رسالة مفتوحة إلى "ماتياس تسفاي" وزير الهجرة والاندماج الدنماركي

2021.05.05 | 05:53 دمشق

tysfay.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ سنوات أصبح اللاجئون السوريون شغل الحكومة الدنماركية الشاغل، من يتابع ما يجري في الشارع الدنماركي وفي البرلمان والحكومة، وفي صراعات الأحزاب يظن أن عدد اللاجئين السوريين في الدنمارك يشكل ربع سكان الدنمارك، وأن السوريين يغيّرون التركيبة الديموغرافية فيه، لكن، وللعلم فقط، فإن عدد اللاجئين السوريين في الدنمارك أصبح أقل من ثلاثين ألف، والنسبة الكبيرة منهم أصبحت مُنتجة، وتعمل، وتدفع الضرائب، وتتعلم.

يوم الخميس 29/4/2021م، قدمت الحكومة الدنماركية مشروع قانون جديد للبرلمان الدنماركي، يُجيز للحكومة نقل اللاجئين غير المقبولين في الدنمارك، والذين تتعذر إعادتهم إلى بلادهم، إلى بلد ثالث.

ترافق هذا المشروع مع الإعلان عن توقيع اتفاق بين الدنمارك و"رواندا"، ومثل الحكومة الدنماركية، وزير الهجرة والاندماج "ماتياس تسفاي"، وعن "رواندا" وقع وزير التنمية "فليمنغ فولر موتنسن"، ويتضمن الاتفاق استعداد "رواندا" لتكون هي الدولة المستضيفة، وهناك بعض التفاصيل المُعلنة من هذا الاتفاق، والتي تتحدث عن معسكر يتسع لثلاثين ألف لاجئ، سيتم إنشاؤه في رواندا لاستقبال هؤلاء اللاجئين.

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حذرت بعبارات قوية من هذه الخطوة، لكن يبدو أن الحكومة الدنماركية مصمّمة على تنفيذ سياسة عنصرية واضحة، غير عابئة بتفاعلات هذه السياسة على المجتمع الدنماركي، والانقسام الذي بدأ يزداد حدة داخله، وغير عابئة أيضاً بردود الفعل الدولية على هذا الفعل المُدان إنسانياً، وقانونياً، وأخلاقياً.

أحد أهم الوجوه الدنماركية التي تقود الهجمة العنصرية ضد اللاجئين في الدنمارك عموماً، والسوريين منهم خصوصاً، هو وزير الهجرة والاندماج ذي الأصول الإثيوبية "ماتياس تسفاي"، والذي يقتفي بدقة عالية خطا وزيرة الهجرة السابقة "انغر ستوبيرغ"،  والتي وجهت يوم الجمعة 30/4/2021م، رسالة مفتوحة إلى السوريين تفوح منها رائحة عنصرية كريهة، وتطلب منهم الاستعداد للعودة إلى بلادهم التي أصبحت آمنة، وأنه من الواجب عليهم بعد أن حمتهم حكومة الدنمارك، وأطعمتهم، وعلمتهم، أن يتوجهوا بالشكر للشعب الدنماركي الذي احتضنهم خلال سنوات تشردهم.

وبصفتي من اللاجئين السوريين، فإنّه يتوجب عليّ وعلى كل السوريين، من باب اللياقة والأدب، ورد التحية، أن نردّ على رسالتها المفتوحة، لكنني رأيت أن أتوجه إليها عبر السيد " تسفاي" كونه تلميذها النجيب في العنصرية، وهو الآن المنفذ لسياستها، بعد أن صوّت البرلمان الدنماركي على عزلها بسبب قضية فصل الأزواج اللاجئين.

السيد معالي وزير الهجرة والاندماج "ماتياس تسفاي":

لابدّ لي في البداية من الاعتراف، أنها كانت من الصدف السعيدة في حياتي أنني عبرت الدنمارك، ومررت فوق ذلك الجسر الساحر الذي يربط الدنمارك بالسويد، وحدها الأقدار شاءت أن أكون لاجئاً في بلد اسمه "السويد".

هل تعرف سيد تسفاي أين تقع السويد؟ إنها قريبة جداً جغرافيا من الدنمارك، وبصفتك وزيراً في حكومة الدانمارك، فأنت بالتأكيد تعرف موقعها الجغرافي.

إن كنت قد تساءلتَ الآن عن علاقتي إذاً بما يجري في الدنمارك، فإنني أجيبك بصفتي لاجئاً سوريا سابقاً، وبصفتي مواطنا سويدياً الآن، بأنني أجد نفسي معنياً بقوة بما يجري لأشقائي السوريين في بلدكم لسببين: أولهما لأنني سوري، وكنت لاجئاً مثلهم، وثانيهما لأنني إنسان، وأول حرف في الإنسانية علمني إياه وطني الأول سوريا، ثم وطني الثاني السويد، أن أعمق حقيقة لمعنى الإنسانية تكمن في احتقار العنصرية، وفي الانتصار للمظلومين أينما كانوا.

بالتأكيد، نحن - وأقصد كل السوريين- مدينون بالشكر الجزيل لشعب الدنمارك، ولكل من وقف معنا في مأساتنا التي صنفتها كل المحافل الدولية على أنها المأساة الأفدح بعد الحرب العالمية الثانية، لذا أتمنى أن تُريح نفسك، أنت ومعك مثلك الأعلى في العنصرية السيدة "ستوبيرغ"، من عناء تذكيرنا بواجبنا حيال الشعب الدنماركي، فنحن شعب نعرف جيداً كيف نؤدّي واجباتنا، خصوصاً لمن وقفوا إلى جانبنا.

السيد تسفاي:

 بما أنّك متيّقن أن سوريا أصبحت آمنة كما تدّعي، فهل بإمكانك - وأنت على ما يبدو على علاقة طيبة بالنظام الفاشي السوري- أن تجيبني على هذه الأسئلة:

1- هل تستطيع أنت وحكومتك أن تقنعوا النظام السوري بالسماح لمنظمة العفو الدولية، أو أي منظمة مستقلة ومحايدة تهتم بحقوق الإنسان، بزيارة السجون السورية، ولو لمرة واحدة فقط؟

2- هل تستطيع أنت وحكومتك أن تقنع صديقك "النظام الفاشي السوري"، بالسماح للجان حقوقية محايدة بالكشف عن عشرات المقابر الجماعية الموثّقة لدى الأمم المتحدة؟

3- هل تستطيع أنت وحكومتك أن تضمنوا وعلى مسؤوليتكم، سلامة أي فرد تقرّرون إعادته إلى سوريا؟

4- هل تعلم - سيد تسفاي- أن دخل المواطن السوري في سوريا اليوم هو أقل من نصف دولار في اليوم، وأن صديقك الطاغية الذي ورث حكم سوريا عن أبيه منذ واحد وعشرين عاماً، يملك عشرات مليارات الدولارات في البنوك الخارجية، وهي أموال منهوبة من الشعب السوري؟

5- هل تعلم يا معالي الوزير أن بيوت المواطنين السوريين يصلها التيار الكهربائي أربع ساعات فقط في اليوم، وتغيب عنه باقي الساعات.

6- هل يُمكنك أن تفسر لي، وأنت الذي غيرت الحقائق وزوّرتها كي تمرّر نظريتك حول سوريا الآمنة، ، لماذا يمتنع ما يقرب من ثلاثة ملايين سوري يعيشون في مخيمات جماعية داخل سوريا، على الحدود التركية، أو الأردنية، وبعضهم يستطيع رؤية منزله من أمام خيمته البائسة، عن العودة لمنازلهم؟

 7- بصفتك وزيراً للهجرة والاندماج، هل يُمكنك أن تخبر الشعب الدنماركي، عن عدد المرات التي قصف بها النظامُ الفاشي السوري الشعبَ السوري بالأسلحة الكيميائية؟

8- هل تعلم - وأنت الذي يتفاصح كل يوم على وسائل الإعلام- أن سوريا تحتل المركز الأول في العالم في انتشار الفساد، والثاني في العالم في انتهاك حقوق الإنسان، وأن دمشق هي العاصمة الأولى في العالم في ترتيب العواصم غير الآمنة؟

9- هل تستطيع جهة ما في هذا العالم إعطاءك رقما ولو تقريبيا عن عدد السوريين في سجون صديقك الطاغية بشار الأسد، وعن عدد من عُذّبوا حتى الموت في تلك السجون؟

10- هل قرأت يوماً عن تاريخ الشعب السوري، الشعب الذي احتضن أكبر عدد من موجات اللجوء والنزوح في تاريخ البشرية، وهل تعلم أن أجمل أحياء دمشق اسمه "حي المهاجرين" وبناه المهاجرون؟

إن كنت تعلم هذه الحقائق عن سوريا ووضعها الراهن، فأنت تكذب إذا على الشعب الدنماركي عندما تخبره أن سوريا آمنة، وإن كنت لا تعلمها فإنّه من غير اللائق لبلد مثل الدنمارك، أن يكون مثلك وزيراً للهجرة والاندماج فيه.

ما تقوم به هو ليس انتهاكاً فظاً لاتفاقيات وعهود دولية وقعت عليها الدنمارك، بصفتها عضواً في عصبة الأمم المتحدة، وبصفتها عضواً في الاتحاد الأوروبي، إنه أساساً وقبل كل شيء إساءة للدنمارك ولتاريخها ولشعبها.

ما تقوم به يجعلك جديراً بأن تكون وزيرا للعنصرية والتهجير، وليس وزيراً للهجرة. والاندماج.

كن على ثقة سيد "تسفاي"، لو أن سوريا آمنة فعلاً لفضّل السوريون العيش داخل خيمة فيها، على رؤيتك، أو رؤية ملهمتك "ستوبيرغ".