أيها القيصر.. ماذا بعد خمسة عشر فيتو؟

2020.05.03 | 00:13 دمشق

thumbs_b_c_b342f43518356c14aa71ae50895feb7a.jpg
+A
حجم الخط
-A

صار بإمكان صندوق الاقتراع أن ينتج قياصرة، وصار يحق للجميع- بعد أن ضمن بوتين لنفسه قيادة روسيا حتى عام 2034- أن يسخر من الديمقراطية، كما سخر منها القيصر ذاته، هذا القيصر الخارج من رحمها الكاذب.

ولأننا أصبحنا- نحن السوريين في الداخل والخارج- رعايا هذه الدولة أو تلك، لا سيما أن "دولتنا" العتيدة لم يعد لديها ما تفعله من أجلنا؛ فتفرغت- في الفترة الأخيرة- لنهب ما تبقى من وطننا المدمر، ولإنتاج المخدرات وتهريبها، وللاستثمار في اللوحات الفنية وشرائها بعشرات ملايين الدولارات، لكنها لم تنس في خضم أعمالها الجديدة، أن تظل قوة قمعها للسوريين على حالها وربما أقوى.

ولأننا بلا حول ولا قوة؛ فإن من تنطحوا للتحدث باسمنا، باعوا أنفسهم، وباعونا أيضاً؛ ليستثمرهم الآخرون بما هو ألعن وأدق رقبة. ولأننا لم نعد نعرف أي مهووس سيقرر مصيرنا، نحن الهنود الحمر في هذا العصر، ولأننا... فهل يمكننا أن نسأل؟ وهل يحق لنا أن نسأل؟

يا أيها القيصر الطاغية... ماذا تريد منا بعد أن رفعت يدك خمس عشرة مرة مستعملاً حق النقض "الفيتو" ضدنا؟ وماذا تريد منا بعد أن استعملتنا مادة تسويقية لأسلحتك، وبعد أن جعلت منا حقل تجارب منتجات الموت والدمار التي تنتجها؟

تتناول وسائل الإعلام في هذه الفترة ما يصدر من جهات روسية رسمية وغير رسمية حول بشار الأسد ومصيره، وأغلب هذه الوسائل تتحدث عن تغير في الموقف الروسي من بشار الأسد واستعدادها للتخلي عنه، وفي معظم هذه الأخبار يجري تناول الأمر كأنه قرار شخصي من بوتين، كما لو أنه يقيل موظفاً عادياً في شركة تابعة له، وتتجاهل هذه الأمنيات عدة اعتبارات مهمة لا يمكن إغفالها عند الحديث عن مصير بشار الأسد والنظام السوري أيضاً:

هل تستطيع روسيا وحدها- ممثلة ببوتين- فعلاً تقرير مصير بشار الأسد؟ وإن كانت تستطيع، فهل من مصلحتها التخلي عنه؟

أول هذه الاعتبارات، هو: هل تستطيع روسيا وحدها- ممثلة ببوتين- فعلاً تقرير مصير بشار الأسد؟ وإن كانت تستطيع، فهل من مصلحتها التخلي عنه؟

إن بشار الأسد، هذا الذي لا يزال يلعب حتى اللحظة على فهم المصالح العميقة لكل الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، وعلى فهم أن هذه الأطراف كلها- وبلا استثناء- غير مهتمة بالشعب السوري ولا بمصيره، بل إنها تعمل جاهدة لمنع هذا الشعب من امتلاك قدرته على الإمساك بحق تقرير مصيره، وبالتالي فإنه لا يزال مراهناً على نجاعة الاستراتيجية التي كرسها أبوه من قبله وأتقنها، وهي الاستراتيجية التي ترتكز على استثمار القوة التي يملكها موقع سوريا الجيوسياسي. إنه يدرك – أي بشار- أن التخلي عنه ليس أمراً سهلاً على أي طرف من الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، فلماذا إذن تشيع روسيا أنها غير معنية به وبمصيره، ولماذا إذن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فتفضحه، وتتهمه بالعجز والفساد، وتضعه في مواضع تفيض عليه إذلالاً واستهتاراً؟

ما هو المخفي، وأين؟ ثمة معضلة أساسية يواجهها الروس في سوريا، إنها إيران، إيران التي تتصارع  وروسيا على امتلاك القرار السوري، وهي إيران التي تعهدت روسيا- لأمريكا وإسرائيل- بتحجيمها في سوريا، وهي إيران التي استثمرت كثيراً في سوريا، ودفعت كثيراً؛ كي تتغلغل في بنية الدولة السورية وفي المجتمع السوري، وهي إيران المنهكة إلى حدود مخيفة - الآن- بحصارها وتدني مبيعات نفطها، وهو  مصدر دخلها الأهم، وهي أيضاً إيران المبتلية بتفشي كورونا فيها، وهي إيران التي رغم كل ظروفها فإنها لا تزال مصرة على قبض ما تراه مناسباً، مقابل ما دفعته وتعبت من أجله في سوريا. هذا بما هو الحد الأدنى الذي ينحصر في مجال الاستثمار والبيع والشراء والربح والخسارة، أما استراتيجياتها الإقليمية فهي العصب المخفي الذي لا يتحمل مساومة ولا تسوية.

إنها المعادلة صعبة الحل، لا سيما أن بشار الأسد- الآن- يلعب لعبة قليل الحيلة، وهي لعبة التعويم، مادام يدرك حاجة كل الأطراف له؛ فهو يترك نفسه لأي اتجاه يجذبه الموج إليه، فهو الذي استقبل مؤخراً - رغم كورونا- وزير خارجية إيران، محمد جواد ظريف، دافعاً بالروس إلى مزيد من التسريبات التي تتحدث عن نهايته كرئيس لسوريا.

ما يمارسه الروس اليوم من تسريبات، إضافة إلى فضح بشار الأسد ومنظومته الفاسدة، وهو ما تعرفه روسيا منذ زمن طويل، لماذا الآن إذاً تنشر غسيله؟ أليست محاولة منها للضغط عليه؛ كي يساعدها في ضبضبة إيران وتحجيمها، إيران التي لا تزال مصرة على إعلان صرامتها وقوتها في القرار السوري؛ قاصدة إلى تذكير العالم – وربما بدرجة أولى روسيا- كل فترة، بأنها هي من تمسك بشار الأسد من رقبته.

ما يحاول بشار الأسد فعله اليوم هو فقط الإبقاء على قبضته الحديدية المطبقة على عنق الشعب السوري، وعدم السماح لأي طرف خارجي بخلق بديل له، مراهناً على تسليم هذه الأطراف بالإبقاء عليه بهذه الصيغة أو تلك. لكن ثمة ما يخيف بشار الأسد ويقض مضجعه، وهو: إدراكه أن من هم أصحاب القرار النهائي في مصيره، ليسوا هم الروس والإيرانيون والأتراك (حلف سوتشي) فقط، إنما أيضاً أمريكا وإسرائيل، وكلاهما ليس مستعجلاً؛ فمصالحهما ستكون مصانة بالتأكيد، مهما تكن نتائج الصراع داخل حلف النظام.

إن بوتين ينشط في الفجوات بين وعوده لإسرائيل وأمريكا، وحقائق الأرض في سوريا، وحقائق الاقتصاد الروسي وانعكاساته الداخلية على المجتمع الروسي، ويحاول أن يتفق مع الإيرانيين على صيغة ما، صيغة تبدو إيران حتى اللحظة أنها غير مستعدة لقبولها، وهي تهمس في أذن بشار الأسد كل ليلة قبل أن يدخل إلى غرفة نومه:

  • مصيرك بيدنا، لا تنس.

لكن، مع كل هذا ثمة حقيقة مؤكدة، وهي: أن أحداً في هذا العالم لا يقبل ببقاء عائلة الأسد، ولن يقبل ببقائها على رأس سوريا. لكن، حتى يتم الاتفاق النهائي على ترتيب صيغة سوريا القادمة، فإن بشار الأسد سيبقى الواجهة التي تحتاجها كل الأطراف.

وها هو السيد بوتين، بعد خمسة عشر تصويتاً بالنقض "الفيتو" في مجلس الأمن، يسرب لنا نيافته: أن بشار الأسد وبطانته فاسدون. أية مزحة سمجة هذه يا سيادة القيصر!