خوارق العَظَمة ومصير الطغاة

2020.06.09 | 00:00 دمشق

53636199_101.jpg
+A
حجم الخط
-A

وصاية الدول العظمى على الشعوب المقهورة، ومحاولاتها المستمرة لاستنزاف خيراتها، العلاقات الدبلوماسية التي لم تتوقف يوماً عن جعلها بمثابة بئر نفط ضخم يحتاج إلى من يستحوذ عليه، المفاوضات التي تجري تطبيقاتها على أرضنا، أفعال الأخذ والرد، طائرات الاستطلاع، وفرق الاستطلاع المنتشرة فوق تراب الوطن، القذائف التي تُوصّف بالطائشة فيما تكون بمنتهى الدقة في التسديد، الاغتيالات التي تُقيّد باسم مجهول، التفجيرات التي لا يُعلن عن مصدرها، الضحايا التي تزداد كل يوم، نسب السكان التي تتراجع ما بين مفقود ومهاجر ومقتول، كلها تتقاطع وتتشابك سلباً وإيجاباً مع مصالح تلك الدول، مما يحول الكوكب إلى مكانٍ مرعب للعيش، عبارة عن سجن كبير، معتقل يُتاجر فيه بالشعوب كما كان يُتاجر يوماً بالعبيد، ومن خيرات أرضهم تُصنّع الأسلحة التي تُعاد إليهم فتقتلهم، أو تسلّم إليهم ليقاتلوا ويقتلوا ما شاءت الاتفاقية أن يقتلوا، وتبقى الزعزعة سيدة الموقف، والسلام شعاراً باهتاً، ومطلباً بعيد المنال.

كتب ترامب مؤخراً على فيس بوك: MAKE AMERICA GREAT AGAIN!

وإذا ما تساءلنا عن مفهوم العظمة الذي يقصده رئيس الولايات المتحدة الأميركية في منشوره المتكرر، يمكن أن نضع جملة من المفردات المترابطة والمتجانسة، منها السّلطة ومنها السيادة، المال والنفوذ، ويحاول الزعماء عادة التأكيد على القيم الأخلاقية والإنسانية، وإن لم تكون سياساتهم مطابقة أو مطبقة لها، بل غالباً ما تخترقها بشكل فادح وتبرر لذلك بشعارات مبتكرة أو مكررة حسبما تستلزم الحالة والموقف.

ويتفاوت مفهوم العظمة من شعب لآخر، ومن دولة لأخرى، ومن حاكم لآخر، فالقيم العليا تختلف أيضاً، وإن كانت هناك مفاهيم عالمية تلتقي على الشعارات العامة، وتختلف في التنفيذ، ففي عالم السياسة درج مفهوم الدول العظمى، ليوصّف الدول الرائدة اقتصادياً وعسكرياً، أو الدول صاحبة النفوذ والهيمنة والتي لها دور وحضور ورأي لا يمكن تجاهله على مستوى العالم، الدول العظمى تتغير وتتبدل حسب تقدمها في الجوانب الأساسية للسيادة والنفوذ، وتتراجع أيضاً في حال لم تستطع تحقيقها، أو سبقتها دول أخرى لذلك، كما نلاحظ على سبيل المثال جهود الصين على المحاور المختلفة، التي باتت تفرض نفسها بجدارة في الدبلوماسية العالمية.

ومما يخرج عن حسابات الحكومات والشعوب عادة هو ما يطرأ من أمور لم تكن متوقعة، ولم تُدرج في معامل ومخابر البحوث العلمية، ولم تلتقطها الأقمار الصناعية، ولم يتنبأ بها المحللون السياسيون، أو ربما كانت لها مؤشرات لم يُلتفت إليها، فعلى سبيل المثال نجد فيروس كوفيد-19 وما أحدث انتشاره من هزة على مستوى العالم، فأحدث تغيرات كثيرة سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية ونفسية لم تكن بالحسبان، وهناك ما يحدث بشكل مفاجئ أيضاً لا علاقة له بالكوارث الطبيعية، لكنه يترك هزّات عنيفة، ويترك أثراً قد يزعزع دولاً وينزع حكاماً من الحكم، تماماً كما شهدنا خزان البترول الذي لوّث البيئة في روسيا بفعل حادث سيارة، وتسبب في خسائر هائلة مادية وبيئية تحتاج عقوداً لإعادتها كما كانت.

أيضاً ما حدث ويحدث في أميركا من احتجاجات محقة على العنصرية هو عامل توتر كبير، والغضب الشعبي العارم لم تفلح معه كل رسائل التهدئة، فالصدمة التي تلقاها الناس بسبب ما حدث من سلوك عنصري، بعد عقود من العمل الشاق على منع العنصرية بأي شكل من الأشكال، أدى إلى انفجار كبير يصعب إصلاحه، ولعلنا لا نبتعد كثيراً ونحن نراقب الساحة السورية، تحديداً في السويداء، حيث يحتج الشعب بغضب شديد على حالة الواقع الاقتصادي المتردي الذي أوصل إليه الأسد بغطرسته وغبائه ومكابرته، الأمر الذي قد يفاقم حالة الغضب، ولربما ينشره في مدن ومحافظات أخرى، فالجوع والذل أمر يستحيل تقبله، ومن يدري فلعل شرارة الثورة التي ظن الأكثرية أنها خبت وانطفأت، تعود فتضخ الروح بالجماهير الساخطة على حكم طال جوره وطغيانه، فتحين ساعة اقتلاعه من جذوره إلى الأبد، هذا ما يأمله كل حر، وهذا ما تقود إليه سياسات الأسد أمر محتوم، وطريق أوصل نفسه إليه بنفسه، ولعله توقع أن السلطة عادت له، وسوريا أعيدت راغمة إلى حظيرة الأسد، غير أن كل ما يحدث يخالف تلك النظرية، لا حكام إلى الأبد، لا عظمة مع ظُلم وعدوان، لا سيادة مع قهر واستعباد، والله غالب.