الابتهاج بـ"العدوان الثلاثي" على سورية الأسد

2018.04.16 | 13:00 دمشق

+A
حجم الخط
-A

يبدو أن الجميع قد ابتهجوا بالضربة الصاروخية الأميركية – الفرنسية – البريطانية على بعض مواقع النظام الكيماوي، باستثناء فلاديمير بوتين وبعض التيارات الهامشية يساراً ويميناً متطرفين عبر العالم. فقد كانت الضربة "إهانة لبوتين" على ما قالت الناطقة باسم الخارجية الروسية زاخاروفا (لا نعرف، حالياً، أي مصير ينتظرها بعد هذه السقطة الفظيعة، فبوتين لا ينسى ولا يسامح).

السوريون المعارضون للنظام الكيماوي أصيبوا، بالأحرى، بخيبة أمل من محدودية الضربة وأهدافها التي لا علاقة لها، من قريب أو بعيد،

وبصرف النظر عن "هزالة" الضربة، بالقياس إلى التوقعات السابقة على وقوعها، فقد حققت الدول الثلاث نجاحاً سياسياً يفوق بكثير معناها العسكري

بمأساتهم المديدة، ونتائجها الهزيلة بالمعنى العسكري. فالمواقع التي تم استهدافها سبق للنظام أن أفرغها من كل ما له قيمة عسكرية، فاقتصرت الأضرار على المباني. ومن حيث الأهداف المعلنة، أرادت الدول الثلاث المدعومة بتأييد معظم الدول الغربية، بما في ذلك حتى تركيا، أن توجه رسالة قوية لروسيا بشأن السلاح الكيماوي حصراً الذي لا يسمح بتحويله إلى سلاح عادي كما يريد فلاديمير بوتين.

وبصرف النظر عن "هزالة" الضربة، بالقياس إلى التوقعات السابقة على وقوعها، فقد حققت الدول الثلاث نجاحاً سياسياً يفوق بكثير معناها العسكري. فقد جردت سلاح الفيتو الروسي من فعاليته، إضافة إلى كشف عجز روسيا عن حماية نظام الأسد الكيماوي حين يجد الجد. وبذلك أظهرت أيضاً هشاشة الإمساك الروسي بمصير سوريا، وقدرة التحالف الغربي على تخريب كل ما عمله الروس منذ سقوط حلب في أواخر العام 2016، في مسارات أستانا وسوتشي.

بكلمات أخرى: صحيح أن الدول الثلاث ليست لديها أي خطط خاصة بها بشأن سوريا، وهي مسلمة لروسيا بتقرير مصيرها، لكنها غير راضية عن كيفية التصرف الروسي بهذا التفويض المفتوح، وبخاصة فيما يتعلق بإباحة استخدام السلاح الكيماوي.

أما الابتهاج الكبير فقد أظهره النظام الكيماوي نفسه، حين اكتشف محدودية الضربة والخسائر الطفيفة الناتجة عنها. هي ردة فعل شبيهة بذلك التلميذ الذي كان يتلقى الضرب على يديه بالمسطرة من معلم الصف، ثم يعود إلى مقعده ضاحكاً وهو يخبر زملاءه عن أن "الضرب لم يوجعه"! هذا نوع من إعلان انتصار على المعلم الشرير، شبيه بمسيرات النصر وحلقات الدبكة التي أقامها مؤيدو النظام الكيماوي صبيحة "العدوان الثلاثي الغاشم" الذي جرح بنتيجته ثلاثة أشخاص فقط!

ثلاث دول وأكثر من مئة صاروخ كروز، وخرق للمواثيق الدولية، بفاتورة لم تتجاوز ثلاثة جرحى، مقابل ستين قتيلاً ومئات المصابين في دوما بنتيجة هجوم كيميائي واحد قام به النظام قبل أسبوع! أليس هذا انتصاراً مجلجلاً على "العدوان الثلاثي الغاشم" يستحق الابتهاج والرقص في شوارع المدن السورية، وبشار الكيماوي يذهب إلى "عمله" صباحاً كأن شيئاً لم يكن، على ما نشرت وسائل إعلام النظام لتدعيم الانطباع بأن كل شيء طبيعي، و"الرئيس" نام ليلته ملء جفنيه، وربما لم يسمع بالضربة الثلاثية إلا بعد وصوله الروتيني إلى مكتبه.

في حين أن الحقيقة مناقضة لكل هذه الهمروجة الانتصارية. فقد أكل النظام ومؤيدوه نصيبهم من الرعب، طوال الأسبوع الفاصل بين مجزرة الكيماوي في دوما و"العدوان الثلاثي". لقد تذوق النظام ومؤيدوه، خلال هذا الأسبوع، ذلك الرعب الذي طالما أذاقه للسوريين، طوال السنوات السابقة، وهم ينتظرون قصفاً جوياً هنا وبالصواريخ هناك وبالغازات السامة هنالك، كما في المعتقلات بانتظار جولة تعذيب جديدة أو الإعدام. إن انتهاء أسبوع الرعب هو ما قد يفسر البهجة الحقيقية لدى أنصار النظام الذين "ولدوا من جديد" بعد انقضاء الأمر، وفوق ذلك بثمن زهيد.

روسيا بوتين هي الطرف الوحيد المتضرر والغاضب حقاً، وبوتين مهان شخصياً على ما قالت الناطقة باسم خارجيته. بعض المحللين يحاول التخفيف من هذا الوضع بالقول إن الضربات تجنبت أي موقع روسي في سوريا. في حين أن هذا مدعاة لمزيد من المهانة بحق بوتين،

إن السلاح الكيماوي لن يستخدم في سوريا، ولا في أي مكان آخر، بعد الضربة الثلاثية.

لأن الدول الثلاث لم تعلن قط أنها بصدد توجيه ضربات للوجود العسكري الروسي في سوريا، بل المرجح أنها أخبرت الروس بالمواقع المستهدفة للنظام، ويكفي إذلالاً لروسيا أنها ضربت بالفيتو الروسي في مجلس الأمن عرض الحائط، كما ضربت بكل تحذيرات روسيا، ونفذت تهديداتها غير آبهة بالوجود الروسي كله في سوريا.

وزاد الروسي نفسه من إهانة نفسه حين دعا إلى جلسة جديدة لمجلس الأمن بمشروع قرار لـ "إدانة الضربة العسكرية". فهذا ما يفعله العاجزون. 

يمكن القول، الآن، إن السلاح الكيماوي لن يستخدم في سوريا، ولا في أي مكان آخر، بعد الضربة الثلاثية. قد لا يعني هذا الشيء الكثير بالنسبة للسوريين الذين سيستمر النظام في إبادتهم بكل الأسلحة غير الكيميائية. لكنه يضع حداً للعربدة الروسية، في موضوع تطبيع استخدام هذا السلاح على الأقل.

أما كيف يمكن للضربة الثلاثية أن تنعكس على المسارات السياسية بشأن مصير سوريا، فهذا ما سنراه في الفترة المقبلة، وهو يتوقف على مجموعة معقدة من العوامل، بعضها معلوم وبعضها الآخر لا يمكن التنبؤ به.