icon
التغطية الحية

43 وفاة خلال عام.. لماذا زادت حالات الغرق في بحيرة ميدانكي؟

2021.05.22 | 08:06 دمشق

fc660f53-b739-4d09-90ac-5dc06ff862c2.jpg
فرق "الدفاع المدني السوري" في محيط بحيرة ميدانكي - الدفاع المدني
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

ازدادت حالات الغرق في بحيرة ميدانكي بريف حلب، خاصةً مع الزيادة السكانية التي شهدتها المنطقة من النازحين والمهجّرين، الذين يقصدون البحيرة للسباحة فيها هرباً من درجات الحرارة المرتفعة، إضافةً إلى كونها مركزاً للاصطياف والتنزّه، ما جعل "الدفاع المدني" يطلق التحذيرات بضرورة الحذر من السباحة في البحيرة، التي باتت مكاناً خطراً يُهدّد حياة السكان في الشمال السوري.

 

توفي الطفل عمر أحمد الحمادي (13 عاماً) وشقيقه ديبو (19 عاماً) أمس الجمعة، عقب غرقهما في ساقية مياه كمروك التابعة لبحيرة ميدانكي، حيث غرق الطفل أولاً، وحاول شقيقه إنقاذه لكنه غرق أيضاً.

وسبق أن سُجّلت حالتا غرق في بحيرة ميدانكي الأسبوع الماضي، حيث انتشلت فرق "الدفاع المدني" في الخامس عشر من أيار الحالي، جثة الشاب عهد تدبير (24 عاماً)، وهو مهجّر من حمص، عقب غرقه بمياه البحيرة.

وفي صباح اليوم التالي عادت فرق "الدفاع المدني" لانتشال جثة أخرى غرقت في البحيرة ذاتها، تعود لشاب يُدعى فضل عبد الكريم (17 عاماً)، من نازحي بلدة كفرناها غربي حلب.

 

دوامات مائية ومرجان وطحالب

وأكد مدير المكتب الإعلامي للدفاع المدني في حلب، إبراهيم أبو الليث، أن حالات الغرق في بحيرة ميدانكي هذا الصيف ارتفعت إلى ست حالات، علماً أنه تم توثيق وفاة 56 شخصاً غرقاً ضمن المسطّحات المائية في الشمال السوري خلال العام الماضي، 37 حالة منهم ضمن بحيرة ميدانكي، ما يعني أن 43 شخصاً توفي غرقاً في البحيرة خلال عامٍ كامل، ما بين الصيف الماضي وحتى بداية صيف هذا العام.

وأضاف أبو الليث لموقع "تلفزيون سوريا"، أن "بحيرة ميدانكي غير صالحة للسباحة، بسبب وجود دوّامات مائية في معظم أجزائها، وانتشار المرجان والأشجار والطحالب في قاعها، ما يؤدي إلى سحب الشخص الى أسفل البحيرة أو شلّ حركته، كما أن أغلب حالات الغرق من النازحين والمهجّرين، بسبب جهلهم بطبيعة المنطقة، على عكس السكان الأصليين الذين يعرفون الأماكن الخطرة ضمن البحيرة ويتجنبون السباحة فيها".

من جهته قال علي محسن، من سكان ناحية شرّان بريف عفرين "أعرف جيداً بحيرة ميدانكي، وعلى مدار سنوات طويلة دائماً ما كان تحدث حالات غرق ضمنها، بسبب قاعها الطيني شديد الانحدار، ووجود حفر عميقة محاذية للشاطئ غير مرئية، إضافةً إلى تفاوت عمقها عند الضفاف، ففي بعض المساحات يكون العمق ضئيلاً، وفجأةً ينحدر الشخص إلى القاع إذا كان لا يُجيد السباحةً".

وأشار محسن لموقع "تلفزيون سوريا" أن "البحيرة تم إنشاؤها قبل عشرين عاماً خلف سد 17 نيسان، لذا تم زيادة عمقها لتستوعب كميات كبيرة من المياه، ولذا فالسباحة ضمنها خطِر جداً، حيث يصل عمقها في بعض الأجزاء وخاصةً في المنتصف إلى 70 متراً، إضافةً إلى تنوع تضاريسها على مدار السنين، حيث يوجد في قاعها كثير من الرمال والصخور الكلسية، ما يؤدي إلى اختلاف مستوى انحدار البحيرة، وهذا يعيق عمليات السباحة فيها بشكلٍ كبير حتى على ذوي الخبرة".

 

التوعية والغطّاسون حل غير كاف

مع زيادة حالات الغرق في بحيرة ميدانكي، سعى الدفاع المدني لتكثيف حملات التوعية بشأن مخاطر السباحة في البحيرة، إضافةً إلى اتخاذ بعض الإجراءات الأخرى للحد من حالات الغرق.

وقال مدير المكتب الإعلامي للدفاع المدني في حلب، إبراهيم أبو الليث، إن الدفاع المدني "سعى جاهداً للحد من حالات الغرق من خلال حملات توعوية تبدأ قبل كل صيف، وتنتشر بأماكن المسطّحات المائية، وتتضمن توزيع بروشورات ولصق أو زرع لافتات تحذر من خطورة السباحة في تلك الأماكن، وخاصةً بحيرة ميدانكي".

كما عمد "الدفاع المدني" خلال السنة الماضية إلى تخريج دفعات جديدة من الغطّاسين وتدريبهم وتوزيعهم على مناطق المسطّحات المائية، إلى جانب استنفار ومناوبات فرق الغطس خلال أيام العطل الرسمية والمناسبات وأوقات اشتداد الحرارة.

وأوضح إبراهيم أبو الليث أنه "تم تخصيص مجموعتين من الغطّاسين للعمل على مدار الساعة ضمن مراكز الدفاع المدني القريبة من أماكن المسطّحات المائية، حيث تضم كل مجموعة أربعة غطّاسين، يتولّون الاستجابة لأي بلاغات عن حالات غرق والتوجه فوراً لإنقاذهم، إضافةً إلى انتشال الغرقى من قاع البحيرات والسواقي، وتسليمهم للمشافي أولاً ثم لذويهم".

 

 

وعن سبب استمرار حالات الغرق رغم وجود فرق الغطس قال أبو الليث: "بحيرة ميدانكي ذات مساحة واسعة، ويوجد فيها أعداد كبيرة من المدنيين الذين يسبحون ضمن أماكن مختلفة من البحيرة، ولا سيما في أيام الأعياد والعطل، لذا يصعب الوصول إلى جميع الغرقى وإنقاذهم، ففريق الغطس غير كاف وحده لمنع حالات الغرق، بل يجب أن يكون هناك تعاون من قبل السكان، ويمتنعوا عن السباحة ضمن البحيرة".

ويوجد الغطّاسون المسؤولون عن الاستجابة لحالات الغرق في بحيرة ميدانكي، ضمن مركز الدفاع المدني في ناحية شرّان، كونه الأقرب إلى البحيرة، حيث يتم إبلاغ الفريق عن طريق أرقام مخصصة، أو عبر المخاتير أو أشخاص لديهم تواصل مباشر مع الفريق، الذي ينطلق فوراً إلى مكان الحادث.

ونصحت "مديرية الدفاع المدني في محافظة حلب الحرة" عبر صفحتها على فيس بوك، بضرورة عدم محاولة إنقاذ أي غريق مهما كانت صلة القرابة، وطلب المساعدة وتأمين وسائل الأمان في حال وجود شخص متمرّس على الإنقاذ، إضافةً إلى إبلاغ فرق "الدفاع المدني" بأسرع ما يمكن.

ورغم حملات التوعية الجوّالة والبروشورات التعريفية بمخاطر السباحة في بحيرة ميدانكي، ونشر ما يزيد على خمسين شاخصة حول البحيرة تحذر من السباحة في مياهها، فإن الأهالي لا يكترثون لهذه التعليمات، حيث تُظهر الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، أشخاصاً يسبحون بالقرب من اللافتات، وكأن الأمر لا يعنيهم.

وأفاد علي محسن، من سكان ناحية شرّان، أن "عدم وجود قوانين تحظر السباحة في البحيرة، يدفع الناس لقصدها مكاناً للاصطياف والهرب من حرارة الجو، لذا يجب إصدار قانون يفرض غرامة مالية على كل من يسبح ضمن البحيرة، واذا كان هذا صعب التطبيق، فمن الضروري وضع سياج يمنع الأشخاص من السباحة نحو الأماكن الخطرة والعميقة، إلى جانب وضع غواصين ضمن قوارب وسط البحيرة".

 

مكان للحياة والموت!

وكانت فصائل المعارضة سيطرت على كامل عفرين في آذار من العام 2018، عقب طرد "الوحدات الكردية" منها، ما تسبّب في زيادة الإقبال على بحيرة ميدانكي، ووثق الدفاع المدني غرق 26 شخصاً خلال العام 2018 وحده ضمن مياه البحيرة، معظمهم من النازحين والمهجّرين الموجودين في عفرين.

وباتت بحيرة ميدانكي المتنفس الوحيد للسكان، في ظل جمال الطبيعة حولها، لذلك يقصدونها للتنزّه وقضاء أجمل الأوقات على ضفافها، إضافةً إلى السباحة فيها، في ظل ارتفاع تكلفة المسابح الخاصة، وسيطرة النظام على كامل الشريط الساحلي.

وتتراوح تكلفة السباحة ضمن المسابح الخاصة في المناطق المحررة، ما بين 50 - 100 ليرة تركية، وهو مبلغ كبير مقارنةً بمستوى دخل السكان، إضافةً إلى أن الوقت محدود للسباحة ضمن تلك المسابح، لذلك تتجّه العائلات إلى المسطّحات المائية كونها مجانية ووقتها مفتوح.

 

a577a48b-c886-4d2e-9ef8-4656dc2acb03.jpg
تعتبر فيه بحيرة ميدانكي مكاناً لقضاء الأوقات السعيدة والهروب من جو الحرب

 

وفي الوقت الذي تعتبر فيه بحيرة ميدانكي مكاناً لقضاء الأوقات السعيدة والهروب من جو الحرب، فقد باتت أيضاً رمزاً للموت والمآسي والأحزان.

أحمد الإبراهيم، من سكان ناحية جنديرس بريف عفرين، كان شاهداً على حادثة غرق حدثت في بحيرة ميدانكي، وبقيت تلك الحادثة المؤلمة عالقةً في ذاكرته.

يقول الإبراهيم إن "تاريخ 29 آب 2018 محفور في ذهني ولم أستطع نسيانه البتة، ففي ذلك اليوم توجهت مع أصدقائي للسباحة في بحيرة ميدانكي هرباً من الطقس الحار، وبينما كنت أسبح سمعت صوت شابٍ يصرخ من وسط البحيرة طالباً النجدة، وفجأةً فقد السيطرة على نفسه وغاب تحت الماء، وسط عجزٍ من الجميع عن مساعدته، كونه كان يسبح في مكانٍ بعيدٍ وعميق".

يضيف الإبراهيم "بعد نصف ساعة وصل فريق الدفاع المدني إلى مكان الحادث، وبعد ساعةٍ من البحث تم انتشال الجثة. كان مشهداً صادماً لي حين شاهدت الشاب وقد أصبح جسده أزرق اللون، وتم التعرّف إليه من قبل ذويه، حيث تبيّن أنه من مهجّري الغوطة الشرقية، ومنذ ذلك اليوم قررت الامتناع عن السباحة أبداً في أي مكان مهما كان السبب".

وتعد "ميدانكي" بحيرة اصطناعية تشكّلت خلف سد السابع عشر من نيسان، الذي دُشن في العام 2004، ضمن مخططٍ اقتصادي بدأ العمل به في العام 1984، وتبعد ما يقارب 2 كم عن قرية ميدانكي، ويبلغ طولها نحو 1400 متر، وأكبر عرضٍ لها 500 متر، وتحيط بالبحيرة أحراج من شجر الصنوبر والزيتون، وتضم الكثير من الأسماك.