جولات بلينكن المكوكية.. إلى أين؟

2024.01.14 | 05:50 دمشق

جولات بلينكن المكوكية.. إلى أين؟
+A
حجم الخط
-A

يقوم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بجولتيه الرابعة إثر أحداث السابع من أكتوبر الفائت، إلى الدول الحليفة في الشرق الأوسط بما يشمل دولاً عربية مفتاحية في المنطقة كالمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، ساعياً لإيجاد الاقتراحات والخطط مع الشركاء للوصول إلى نهاية للحرب الشعواء على غزة، ومنع إسرائيل من دفع الفلسطينيين للهجرة القسرية خارج أرضهم، بل تيسير حقهم بالعودة إلى بيوتهم التي غادروها بسبب الغارات الكثيفة على المناطق المدنية المأهولة والغاصة بالسكان المدنيين وبالمرافق الحيوية، كما يؤكد بلينكن خلال جولاته المكوكية، وقد دان بلغة واضحة ولهجة فيها كثير من الامتعاض قبيل مغادرته واشنطن، تصريحات بعض الوزراء الإسرائيليين الذين دعوا إلى إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى.

تصريحات مجلس الحرب في إسرائيل تقول شيئاً مغايراً تماماً للإرادة العربية والدولية التي تريد فرض وقف إطلاق نار فوري ودونما تأخير

مقولات بلينكن الأخيرة تزامنت مع تقارير مقلقة للغاية للإدارة الأميركية، أفادت بأن عشرات الأشخاص قتلوا في مخيم للاجئين في شمالي غزة خلال يوم واحد هذا الأسبوع، وظهرت على الشاشات التلفزيونية في العالم لقطات من مخيم جباليا تصوّر جثثا ملقاة على أنقاض مبنى مدمر معظمها لمدنيين عزل من النساء والأطفال. بالطبع، وكعادتها، تجاهلت إسرائيل هذه التقارير وأمعنت في قصف الأحياء المدنية في حضور ومشهد من الوزير الأميركي الذي وصل إلى تل أبيب بعد محطته قبل الأخيرة في ‏المملكة العربية السعودية ساعياً مع حلفاء واشنطن لإنهاء هذه الحرب في أقرب وقت.

إلا أن تصريحات مجلس الحرب في إسرائيل تقول شيئاً مغايراً تماماً للإرادة العربية والدولية التي تريد فرض وقف إطلاق نار فوري ودونما تأخير، ويعلن رئيس وزرائها ووزير دفاعها على الملأ "إن الحرب من المتوقع أن تستمر طوال العام 2024"! بينما دعا وزير المالية اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، الفلسطينيين إلى مغادرة غزة وإفساح المجال للإسرائيليين الذين يمكنهم "جعل الصحراء تزدهر" وفقاً لادعائه، كما أصدر وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير دعوة "لتشجيع هجرة سكان غزة" "كحل" للأزمة.

الخط الرسمي من الحكومة الإسرائيلية هو أن سكان غزة سيتمكنون في نهاية المطاف من العودة إلى ديارهم، على الرغم من أنه لم يحدد بعد كيف أو متى سيكون ذلك ممكناً. ويبدو أن إسرائيل ستصم آذانها هذه ‏المرة أيضا عن نصائح واشنطن لمحاولة إنهاء الحرب مع نهاية هذا الشهر الجاري وهو الشهر الأول من السنة الجديدة، وعدم المساس بأمن المدنيين واستهدافهم في العمليات العسكرية، والسماح للمساعدات الإنسانية بالدخول إلى غزة دونما تعطيل على الإطلاق، بينما يتدهور الوضع الصحي في القطاع المنكوب بعد أن أعلنت ثلاث مجموعات إغاثة طبية دولية أنها ستنسحب من مستشفى الأقصى في وسط غزة بعد أن أصدرت إسرائيل أوامر إجلاء جديدة في المشافي.

أما على الجبهة الشمالية مع لبنان فإن الأمور ‏ماضية في الالتهاب السريع ولا سيما بعد عملية الاغتيال التي نُفّذت في ضاحية العاصمة اللبنانية بيروت، وقتل فيها الرجل الثالث في حماس صالح العاروري، وهي عملية نوعية لم تعترف بها إسرائيل علنا لكن كل بصماتها موجودة عليها بلا جدل. مقتل العاروري وبهذه الطريقة ليس خسارة لحماس وحسب، بل لحزب الله أيضاً لأنه استهدف في عقر داره وفي مربعه الأمني في الضاحية الجنوبية لبيروت.

هذه العملية صعدت من مخاوف واشنطن أن الحرب في غزة قد تنتشر نحو جبهات جديدة، الأمر الذي يقلق ‏إدارة الرئيس بايدن بشدة، ويجعل مهمة وزير خارجيته الحالية في المنطقة قريبة إلى حد التعقيد أو الاستحالة مع حكومة الحرب في إسرائيل التي تريد - بعكس التوجه الأميركي - توسيع الحرب ولا سيما في جبهة الشمال مع مقاتلي حزب الله.

في هذه الأثناء نشرت صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن تقرير سري صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأميركية، أن جيش الدفاع الإسرائيلي مثقل للغاية في القتال، وأن القوات الجوية الإسرائيلية منشغلة بكامل قدراتها في الغارات المستمرة على ‫غزة، ‏جاء التقرير ليشير إلى أنه من المرجح أن لا تربح إسرائيل حربا ضد جماعة حزب الله اللبنانية إذا قررت فتح جبهة جديدة على حدودها الشمالية. ‏هذا وكانت وزارة الدفاع الإسرائيلية قد حذرت من أن طياري جيش الدفاع سيواجهون مهام أكثر خطورة ضد الدفاعات الجوية القوية لحزب الله.

‏فصل المقال يكمن في نتائج اجتماع الوزير بلينكن مع حكومة الحرب في تل أبيب، وقدرته على دفعها إلى إنهاء حربها على غزة في نهاية شهر كانون الثاني الجاري، أو على الأقل تغير الاستراتيجيات في هذه الحرب وتجنب استهداف المدنيين بشكل مطلق.

إلى أي مدى تستطيع إسرائيل أن تعاند العالم الذي يشهد كل يوم مشاهد المأساة المتلاحقة في غزة، والتي ضحيتها الأبرياء وأكثرهم من النساء والأطفال

‏مهمة الوزير الأميركي في إقناع جنرالات الحرب في تل أبيب بوقف العمليات القتالية وتحقيق انتقال سريع لمرحلة ما بعد الحرب على غزة، قد تكون مستحيلة بالنسبة للطرف الإسرائيلي، وتناقض تماما القرار المبرم في الجيش وفي المؤسسات المخابراتية الإسرائيلية، بحتمية الاستمرار في القتال. فإلى أي مدى تستطيع إسرائيل أن تعاند العالم الذي يشهد كل يوم مشاهد المأساة المتلاحقة في غزة، والتي ضحيتها الأبرياء وأكثرهم من النساء والأطفال.

‏احتمال فشل الوزير بلينكن في الرحلة الأخيرة قد يؤثر بشكل سلبي ومباشر على سير الانتخابات في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يواجه الرئيس بايدن وحزبه الديمقراطي في البيت الأبيض انتقادات جديدة وواسعة حتى من ضمن دائرة موظفيه والعاملين معه، وكذا من الشارع الأميركي، الذي بدأ يرفض سياسات بايدن في التعاطي مع هذه الحرب، ويصر على ضرورة عودة الرهائن الأميركيين إلى بلادهم، ويحث حكومته على السعي إلى وقف إطلاق النار الكامل في غزة، ودون ذلك ستكون ‏الكلمة الفصل للشعب الأميركي في انتخابات الرئاسة للعام 2024 ولن يكون الديموقراطيون من الناجين من عواقبها.