هل تتخلى حماس عن إيران؟

2024.04.29 | 05:48 دمشق

يحيى سنوار
+A
حجم الخط
-A

لم أكن لأعترف يوماً بنظرية المؤامرة التي تلحق بكل حدث سياسي أو عسكري غير مفهوم الأبعاد والمرامي، أو ما تداخلت فيه القوى المؤثرة ومصالحها المتقاطعة عبر العالم.

إلا أن حرب إسرائيل على غزة غيّرت قليلاً من قناعتي، وحفّزت لدي فكرة أن المؤامرة موجودة بشكل أو بآخر، ولو جاءت أحياناً بأقنعة مختلفة أقل التباساً من صفة التآمر.

كلنا نعرف القوة التي تقف وراء إقدام حماس على عملية السابع من أكتوبر، ونعرف أيضاً أن هذه العملية أدت إلى استشراس إسرائيل في رد العنف بالعنف، لكن للأسف الشديد ضحايا غزة من المدنيين العزل -معظمهم أطفال ونساء- قد تجاوزت الثلاثين ألفاً من الشهداء، مقارنة بمن سقطوا ضحايا أو رهائن من المدنيين الإسرائيليين الذين يعدّون بقليل من المئات.

إيران، تلك القوة العمياء التي دفعت حماس نحو حتفها على يد توحّش الانتقام الإسرائيلي، هي نفسها القوة المبصرة التي تتعاون مع "العدو" حين الحاجة، ولا تجد غضاضة في ذلك.

ولنثبت نظرية المؤامرة هذه، سنعود قليلاً إلى صفحات التاريخ، ففي العام 1986 كشفت صحيفة لبنانية عن معلومات تتعلّق بصفقة عقدتها إيران الخمينية في العام 1981 مع الدولة التي تدعوها بالشيطان الأكبر (الولايات المتحدة الأميركية)، هذه الصفقة تتضمن إمداد إيران بأسلحة أميركية نوعية ومتطوّرة في أثناء حرب طهران مع العراق، مقابل إطلاق سراح خمس رهائن أميركيين كانوا معتقلين في لبنان.

أراد الرئيس الأميركي حينئذ، رونالد ريغان، أن يستخدم عوائد الصفقة لتمويل حركة "الكونترا" المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراغوا، ومن هنا جاءت تسمية الصفقة إيران–كونترا، حيث تعاون العدوّان المزمنان على تبادل المصالح السياسية المرحلية.. الوسيط في هذه الصفقة هو أكثر غرابة وتناقضاً من الصفقة نفسها.. الوسيط في هذه الصفقة ومصدر السلاح كان إسرائيل!

قضت الصفقة ببيع إيران ما يقارب ثلاثة آلاف صاروخ مضادة للدروع من طراز تاو وصواريخ هوك أرض-جو مضادة للطائرات.

سبّب افتضاح أمر هذه الصفقة هزّة سياسية من العيار الثقيل للرئيس الأميركي ريغان، ووضع إدارته على المحك نتيجة تزويد الولايات المتحدة دولة عدوّة بالأسلحة الأميركية المتطورة والنوعية بما يخالف ثوابت الأمن القومي الأميركي..

عقد الصفقة مباشرة في ذلك الوقت جورج بوش الأب، الذي كان نائباً للرئيس ريغان، وذلك في اجتماع حضره رئيس الوزراء الإيراني، أبو الحسن بني صدر، وممثّل عن جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية (موساد)، أري بن مناشيا. وتمّ الاتفاق على إقامة جسر جوي بين إيران وإسرائيل من أجل نقل هذه الأسلحة.

سبّب افتضاح أمر هذه الصفقة هزّة سياسية من العيار الثقيل للرئيس الأميركي ريغان، ووضع إدارته على المحك نتيجة تزويد الولايات المتحدة دولة عدوّة بالأسلحة الأميركية المتطورة والنوعية بما يخالف ثوابت الأمن القومي الأميركي والسياسات العامة ومبادئ الدستور مجتمعة.

أما الطرف الآخر من الصفقة المتمثل في طاقم الملالي الذين يديرون دفة الدولة الدينية في إيران، فقد انكشف موقفهم المتأرجح من الغرب، وطفا إلى العلن استعدادهم غير المشروط للتعاون مع دولة إسرائيل التي يدّعون نيتهم في "إزالتها من على خريطة العالم"، حين تقتضي مصالحهم القومية والأيديولوجية هذه الدرجة من التعاون.

أداء مكيافيلي كهذا حيث الهدف يبرّر وسيلة بلوغه، وكذا تفاقم طموحات إيران في السيطرة على المنطقة والتحوّل إلى قوة ضاربة وحيدة في الشرق الأوسط من خلال تحالفاتها مع دول مارقة، أو بإضرامها نار الاعتداءات المتنقلة في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، والتي تشارك فيها -بصورة أو بأخرى- بواسطة أذرعها العسكرية، وكذا من خلال السير قدماً في مشروعها النووي ذي المرامي التسلطية الاستعمارية المهددة لدول الجوار، هذه الحيثيات مجتمعة تضعها في موقع الاتهام المباشر بالكارثة التي وقعت على أهل غزة اليوم.

ومن هنا، وفي إسقاط ذاك التاريخ القريب الذي سردته على الحدث الراهن، أعتبرُ أن هجمة إيران الخلّبية الأخيرة التي شنتها على إسرائيل بطائرات مسيرة تم إسقاط 99% منها قبل بلوغها هدفها، بمنزلة ضوء أخضر لرئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، ليشن حرباً شاملة على أذرعها المنتشرة في المنطقة وفي مقدمتها حماس في غزة، ليمتد بحربه نحو جبهات الشمال في سوريا ولبنان وربما لاحقاً  نحو اليمن والعراق.

وقد غدت تلك الميليشيات عبئاً على طهران التي تريد دخول مرحلة سياسية جديدة تتخفف فيها من أوزار العقوبات الأميركية، نراها تدفع بها نحو الانتحار لتضع نهاية لها بيد غيرها، وتقدمها قرباناً لإحياء اقتصادها المتهاوي..

فصل المقال يكمن في نوايا إيران الباطنة وقد وصلت إلى مرحلة من التغوّل تمكّنها من التخلّي عن الميليشيات العابرة للحدود التي صنعتها وموّلتها، إثر تنفيذ الأخيرة مهماتها كاملة في احتلال أربع عواصم عربية.

اليوم، وقد غدت تلك الميليشيات عبئاً على طهران التي تريد دخول مرحلة سياسية جديدة تتخفف فيها من أوزار العقوبات الأميركية، نراها تدفع بها نحو الانتحار لتضع نهاية لها بيد غيرها، وتقدمها قرباناً لإحياء اقتصادها المتهاوي، وذلك استباقاً لاحتمال وصول الرئيس الأسبق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد، إذ تدرك تماماً مواقفه المتشددة والقطعية من حروبها وبرامجها العسكرية الخبيثة والعابرة للحدود.

يبقى السؤال في هذا المقام: هل لدى عقلاء حماس الجرأة على كشف الغطاء عن العلاقة الملتبسة بين حليفها في طهران وعدوها في تل أبيب،  قبل أن يسبق السيف العذل في رفح؟