مجرد أمنية على بوابة السنة الجديدة

2020.01.04 | 17:26 دمشق

images_23.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يكن الأسبوع الأخير من السنة المنصرمة أسبوعاً عادي النكبات في حياة السوريين، هذه الحياة التي تتواصل نكباتها منذ زمن طويل. لقد أبت السنة الماضية أن تغادرنا بعادية السنوات الأخرى؛ فأضفت على مشهد رحيلها تفاصيل نوعية في دلالتها ومغزاها.

بالتأكيد، لقد كان للهمجية المنفلتة التي مارسها الطيران الروسي وطيران النظام فوق قرى وبلدات مدن إدلب وريفها حضوراً طاغياً في المشهد الأخير للسنة الراحلة؛ فإدلب التي باتت تختصر سفر التهجير السوري، قد أيقظت لدى السوريين كل قهر قصص التهجير السابقة، إضافة إلى انكشاف الخدع والأكاذيب التي ظن السوريون أنها قد تشكل بعض الضمانة لهم، وهم في مفازة تهجيرهم الأخيرة.

لكنّ حدثين قد ترافقا مع كل هذا الدمار، ومع كل هذا اليأس، حدثان لا يقلان دماراً، ولا يأساً، ولا إحباطاً: تمثل أولهما في الدعوة التي وجهتها السعودية لما سمي اجتماع ممثلي المستقلين، الذي جرى في الرياض يومي 27و28 ديسمبر/كانون الأول...، أما الثاني فقد تمثل

فجأة ومن دون مقدمات معلنة قررت الخارجية السعودية عقد اجتماع موسع لمستقلين سوريين

في الأنباء التي تتواتر عن وصول مقاتلين سوريين مرتزقة إلى ليبيا للمشاركة في المعارك الدائرة هناك.

هكذا، فجأة ومن دون مقدمات معلنة قررت الخارجية السعودية عقد اجتماع موسع لمستقلين سوريين، فقامت بعد اتصالات سريعة، تولتها عدة شخصيات من المعارضة السورية المعروفة لجهات سعودية، بتوجيه دعوات إلى سبعين شخصية من المعارضة السورية للاجتماع في يومي 27 و28 من الشهر الماضي، وقد حضر منهم 68 شخصاً، وقد تم خلال الاجتماع انتخاب ثمانية أعضاء نصفهم من النساء، كانت حصة المرأة قد حددت ب 50%  مسبقاً، ولقد تقرر أن أولاء سيمثلون المستقلين في هيئة التفاوض، كما تم انتخاب ما اتفق على تسميته بالأمانة العامة للمستقلين التي تتألف من 13 عضواً، واعتُبر جميع المشاركين هم قوام الهيئة العامة.

ولقد تسبب هذا الاجتماع باستنفار الائتلاف الوطني، والتيار التركي داخل هيئات المعارضة السورية، فقام السيد نصر الحريري -الذي هو رئيس هيئة التفاوض كما هو معلوم- بعقد مؤتمر صحفي وصف فيه الاجتماع المذكور بأنه: "اجتماع فاقد للشرعية"، واتهم الاجتماع بأنه يفتقد إلى “وجود سند قانوني لهذا الاجتماع”، وتوسل من خلاله السعودية؛ لكي تلغي خطوتها الخطيرة هذه - حسب رأيه بها- التي قد تشق المعارضة السورية، والتي قد تضع اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض في وضع بالغ السوء... ولم ينس السيد الحريري، أن يلطم إلى حد الابتذال على مقام إدلب التي تباد، وأن ينوح على هذا الاجتماع الذي سينتج عنه ما سيعيق تفرغ السيد الحريري ومن معه عن حشودهم وعن مهامهم في الدفاع عن إدلب!!!.

هذا المؤتمر الصحفي الحريري الرافض لاجتماع الرياض، الذي كان دافعه الرئيس، هو: الخوف على تابعية مؤسسات المعارضة المهزلة لتركيا، وخوف الإخوان المسلمين من إضعاف سيطرتهم على مؤسسات المعارضة، قد قابله في المقلب الآخر خطاب متملق ومستجدٍ، ويعلن خضوعه لتابعية جديدة تتولد في الرياض، عبرت عنها "يسرى الشيخ" التي انتخبت في اجتماع المستقلين في حديث وجهته لقيادة المملكة العربية السعودية، وكأن الشكر لا يكون، ولا يستقيم، ولا يصل إلا عبر التذلل للآخر والانبطاح أمامه!

الحدث الآخر الذي لا يقل أهمية، هو: خبر التدخل العسكري التركي في ليبيا وإرسالها لجنود سوريين تابعين لها إلى ليبيا. هذا الخبر الذي كان صادماً للسوريين؛ إذ عدا عن رفض فكرة إقحام السوريين في لعبة الارتزاق عبر حروب الآخرين، وعدا عن استحالة تبرير هذا الإقحام مهما يكن الظرف الذي يحكمه، فإن ما يزيد من صدمة هذا الخبر، هو أنه ترافق مع الوقت الذي يتعرض فيه ملايين السوريين لحرب إبادة من قبل قوات النظام السوري المدعومة من روسيا، الأمر الذي يفترض أن هؤلاء الذين تقوم تركيا بإرسالهم إلى ليبيا، كان يجب أن يكونوا في مواقع الدفاع عن أهلهم السوريين.

هذا على الرغم من أن مصادر عدة قد نفت هذا الخبر، الحال الذي نفته أخبار أخرى قد وردت عن موافقة البرلمان التركي على المشاركة في الحرب الليبية، وعن وصول دفعات من هذه القوات إلى ليبيا بالفعل، وعلى الرغم من أن بعضهم قد ذهب إلى أن من ذهب من السوريين إلى ليبيا هم عناصر من "التركمان" السوريين فقط، فإن هذا لن يغير من حقيقة الأمر شيئاً، إلا عند من يتمطقون بالمنطق الأعوج، وكأن التركمان السوريين أتراكٌ أولاً ثم سوريون ثانياً!!

باختصار شديد، وبعيداً عن هذه التفاصيل كلها، وبعيداً عن القراءات السياسية المتعددة لهذه الأحداث الثلاثة (إبادة إدلب، واجتماع الرياض، وذهاب سوريين إلى ليبيا للقتال تحت العلم التركي)، فإن الرسالة الواضحة جداً التي أرادت السنة المنصرمة قولها لنا نحن السوريين بمنتهى الوضوح:

لا أحد يهتم بكم وبموتكم، يا أيها السوريون، وليس لكم ولا لموتكم أي أهمية، وما تبقى منكم خارج دائرة الموت ما هم غير أدوات لآخرين.

إنها الرسالة التي تضع السوريين أمام الاستحقاق الأهم، في سنتهم الجديدة، على ضوء

استحقاق السوريين الوحيد في القادم من أيام عامهم الجديد، هو في أن يبحثوا عما يمكنهم من استرجاع إرادتهم وقرارهم فيما يخص مصيرهم

كل هذه المتغيرات التي تتوالى بتواتر تصعب متابعته، هذا الاستحقاق الذي من دونه لن يكون هناك أي معنى لأي فعل سوري... هذا الاستحقاق الذي لا يمكن تصنيفه من منظور موالاة أو معارضة، بل لا يمكن تصنيفه إلا من منظور الوطن ومعناه ومصيره.

إن الاستحقاق الأهم، استحقاق السوريين الوحيد في القادم من أيام عامهم الجديد، هو في أن يبحثوا عما يمكنهم من استرجاع إرادتهم وقرارهم فيما يخص مصيرهم، عما يمكنهم من استرجاع ما يعيد الاعتبار لهم كشعب وكوطن وكمصير...

وهو الاستحقاق الذي يعني أن يكونوا سوريين أولاً، ليسوا موالاة ولا معارضة، وليسوا طوائف ولا عشائر ولا عوائل ولا قوميات... هو الاستحقاق الذي يعني: أن يكونوا سوريين قبل فوات الأوان... وقبل فوات الوطن.

 هل يمكن لهذه السنة الجديدة أن تكون صرخة السوريين المدوية في وجه أنفسهم أولاً، وفي وجه كل الذين يستبيحون دمهم ووطنهم ومستقبلهم ثانياً:

يكفي! إننا نريد أن نركل الموت، وأن نوقفه، وأن نبني وطناً يتسع لنا جميعاً.

إنها مجرد أمنية على بوابة السنة الجديدة.