ماذا عن مستقبل دور فاغنر في سوريا؟

2023.07.04 | 07:16 دمشق

مقاتلو فاغنر يغادرون روستوف
+A
حجم الخط
-A

لا يزال التمرد المسلح القصير الذي قام به زعيم مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين في روسيا ينطوي على كثير من الغموض الذي يصعب فهمه تماماً إنْ لجهة الأسباب الفعلية التي دفعت بريغوجين لإعلان التمرد أو لجهة الكيفية التي انتهى بها. لكنّ ما يبدو مؤكداً أن أزمة التمرد ستؤثر على مستقبل مجموعة فاغنر ونشاطها القتالي بالوكالة عن روسيا في العديد من الدول ولا سيما سوريا.

حتى كتابة هذه السطور، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت روسيا تنوي إنهاء وجود المجموعة ككيان عسكري خاص أو الحفاظ عليها مع إعادة تأهيلها وجعلها مرتبطة بشكل وثيق بالجيش الروسي، لكن موسكو بدأت بالفعل التحرك في الوقت الحالي لتأكيد سيطرتها على دور المجموعة في سوريا. في أعقاب التمرد، أوفدت موسكو سيرغي فيرشينين نائب وزير خارجيتها إلى دمشق للقاء رئيس النظام بشار الأسد وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن فيرشينين طلب من الأسد منع مقاتلي فاغنر مغادرة البلاد من دون إذن من موسكو. مع أن نشاط فاغنر في سوريا خلال سنوات الصراع كان يخضع لوزارة الدفاع الروسية، إلآّ أن تمرد بريغوجين كشف عموماً أن المجموعة كانت تحظى بهامش من الاستقلالية في إدارة نشاطها القتالي في الخارج ولا سيما سوريا.

منذ أن انخرطت روسيا بشكل مُعلن في الحرب إلى جانب النظام السوري منتصف العقد الماضي، كانت مجموعة فاغنر أحد الأصول العسكرية الروسية في هذا الانخراط. كانت حاجة روسيا لدور فاغنر في سوريا محيرة بعض الشيء وغير مفهومة، لكنّها تُفسر إلى حد كبير الاستراتيجية الروسية في سوريا. بالنظر إلى أن الانخراط الروسي في الحرب اقتصر بشكل رئيسي على القوة الجوية مع تجنب موسكو نشر قوات قتالية على الأرض لتجنب الخسائر في صفوف القوات الروسية، فإن ذلك لم يكن كافياً لتحويل مسار الحرب لصالح النظام خصوصاً أن الحرب في الفترة التي أعقبت التدخل العسكري الروسي كانت تتركز على قتال الشوارع أيضاً. لذلك، لجأت روسيا إلى الاعتماد على المرتزقة مثل مقاتلي فاغنر لتقديم الدعم القتالي لقوات النظام على الأرض. علاوة على ذلك، وجدت روسيا حاجة إلى الانخراط عبر مرتزقة فاغنر في ديناميكية العمليات القتالية على الأرض لتحقيق هدفين آخرين، أوّلهما الحد من نفوذ الميليشيات الموالية لإيران، والتي اعتمد عليها النظام بشكل رئيسي في قتال الشوارع، وثانياً، استخدام مرتزقة فاغنر من أجل مهاجمة القوات الأميركية المنتشرة في شمال شرقي البلاد. برز هذا التكتيك في عام 2018 عندما هاجم مقاتلو فاغنر القوات الأميركية بالقرب من دير الزور.

في الوقت الراهن، يصعب التحقق من طبيعة المهام الحالية التي تقوم بها فاغنر في سوريا لقياس التأثير المحتمل لأزمة التمرد على دورها في هذا البلد. لكن المجموعة لعبت دوراً في مساعدة النظام السوري في السيطرة على حقول النفط في مدينة تدمر بعد هزيمة تنظيم داعش فيها. ولا تزال حتى الآن تقوم بتأمين هذه الحقول. كانت استعانة روسيا بفاغنر في سوريا مفيدة من حيث التكاليف الأقل والمكاسب الأكبر. ساعدت فاغنر الجيش الروسي في تجنب نشر قوات قتالية على الأرض لمنع الخسائر المحتملة، بينما استطاعت المجموعة تمويل نشاطها بنفسها من خلال تقاسم أرباح عوائد النفط مع النظام. بالنظر إلى النظام لا يزال عاجزاً عن مواصلة تأمين هذه الحقل بنفسه، فإن الحاجة إلى فاغنر لا تزال قائمة. علاوة على ذلك، تحول وجود فاغنر في سوريا إلى قاعدة روسية لتجنيد المرتزقة في دول أخرى مثل أفريقيا. أشرفت فاغنر على إرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا لدعم الجنرال خليفة حفتر منذ عام 2019. وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل نحو عام ونصف، وثقت تقارير قيام فاغنر في سوريا بتجنيد مرتزقة من الشرق الأوسط للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا.

بمعزل عما إذا كانت روسيا تُخطط للهيمنة الكاملة على نشاط فاغنر في سوريا أو التخلي عن دورها، إلآّ أنها لا تزال ترى حاجة إلى استمرار دور المرتزقة التابعين لها في سوريا، ليس فقط من أجل الاحتفاظ بتأثير قوي لها في ديناميكية السيطرة على الأرض، بل أيضاً من أجل مواصلة أنشطتها القتالية المخفية في دول أخرى. في ضوء أن الصراع السوري في الوقت الحالي لم يعد يتطلب انخراطاً أكبر لدور المرتزقة مقارنة بالسنوات الماضية، فإن الحاجة الروسية إلى دور فاغنر لم تعد مُلحة، لكنّها لم تنتهِ بكل الأحوال. ما يُفسر ذلك، أن الصفقة التي أبرمها بوتين مع بريغوجين برعاية الرئيس البيلاروسي تضمنت تقديم عرض لمقاتلي فاغنر بتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية. في هذه الحالة، فإن وزارة الدفاع الروسية ستُشرف بشكل كامل على نشاط المقاتلين الذين يوافقون على هذا العرض. في ظل حاجة روسيا إلى الحفاظ على انخراطها العسكري المُنكر في أفريقيا ومواصلة تجنيد المرتزقة من الشرق الأوسط لدعم قواتها في أوكرانيا، فإن الاعتماد على الكيانات العسكرية الخاصة لتحقيق هذه الأهداف سيبقى قائماً سواء كان ذلك بإعادة تأهيل فاغنر أو زيادة الاعتماد على الكيانات العسكرية الخاصة الروسية كتلك التي أنشأتها شركة غاز بروم الروسية الحكومية. لأن فاغنر امتلكت الكثير من الخبرة في قتال الشوارع في سوريا وفي تجنيد المرتزقة في هذا البلد لنقلهم إلى جبهات أخرى مثل أفريقيا وأوكرانيا، فإن روسيا ستواصل على الأرجح الاعتماد عليها سواء مع الحفاظ على وجودها ككيان عسكري خاص أو دمج مقاتليها في شركات مرتزقة أخرى تابعة لها.

 

كلمات مفتاحية