تصعيد الاغتيالات الإسرائيلية لن يجلب الهدوء للاحتلال

2022.03.18 | 04:47 دمشق

alqds.jpg
+A
حجم الخط
-A

سلطت عملية الاغتيال الإسرائيلية الأخيرة لثلاثة من المقاومين الفلسطينيين في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية الضوء على التاريخ الدموي لجيش الاحتلال الحافل بالاغتيالات، فهي ليست سياسة جديدة، وسجله مزدحم بقائمة طويلة منها منذ ما قبل قيام الدولة عام 1948 وحتى الآن، والذاكرة الفلسطينية والعربية تتذكر وتخلد أسماء سياسيين وعلماء ومفكرين ومقاومين راحوا ضحية هذه السياسة الدموية بأساليب وطرق مختلفة.

في حين شهد شهر آذار في سنوات وعقود سابقة عشرات الاغتيالات التي نفذها جيش الاحتلال وقواته الخاصة ضد كوادر المقاومة وقادتها السياسيين، بزعم أنها سياسة تلبي احتياجاته الأمنية، والوسيلة الأنجع لوقف ما تسميه (القنابل الموقوتة).

ومن خلال رصد العديد من عمليات الاغتيال خلال انتفاضتي الحجارة 1987، والأقصى 2000، وحروب غزة بين عامي 2008-2021، يمكن رسم سيناريو لعملية الإعداد والتخطيط وتنفيذ عملية الاغتيال، القائمة على إدراج أسماء عشرات المقاومين المحكوم عليهم بالإعدام بعد دراسة ملفاتهم الأمنية.

هنا تمثل أجهزة أمن الاحتلال دور المدعي والقاضي والمنفذ للحكم، ثم يبدأ جمع المعلومات التي تركز على مكان سكن المقاوم وتحركاته، خصوصا الاعتيادية منها، ثم تشارك في التخطيط لعملية الاغتيال عدة أجهزة أمنية وعسكرية، معتمدة بالدرجة الأولى على مصادر بشرية وتكنولوجية.

في فترة لاحقة، يتم تشكيل غرفة عمليات تحت قيادة هيئة الأركان يرأسها قائدها، وبمتابعة وزير الحرب الذي يرفع التقارير تباعا لرئيس الوزراء، وعلى ضوء المعلومات الاستخبارية يحدد أسلوب عملية الاغتيال، لذلك يتم إشراك سلاح الجو المساهم كثيرا بالعملية.

اعتمدت المخابرات الإسرائيلية في تنفيذ الاغتيالات على العملاء، المكلفين بجمع المعلومات المتعلقة بالمقاوم المستهدف، منزله والغرف التي يتكون منها، سيارته التي يتحرك فيها، الطريق الذي يمر منه، ساعات دوامه ومكان عمله، وحين تتكون غرفة العمليات تكون مرتبطة بالعميل الموجود على الأرض، ويحدد أن المستهدف خرج من المكان المحدد، واستقل السيارة، ويحدد لونها، ومن معه في السيارة، ثم يترك إكمال مهمة المراقبة والرصد للوسائل التقنية الحديثة.

في بعض المراحل، يحلل أمن الاحتلال كل المعلومات لتحديد الثغرة والوقت المناسب، عبر استغلال الحركة الروتينية، أو كشف خطة الحركة بالاتصالات التلفونية والخلوية، ثم توضع المعلومات على طاولة طاقم المجلس الأمني المصغر، بحيث تشير الأجهزة الأمنية إلى أن العملية جاهزة للتنفيذ، وتحتاج إلى مصادقة المستوى السياسي، والأمر لا يحتاج لكثير من النقاش والتردد، فالحكم بالإعدام اتخذ مسبقا، والأمر النهائي متروك لغرفة العمليات بناء على معلوماتها الميدانية.

في بعض المراحل، يحلل أمن الاحتلال كل المعلومات لتحديد الثغرة والوقت المناسب، عبر استغلال الحركة الروتينية، أو كشف خطة الحركة بالاتصالات التلفونية والخلوية، ثم توضع المعلومات على طاولة طاقم المجلس الأمني المصغر

تزعم أوساط الاحتلال أن أسلوب الاغتيالات يحقق لها عدة أهداف رئيسة، ومنها التشويش مؤقتا على منظومة قيادة المقاومة، وعرقلة العمليات المخطط لها، على الأقل جزء منها، وإلزام رجال المقاومة بالنزول إلى العمل السري والاختباء، وبالتالي تجعل من الصعب عليهم التخطيط للعمليات وتنفيذها، كما يوجد في هذا الأسلوب ما يخلق أثر العين بالعين، وهو هدف الانتقام، على الأقل بالنسبة لمعنويات الجمهور الإسرائيلي.

ومع ذلك فقد أثبتت المقاومة أن أسلوب الاغتيالات لم ينجح في كسر شوكتها، وفي انفضاض الناس عنها، والالتفاف حولها، مما يعني أن تمسك الاحتلال بسياسته القديمة الجديدة التي تؤمن بنظرية "كي وعي" الفلسطينيين حتى يضغطوا على منفذي العمليات للتوقف عن أعمالهم، يعود عليه بنتائج معاكسة تماما، فالاغتيالات القاسية جدا تشجع المقاومة أكثر من منعها.

اختلفت أساليب الاغتيال التي اتبعتها المخابرات الإسرائيلية، فقد تركزت معظمها على تفجير سيارات المقاومين، حيث يلجأ الاحتلال لتنفيذ هذا الأسلوب بإرسال فرق الاغتيال لمنازل المقاومين، التي تقوم بـ"تشريك" سياراتهم بعبوات ناسفة تنفجر مع تشغيل السيارة، وهو أسلوب لا يحتاج لخبرة عالية أو وقت طويل، فقط يحتاج شخصاً لديه خبرة عامة في كهرباء السيارات، ليس أكثر.

هناك أسلوب تفجير السيارة عن بعد، فكثيرا ما لجأ الاحتلال لاستخدامه، خاصة في اغتيال المقاومين الذين وجد صعوبة بالوصول إليهم، ويتميز هذا الأسلوب بأنه تقنية حديثة لا تحتاج لتعقيدات ووقت زمني، حيث يتم في عدة ثوانٍ فقط، فضلا عن إطلاق النار عن قرب، وعادة ما تقوم بها القوات الخاصة، التي تتنكر بالزي العربي، وتنفذ مهمة الاغتيال، فضلا عن القصف بالطائرات، وربما تكون هذه الطريقة الأكثر رواجا في اغتيال المقاومين، لاسيما في قطاع غزة، فقد سقط خلالها مئات المقاومين ومساعديهم.

في الوقت ذاته، هناك عوامل ساعدت الاحتلال على النجاح في الاغتيالات، ومنها غياب الحس الأمني لدى جزء من المقاومين، وغياب دور الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية في متابعة العملاء، وكشفهم، والفقر في العلم الأمني، وعدم مراعاة السرية في تحركات العناصر النشطة في المقاومة، واستخدام الاحتلال للوسائل القتالية، واستفادتها من التكنولوجيا الحديثة في الاغتيال، وضعف أداء الكادر الأمني لدى المقاومة في ملاحظة تحركات العدو، واستشعار المنطقة المستهدفة سواء كموقع أو كنشاط وطني.

يحمل اغتيال المقاومين مضامين كثيرة منها: الحد من تطور ظاهرة انتشار الخلايا المسلحة التي تمارس العمل العسكري ضد جيش الاحتلال والمستوطنين، أو التي تقوم بعملية الإعداد والتجهيز للعمليات العسكرية من خلال قتل ناشطيها، أو على الأقل الحد من نشاطاتهم بتقليل تحركاتهم، أو بقصد تراجعهم خوفا من انكشافهم وتعرضهم للاغتيال، والتأكيد على امتلاك الاحتلال ذراعا عسكرية قوية قادرة على الوصول للهدف المقصود، والتأكيد على استمرار قدرة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على رصد المجتمع الفلسطيني، واستمرار اختراقه من خلال تجنيد العملاء، وجمع المعلومات اللوجستية التي تعتبر الركيزة الأولى في نجاح عمليات الاغتيال.

وهناك هدف يتمثل في ضرب الروح المعنوية للشعب الفلسطيني، القوة الحقيقية التي يستند عليها في الصراع الدائر في ظل غياب المعادل الموضوعي أو القوة العسكرية المتكافئة، وإبقاء المقاومين في حالة التفكير في أنفسهم وعدم التوقف في البحث عن مخابئ، مما سيشغلهم عن التخطيط لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل، وبالتالي فإن التصفيات والاغتيالات واجبة في ظل الوضع الحالي.

وقد لجأت المخابرات الإسرائيلية لأسلوب نفسي خطير تمثل في توزيع أسماء وصور قيادات ورموز المقاومة على أوراق اللعب (الشدة)، كما فعلت الولايات المتحدة في ملاحقتها لرموز النظام العراقي السابق، وكان نشر تلك الصور جزءا من الحرب الإعلامية والنفسية المعلنة على المقاومة التي أثبتت قدرتها على ضرب العمق الإسرائيلي بكل ثقة.

وفي تحليله لفشل سياسة الاغتيالات في وقف المقاومة، عقب المراسل العسكري "أمير بار شالوم" بقوله: "لقد خاب أمل جنرالاتنا، اعتقدوا أن عمليات التصفية ومحاولات الاغتيال التي تعرض لها المسلحون الفلسطينيون ستؤدي بهم لأن يهتموا بأنفسهم، وأن يسعوا للحفاظ على حياتهم، وأن يتركوا التخطيط للعمليات وتنفيذها ضدنا، لقد ثبت أنهم كانوا حالمين، فلم تؤد هذه العمليات إلا إلى تعاظم عملياتها المدمرة ضدنا".

وعلى النهج ذاته، عقب المفكر "بي ميخائيل" على جدوى الاغتيالات بقوله إن "عمليات التصفية أدت لتعاظم الخسائر الإسرائيلية، وتوفر المسوغات لحركات المقاومة لمضاعفة عملياتها، وجعلها أكثر ضراوة، ولذلك يبدو من المسموح الاعتراف بالحقيقة الآن وهي أن عمليات التصفية لا توفر دماء الناس، وإنما تزيد منها، وذريعتها الحقيقية هي سياسية وسيكولوجية وليست أمنية".

في حين قال الخبير العسكري الراحل "زئيف شيف" إن "عمليات التصفية كالوقود الذي يؤجج نار المقاومة، وجعل عملياتها أكثر خطورة، وأشد تصميما، ورغم أن قادة الجيش يعلنون أنهم حققوا انتصارا على المقاومين، فإن هذا النصر يذكرنا بالعبارة الشهيرة التي قالها الملك بيروس: نصر آخر كهذا وسنؤول للهاوية"!.