تركيا من القوقاز إلى الشرق الأوسط.. التقاطع مع واشنطن مجدداً

2020.12.16 | 23:11 دمشق

20201210_2_45794962_60513419.jpg
+A
حجم الخط
-A

تطورات عديدة شهدتها الأيام الماضية على وقع التحول الجيوستراتيجي الذي تعيشه المنطقة من الشرق الأوسط إلى القوقاز. توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قرار فرض عقوبات تطول تركيا بسبب شراء منظومة أسلحة إس 400 الروسية. خلاف بين تركيا وإيران واستدعاء للسفراء بين البلدين على خلفية زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أذربيجان وإطلاقه مواقف ذات بعد ودلالات عميقة وتاريخية وتؤشر إلى الرؤية الأردوغانية المستقبلية خاصة حول منطقة القوقاز.

المساعي المستمرة للمصالحة بين تركيا والمملكة العربية السعودية على وقع مساعي المصالحة بين قطر والسعودية، والتي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ومن أوائل بنودها فتح المجال الجوي السعودي أمام الطائرات القطرية وفتح الأسواق والحدود، ما سيحرم إيران مبالغ مالية تفوق النصف مليار دولار. والتطور الرابع هو ثابت في الأساس وفق رؤية المبعوث الدولي إلى سوريا جيمس جيفري وللإدارة الأميركية الحالية، حول ضرورة تحجيم نفوذ إيران في سوريا ومنعها من الانتشار واتخاذ قواعد عسكرية تهدد أمن إسرائيل.

 إضافة إلى التطورات الأربعة، لا بد من تسجيل ملاحظة تتعلق بتعيين سفير تركي جديد في إسرائيل، وهو شخص يتقن اللغة العبرية وتلقى علومه في جامعة القدس وأيضاً للخطوة دلالات عديدة، أساسها يرتبط في محاولات لتحسين العلاقة التركية الإسرائيلية، لا سيما أن أردوغان يراهن على سقوط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وقع الاحتجاجات والانقسام السياسي الذي يعيشه حزب الليكود، وبالتالي سقوط نتنياهو سيكون فاتحة جديدة لتجديد العلاقات التركية الإسرائيلية.

أردوغان الخبير باللعب على التناقضات، ذهب بعمق إلى خلاف مع طهران، وذلك بعد زيارته إلى العاصمة الأذربيجانية باكو

تشكل تركيا عنصراً مشتركاً ومرتبطاً عضوياً بكل هذه التطورات. أولاً ليست المرة الأولى التي تتعرض لتهديدات أميركية بفرض عقوبات بسبب اتفاقيات التسلح مع روسيا، لكن هذه المرّة أخذت التهديدات طابعاً عملياتياً من خلال توقيع دونالد ترامب عليها، وذلك لا يمكن فصله عن الضغوط التي تمارس على أنقرة أيضاً من قبل الاتحاد الأوروبي على خلفية الصراع الدائر حول التنقيب عن النفط في البحر الأبيض المتوسط.

 في موازاة الضغط الأميركي على تركيا، تستمر الضغوط الأميركية على إيران، لتأتي مساعي واشنطن في سبيل إنجاح المصالحة الخليجية، وتحسين العلاقات التركية السعودية وتصب في خانة واحدة وهي ممارسة مزيد من الضغط على إيران وتطويقها.

أردوغان الخبير باللعب على التناقضات، ذهب بعمق إلى خلاف مع طهران، وذلك بعد زيارته إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، مذكراً بالعلاقة العضوية التاريخية بين منطقة القوقاز والسلطنة العثمانية، أي العلاقة بين الأتراك والشعوب في منطقة شمالي نهر "آراس" تلك المناطق أو الدول التي انسلخت عن إيران بعد معاهدتي كلستان وتركمنتشاي. وقد أعاد أردوغان التذكير بأغنية قومية تقول "لقد فصلوا آراس وزرعوه بقضبان الحديد والحجارة/ أنا لا أنفصل عنك/ لقد فصلونا بالقوة".

 فهمت رسالة الرئيس التركي بأنها دغدغة لشعوب تلك المنطقة والتي ترتبط وجدانياً وثقافياً بالأتراك أو العثمانيين، أما سياسياً وبالنظر إلى ما يفعله أردوغان في الشرق الأوسط وتحديداً في ليبيا وسوريا، فيمكن لأي كان أن يقرأ ما يقوم به بأن ثمة أحلام سلطوية تستفيق باتجاه القوقاز، وقد تطول التركمان الإيرانيين أو الآذاريين، وهذا أكثر ما استفز طهران، التي هبّت لاستدعاء السفير التركي احتجاجاً فردّت أنقرة بالمثل. وتلك المخاوف الإيرانية مبررة بعد الانتصار الاستراتيجي الذي حققته تركيا في ناغورني قره باغ، إذ تعتبر طهران أن المدّ التركي قد وصل إلى الحدود الشمالية، وإلى العمق والمدى الاستراتيجي في القوقاز وعلى طريق الوصل مع روسيا والصين. ولا يمكن إغفال المخاوف الإيرانية من أي أثر معنوي للآذريين في الداخل الإيراني، خاصة بعد شعور الانتصار في أذربيجان، وعلى وقع ما تعتبره طهران تحفيزا تركيا للأذريين بهدف الانفصال، وهذا يفتح الباب على تاريخ مديد من الصراع التاريخي يذكر بصراع العثمانيين والصفويين.

 وللخلاف الإيراني التركي، الذي بدأت مساعٍ كثيرة لتبديده والعمل على معالجته، من شأنه أن يحسن العلاقة التركية مع كل من السعودية، أميركا وإسرائيل، لا سيما عند نقطة الالتقاء على محاصرة طهران وإضعافها. لا أحد غير تركيا قادر على إزعاج الإيرانيين في مناطق مدّهم التوسعي، في سوريا، أو العراق، أو في القوقاز وحتى في محيط إيران بناء على العلاقة مع باكستان وأفغانستان. وبحال اتخذت العلاقة التركية السعودية الإسرائيلية الأميركية بعداً متقدماً أكثر، ستكون إيران في حصار أكبر في المنطقة الغربية أي في سوريا، ولبنان.

 هذا المسعى يتطابق تماماً مع رؤية المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري الذي جدد التأكيد، بوجوب خروج القوات الإيرانية من سوريا، ونصح فريق الرئيس المنتخب جو بايدن بالاستمرار بسياسة دونالد ترمب في سوريا، لأنها ناجحة، ولم تقم بأي من أخطاء إدارة باراك أوباما، واستخدمنا جميع عناصر القوة التي في حوزتنا بما فيها القوة العسكرية». وقال: «لم نجلس ونحن نرى (خطوطنا الحمراء) يتم تجاوزها أمام أعيننا ولا نرد، عندما استخدم النظام السلاح الكيماوي» في نهاية 2013. وقال جيفري، إن قوات أميركية تنتشر شرق الفرات وتدعم «قوات سوريا الديمقراطية» لهزيمة «داعش»، مضيفاً: «عبر وجودنا في الأرض والجو، نريد أن نحرم الأسد وروسيا وإيران من السيطرة على الأراضي هناك وفي التنف». وأشار إلى أنه «متأكد من أن النظام لن يعود إلى إدلب».

سيكون المسار طويلاً، سواء أنتجت الإدارة الأميركية طريق التفاوض مع إيران أم استمرت بالتصعيد، ثمة عوامل تتكامل وتتقاطع في سبيل تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، بينما أردوغان سيستفيد من كل تلك العناصر، للتعبير أكثر عن معالم طموحه، وصولاً إلى الأقلية الإيغورية في الصين، وهنا الموقف الأميركي سيكون مسانداً له لأبعاد جيوستراتيجية أيضاً، إلا أن القاسم المشترك بين كل هذه العوامل والتطورات، أنها تحيي نزعات قومية سواء في القوقاز أو طائفية ومذهبية وعرقية أو إثنية في الشرق الأوسط.