبا في مصالحها في البحر المتوسط، ولدى إسرائيل أسباب متنوعة للنظر بقلق لزيادة النفوذ التركي فيه.

مع العلم أن سياسات أردوغان ضد إسرائيل، وتصريحاته العدائية، تزامنت مع ما شهدته السنوات الأخيرة من مواجهة إقليمية بين الدولتين وحلفائهما حول مسار السيطرة في شرق البحر المتوسط، وفرص إيجاد طريقة لتسويق الغاز الطبيعي، لذلك فإن موقف فرنسا واليونان ومصر من تركيا في هذا الصراع يخدم مصلحة إسرائيل، وهذا ينطبق بشكل خاص على ليبيا.

أكثر من ذلك، فإن لإسرائيل مصالح مشتركة مع نظام السيسي والإمارات ضد النفوذ العسكري التركي في جميع أنحاء المنطقة، وفي هذه الساحة أيضا، يقف ماكرون بجانب شركاء إسرائيل، لأن تحقيق مصالح اليونان ومصر وإسرائيل معا في شرق البحر المتوسط بمواجهة تركيا، قد يؤدي لتوثيق العلاقات بين تل أبيب وباريس خاصة، ويؤدي في المحصلة إلى خلق منظور مختلف في باريس حول العلاقات مع إسرائيل، بما يؤثر على الموقف من القضية الفلسطينية، لأن التصعيد الفرنسي في البحر المتوسط ضد تطلعات تركيا يخلق فرصة لإسرائيل لتنسيق التحركات على المستوى الاستراتيجي مع فرنسا.

تراقب إسرائيل معارضة ماكرون علناً لسياسات أردوغان في ليبيا وشرق البحر المتوسط، وتبدي ارتياحا للحوار المستمر بين ماكرون ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي زار إسرائيل مؤخرا، لبحث تدخلات تركيا في المياه الإقليمية لليونان وقبرص، مما تسبب بدعوة الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات عليها بسبب مساعيها للسيطرة على مصادر الغاز الطبيعي القبرصي، مما يضع إسرائيل واليونان ومصر في مواجهة "التحدي التركي"، ويجعلها أمام اختبارات قاسية، مما قد يحمل تنبؤات مفادها أن تصاعد الصراعات في شرق المتوسط، قد يصل درجة التدهور لمواجهة عسكرية.

على المستوى الجيو-استراتيجي والاقتصادي، تركز تركيا على تحديد خريطة ترسيم الحدود الاقتصادية للمياه في شرق البحر المتوسط، وهي قضية ذات أهمية كبيرة لإسرائيل، لأنها تنطوي على تدخل عسكري تركي في ليبيا، وتثير مخاوف بشأن الاشتباكات العسكرية حول النشاط الاقتصادي قرب شواطئ الطاقة.

صحيح أنه من أجل التحدي الإيراني والجبهة الشمالية الذي يواجه إسرائيل هذه الأيام بالذات، تفضل إسرائيل ألا تكون شريكا عسكريا نشطا في إعداد المواجهة العسكرية المحتملة بجانب اليونان أو مصر أمام تركيا، لكنها قد تساعد بتعزيز التعاون الاستخباراتي، والمشتريات الأمنية، والتنسيق السياسي في واشنطن، مما يحد من جرأة أردوغان وتطلعاته الإقليمية.

تزعم "إسرائيل أن "معركتها" ضد التطلعات التركية في شرق البحر المتوسط تواجهها جملة عوامل إقليمية وقوية لها تأثير على ميزان القوى، فمصر تتعرض لضغوط مزدوجة: من إثيوبيا بشأن قضية السد، وتحدي الإسلاميين على الجبهة الليبية، وباتت هاتان المسألتان ذات أهمية وجودية لنظام السيسي، مما يخلق احتمال حدوث صدام بين مصر وتركيا.

تفيد المعلومات المتوفرة لدى إسرائيل، بأن اليونان تدعم بشكل كامل التحركات المصرية في ليبيا، ولكن من المشكوك أنها ستكون قادرة على التدخل في مواجهة عسكرية بجانبها ضد تركيا، أما عما يمكن أن تفعله إسرائيل، ففي حال تصاعدت الصراعات في شرق البحر المتوسط لدرجة التدهور نحو صراع عسكري، فلن تتمكن من المشاركة بشكل مباشر في القتال ضد تركيا، سواء مع اليونان وقبرص، أو مع مصر في ليبيا.

إن تعميق التعاون الاستخباراتي الإسرائيلي مع اليونان ومصر، عنصر أساسي في الاستعداد الملائم للتحدي الذي تفرضه تركيا، بجانب الأنشطة العسكرية المشتركة، والتركيز على تمارين القوات الجوية والبحرية، وبالاشتراك مع القوات الأمريكية، والتركيز على تعزيز العلاقات، والحفاظ على توازن القوى الإقليمي، وتعزيز البحرية الإسرائيلية في مواجهة التسلح البحري التركي.