icon
التغطية الحية

أزمة الغاز في سوريا..تنافس روسي إيراني على حساب السوريين

2019.02.01 | 17:02 دمشق

الصورة (إنترنت)
تلفزيون سوريا - مناف قومان
+A
حجم الخط
-A

بعد سيطرة نظام الأسد على كامل العاصمة دمشق لم يعد صوت راجمات صواريخه يزعج السكان، فاليوم أصبحت الطوابير ووسائل التواصل الاجتماعي مصدر إزعاج أكبر؛ جراء انقطاع المحروقات وعلى وجه التحديد مادتي الغاز والمازوت؛ المواد الرئيسية للتدفئة والطبخ في سوريا، حتى بات لسان حال المواطن يقول؛ إن أزمة الغاز يحلها فصل الصيف وأزمة الكهرباء يحلها فصل الشتاء.

لم يضج الناس من فراغ، فدمشق والمحافظات الأخرى مرت عليها أزمات كثيرة من انقطاع للكهرباء والماء والغاز والمازوت في السنوات الماضية ولم يقابلها السكان بالطريقة التي يقابلها اليوم؛ كوميديا سوداء سخر عبرها الفنانون قبل بقية الناس من الحال المتردية التي وصلت إليها البلاد، ومرارة وذل الوقوف في طوابير أمام مراكز التوزيع بانتظار استلام أسطوانة الغاز؛ مشهد لم ترَ سوريا مثله من قبل.

مرت شهور على سيطرة النظام على حزام دمشق ومحافظة درعا والقنيطرة، واحتفالات النظام بـ"نهاية الأزمة" ولم يتحقق شيء من وعود حكومته في سد فجوة العرض بتأمين مادة الغاز وبسعر 2650 ليرة للأسطوانة والتي ارتفعت إلى قرابة 7 آلاف في وسط دمشق في السوق السوداء.

لم تنخفض أيضاً معدلات التضخم عن مستوياتها المرتفعة لتخفف من وطأة تكاليف المعيشة على المواطن؛ حيث بلغت سلة الاستهلاك الضرورية 310 آلاف ليرة نهاية 2018 (بحسب مؤشر قاسيون)، ولم ينتعش الاقتصاد بافتتاح المعابر والمعارض وإعلانات إعادة الإعمار ولا معدل الأجور الوسطي القابع عند 35 ألف ليرة؛ ما يحيل إلى مضاعفة الأجور أكثر من 8 مرات ليستطيع صاحب الأجر أن يعيل أسرة من خمسة أفراد، ولم يتحسن سعر الصرف الذي عاود ملامسة 525 ليرة للدولار في هذه الأيام.

ماهية أزمة الغاز لا تنم عن جانب العرض والطلب بل هناك جوانب سياسية واقتصادية وجغرافية تتفاعل مع بعضها لتنتج أزمات كهذه وغيرها، ولَإنْ استُعيدت السيطرة على معظم مناطق المعارضة فهذا لا يعني إنهاء الأخيرة وإنهاء الثورة التي بدأت بها في ربيع 2011.

 

عقوباتٌ كبلت النظام

أوصدت العقوبات الغربية والأميركية سواء المفروضة على النظام حديثاً أو على حلفائه الروس والإيرانيين سابقاً، بوابة إعادة تأهيل الأسد من قبل بعض الدول العربية وبذل الأموال لغرض إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد السوري.

ومسّت تلك العقوبات الاقتصاد بشكل مباشر إذ أشار وزير النفط في حكومة النظام علي غانم مطلع يناير 2019 أن الحصار الاقتصادي المفروض على سوريا أدى لإيقاف جزء كبير من عمليات توريد الغاز المسال المستورد والذي يشكل نصف حاجة الاستهلاك المحلي حيث أدى لنقص بحوالي 43 ألف طن من الغاز المسال كان من المخطط أن تغطي حاجات 45 يوماً تقريباً.

علماً أن وزارة النفط تمكنت من رفع الإنتاج المحلي من الغاز المنزلي إلى50% ( 550 طنا يومياً) من 30% حيث ارتفع الإنتاج إلى معدل 17.5 مليون متر مكعب يومياً ليس ببعيد عن الإنتاج السابق البالغ 21 مليون متر مكعب يومياً بينما يتم استيراد الكمية المتبقية بواقع 550 طنا بنسبة 50% من الخارج.

وبرر الوزير غانم أن إعادة السيطرة على باقي المناطق في شمال وشرق سوريا سيزيد الإنتاج إلى 400 طن من المعامل الغازية الموجودة في المنطقة الشمالية وبالتالي تغطية حاجة البلد من الغاز المنزلي البالغة 1100 طن يومياً.

 

منافسة محتدمة بين روسيا وإيران

تنتقل العلاقة بين روسيا وإيران من التحالف إلى المنافسة بشكل مطرد مع وصول حدة الصراع إلى حدوده الحالية، علماً أن البلدين يعوضان النظام عن العجز الحاصل في المحروقات والمواد الأساسية عبر وسطاء وشركات شحن بحرية لتجنب العقوبات الأميركية والغربية عليهما وعلى النظام، والتي فعلت فعلها في لجم توريد إمدادات البلدين إلى سوريا.

 ومع اشتداد وتيرة العقوبات الأميركية عليهما فإن شراهة المخاطرة لدى البلدين لإمداد النظام بحاجاته من مواد الطاقة انخفضت وبات النظام يتعرض للي ذراع من كلا البلدين ليأخذ بالاعتبار مصالح كل بلد، دون أن ينصاع لأحدهما على حساب الآخر.

فإيران مستاءة من روسيا منذ تدخلها في أيلول 2015 من حيث طريقة تعاطيها مع الوجود الإيراني في سورية ومحاولة الاستحواذ لدرجة الهيمنة على مفاصل الاقتصاد السوري عبر توقيع عقود طويلة الأجل في مختلف المجالات.

كما أن نظام الأسد ليس منزعجاً كثيراً من تضييق العقوبات الأميركية على إيران واقتصادها إذ يعتبرها ورقة ضغط يمكن استثمارها ضد إيران لأخذ تنازلات بعد الاتفاقيات والعقود التي ينظر لها بأنها مجحفة بحقه بحسب صحيفة الشرق الأوسط.

من بين التحركات الروسية التي أثارت وتثير امتعاض إيران، التحول في نطاق المؤسسة العسكرية بقيادة سهيل الحسن قائد قوات النمر والذي يأتمر بأوامر روسيّة وخلق نظير لجيش الأسد ومؤسسته العسكرية المؤتمرة بأوامر ضباط إيرانيين، ومن ثم التوافق الذي ظهر بين روسيا و"إسرائيل" ومنحها الضوء الأخضر لتنفيذ ضربات عسكرية ضد أهداف إيرانية في سوريا، وقد انتقد في هذا الصدد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف في 25 يناير 2019  العداء الإيراني لإسرائيل، في ذات اليوم الذي اتهم فيه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت القوات الروسية بتعطيل منظومة S-300  في سورية خلال الغارات الإسرائيلية عليها.

 ومن ثم هناك التوافق بين روسيا وتركيا في العديد من القضايا المتعلقة بسوريا بدون مراعاة المصالح الإيرانية أو إشراكها بها، وهناك عقود الطاقة وإعادة الإعمار والاستثمارات طويلة الأمد التي حصلت عليها روسيا في سوريا.

كل هذا جعل إيران تضغط على دمشق لنيل قسط أكبر من العقود والاستثمارات في محاولة لتثبيت أقدامها في سوريا في مختلف المجالات فيما لا تملك دمشق التي باتت تتبع اقتصاديا لكلا البلدين الرفض بسبب حجم الديون لإيران وروسيا وحاجتها لاستمرار الإمدادات منهما رغم العقوبات.

 

العقدة الجغرافية

العقدة الأخرى تكمن في ملف شمال وشرق سوريا، والذي يبدو أن المجتمع الدولي مستمر في عام 2019 بمعالجة هذا الملف؛ خزان سوريا الطبيعي من حيث الطاقة والزراعة والمياه والسيادة كتحصيل حاصل، والذي تبسط قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة سيطرتها عليه وتشهد اليوم صراعاً محموماً بعد قرار  الانسحاب الأميركي من هناك ونية تركيا إنشاء "منطقة آمنة" بعمق 32 كم.

يكمن حل معظم الأزمات الاقتصادية التي حلت بالنظام في عدم سيطرته على هذه البقعة الغنية بالموارد من سوريا، وهو ما يبقيه في وسط متأزم اقتصادياً، الغاز أحدها وليس آخرها، فإضافة إلى مئات آبار النفط تحتوي المنطقة على عشرات آبار الغاز في حقول السويدية بالقرب من حقل رميلان بالحسكة وتوينان وحقل كونيكو الاستراتيجي الواقع في قرية طابية جزيرة شمال شرق مدينة دير الزور والذي حصلت عنده مذابح استنزف فيها النظام والميليشيات الحليفة الكثير للسيطرة عليه دون جدوى.

يعد حقل كونيكو من أكبر الحقول المنتجة للغاز الطبيعي في سورية وتبلغ كمية الغاز المنزلي المنتجة فيه يومياً 450 طنا يوزع عبر صهاريح خاصة وقطار خاص بنقل الغاز المنزلي إلى المحافظات السورية ويقدر إجمالي الإنتاج للمعمل 10 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً.

تتيح السيطرة على هذا الحقل الوصول إلى حقول النفط المجاورة والتحكم بعقدة خطوط الغاز والنفط، وحلاً لأزمة الغاز التي تعاني منها سوريا اليوم عبر رفع معدل الإنتاج اليومي من 550 مليون طن إلى 1000 مليون طن يومياً من الغاز المنزلي، وتقليل استيراد مواد الطاقة من روسيا وإيران بالمحصلة وتجنب خرق العقوبات الغربية والأميركية أو المخاطرة بذلك، وتقليل ساعات تقنين الكهرباء بفضل توليد طاقة كهربائية من الغاز بشكل أكبر وأخيراً امتلاك أوراق أقوى لتسويق عملية إعادة الإعمار من خلال بوابة الاستثمار في مشاريع الطاقة.

أما العقدة السياسية والمرتبطة بمسارات أستانا وجنيف فلا تزال تعبر عن فكر النظام المتصلب والذي يشابه فكره العسكري بعدم التمييز بين بشر وحجر، ولن يكون هناك تخفيف للعقوبات أو تهاون مع النظام في تمرير أموال إعادة الإعمار أو وصوله إلى موارد الطاقة أو السماح باستيرادها بدون الانتقال بالبلد إلى مرحلة سياسية أخرى، والموضوع هنا يدخلنا إلى مستوى آخر من الحديث.

صحيحٌ أنها أسطوانة غاز ولكن فحوى الأزمة ينم عن كثير من العُقد السياسية والاقتصادية والجغرافية التي تشكلت في سوريا طوال الأعوام الماضية، وبالتالي لا حل لأزمة الغاز في سوريا إلا بحل تلك العقد والمواطن أولا وآخراً هو الضحية وعليه أن ينتظر فصل الصيف للتخلص من أزمة الغاز ومن ثم الدخول في أزمة الكهرباء بالصيف حيث استخدم النظام 90% من إنتاج الغاز السوري في 2013 لتوليد الكهرباء.