22 عاما على وفاة حافظ الأسد وما زال القتل مستمرا

2022.06.10 | 06:47 دمشق

main_image5c53fbae03306.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ 22 عامًا انتهى عهد حافظ الأسد بوفاته، بعد أن ظن البعض أن ديكتاتورًا بهذه الصفات لن يموت، لكن الموت وهو حق على جميع البشر حصد في طريقه رجلًا فاشيستيًا طاغوتيًا لم يأت مثله أبدًا على تاريخ سوريا الحديث ولا القديم، لينتهي الأمر إلى توريث ابنه بشار حافظ الأسد الذي أخذ من صفات أبيه الكثير. ولتعود سوريا إلى سابق العهد عبر حيوات ملؤها العسف والقمع وكم الأفواه. واستمرار المقتلة الأسدية التي بدأها حافظ الأسد.

اتسمت فترة حكم حافظ الأسد التي دامت ما يقرب من ثلاثين عامًا، بإلغاء السياسة من المجتمع السوري، وإعادة صياغة الحياة السياسية في سوريا عبر الدولة الأمنية الطاغوتية ومن بوابتها التي بناها بمساعدة أخيه رفعت الأسد، ومجموعة قليلة من رجالاته العصبويين الذين يمتازون بالانتماء إلى مدرسة القتل الأسدية، وعبر ثلاثين عامًا من القمع وكم الأفواه تمكن حافظ الأسد من لجم كل الذين يتعاطون السياسة أو يفكرون في إنتاج حالة سياسية صحية في سوريا، أو لمجرد أن يتحركوا خارج سياق المدرسة البعثية الأسدية الأمنية التي لا تقبل الرأي الآخر، ولا تتحاور مع السياسيين إلا في فروع الأمن وأقبية الظلام والاعتقال، أو عبر الحديد والنار كما جرى في مدينة حماة، وجسر الشغور، وحلب، ومعرة النعمان في بداية ثمانينيات القرن الفائت، عندما حاول السوريون التحرك في مواجهة القهر الأسدي، من خلال انبثاقات شعبية ومسلحة انتهت بتدمير مدينة عريقة بحجم مدينة حماة، فوق رؤوس ساكنيها، وقتل ما ينوف على 40 ألفًا من أهليها واعتقال عشرات الآلاف، وقتلهم في السجون، والجميع يعرف تفاصيل مجازر سجن تدمر التي جاءت على أنقاض تدمير  مدينة حماة.

حافظ الأسد وبعض الضباط المقربين هم الذين يقررون كل شيء، وليس لوزير الدفاع إلا الطاعة والالتزام

ضمن العسكريتاريا لم يأمن حافظ الأسد إلا لمن ينتمي إليه طائفيًا وأمنيًا وعائليًا، ومن ينهل من تفكيره الاستبدادي الطغياني، حيث تمت تصفية كل الضباط الفاعلين الذين لا ينتمون إليه ولمستوى ممارسته وتفكيره، ولينصب وزيرًا للدفاع من سمات معينة، قد يفهم في كثير من المسائل إلا العسكرية السورية، وهو الشخص المطيع لسيده والتابع لرئيسه والمتماهي مع كل السياسات الأمنية التي يعمل عليها حافظ الأسد، وينفذ كل الأوامر دون أية مناقشة، حتى قيل أنه أي مصطفى طلاس، وهو الشخصية العسكرية الأولى كوزير للدفاع كما يفترض، لم يكن يعلم بدخول قوات حافظ الأسد إلى لبنان عام 1976 إلا عبر وسائل الإعلام في اليوم التالي. لأن حافظ الأسد وبعض الضباط المقربين هم الذين يقررون كل شيء، وليس لوزير الدفاع إلا الطاعة والالتزام.

في حزب البعث أيضًا وضع حافظ كل قيادات البعث ورفاقه الذين شب واستمر معهم ومن خلالهم، وضعهم في السجون، ومنع كل الوساطات لخروجهم، وكان يقول لمن يتوسط لخروج صلاح جديد أو الآخرين أنهم لن يخرجوا إلا أمواتًا، أو إذا مات هو بالذات أي حافظ الأسد. وجاء ببعض الشخصيات البعثية غير المعروفة، بل المجهولة جدًا في البعث وخارجه، ليوكل لهم مهمة إنشاء قيادات جديدة للبعث بصياغات أخرى كأمثال عبد الله الأحمر والآخرين الأكثر طاعة وولاء. فأصبح حزب البعث مجرد مجموعة موظفين عند حافظ الأسد، وشخصيات هلامية لا قوة لها، لا في منظمات البعث ولا خارجه. ليتمكن بعدها حافظ الأسد من بناء حزب بعث على قدره ومقاسه، لا يفعل منتسبوه إلا ما يأمره به ضابط الأمن، الذي يسير على نهج سيده حافظ الأسد. وبالطبع فقد جاءت الجبهة الوطنية التقدمية التي أقامها حافظ الأسد لتحاول زج معظم القوى السياسية التي كانت فاعلة  حينذاك، في إطار (جبهة وطنية تقدمية) ودستور جديدة ينظر إلى الإمساك بالمجتمع برمته، تحت القبضة الأمنية، وهو ما دفع بعض القوى التي انضوت بداية في الجبهة، للخروج سريعًا من جبهته، والاشتغال في السياسة المناهضة والمعارضة له، وهو ما أدى إلى اعتقالات كبرى في أجسامها.

في المؤسسة الدينية وجد حافظ الأسد أن إعادة تأسيسها من جديد بات أمرًا ضروريًا لسلطته الأمنية، إذ لا بد من المجيء بشخصيات مطواعة وتقوم بمهامها ضمن الدولة الأمنية الأسدية على قدم وساق، وهي التي ستسوق لرؤيا الأسد، التي بات همها الأساس القبض على كل مفاصل المجتمع السوري، ومنع أية احتمالات لتغيير قادم ما، قد يؤدي للإطاحة به وبمشروعه القمعي الطائفي الطغياني، فكان الشيخ أحمد كفتارو خير مثال مشخص على ذلك، واستطاع الأسد عبره  الإمساك بكل المؤسسة الدينية، وإعادة رسم ملامح جديدة للحياة الدينية الإسلامية في كل الجغرافيا السورية.

بات أي تاجر أو صناعي سوري يريد إنشاء مشروع ما ، لابد له من البحث عن شريك قوي في أجهزة الأمن، حتى يضمن نجاح مشروعه، بل حتى يتم تسهيل إقامة هذا المشروع

أما عن الاقتصاد فقد انبثقت حالة  شراكة واضحة المعالم بين الضباط ورجالات الاقتصاد من بعض تجار وصناعيين في كل من حلب ودمشق، ليكون الاقتصاد الناجح هو الذي ينتج عن شراكة الضابط برجل الأعمال، وهو ما يدر الدخول النهبوية الكبرى، على جيوب المسؤولين والضباط الأمنيين والعسكريين بشكل أساسي، حتى بات أي تاجر أو صناعي سوري يريد إنشاء مشروع ما ، لا بد له من البحث عن شريك قوي في أجهزة الأمن، حتى يضمن نجاح مشروعه، بل حتى يتم تسهيل إقامة هذا المشروع، وبالطبع فإن الشراكة هذه لم تكن إلا تغولًا على العمل الاقتصادي التجاري والصناعي، ليزداد ثراء النهب الأسدي، وليكثر الفساد والإفساد الذي أضحى سياسة متبعة في كل مفاصل البناءات الاقتصادية في سوريا، على يد حافظ الأسد ومن يتبعه.

كل هذه التركة الكبرى ونواتج الدولة الأمنية، ناهيك عن السياسة الخارجية المعروفة عبر الدور الوظيفي الذي بدأه حافظ الأسد، أورثها لابنه بشار بعد وفاته في 10 حزيران/ يونيو عام 2000. ليأتي الابن بعد أن أَمَّنت له وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت الوراثة، عبر اجتماعها بهذا الوريث، لينبت الفطر في الظلام، كما قيل يومها، ويحاول أن يفعل مافعله أبوه مع بدايات الحكم، لينتج عن ذلك ماسمي بربيع دمشق الذي سرعان ما تم وأده خلال سنوات قليلة، ولينهي حالة الربيع المفترضة، ويغلق بعدها كل المنتديات السياسية التي قامت وفق ذلك، وليزج في السجون الكثير من ناشطي تلك المرحلة من المعارضة السورية، وليعود إلى سياسات أبيه ودولته الأمنية، ويسهم في كم الأفواه من جديد، وصولًا إلى المقتلة الأسدية الجديدة التي بدأت مع ثورة الحرية والكرامة، والتي استمرت فصولًا حتى يومنا هذا، وسط صمت دولي وفرجة إقليمية ودولية، باتت سمة المرحلة برمتها، ولتستمر سياسة بيع الأوطان لدى الوريث، ليس للأميركان فقط، كما كان أيام أبيه حافظ الأسد بل للروس والأميركان والإيرانيين ولكل من يشتري، ولتصبح سوريا على يديه الدولة الفاشلة بامتياز، وهي التابعة للدول التي تحتلها من إيرانيين وروس وأميركان. وليبقى الشعب السوري يعاني الأمرين على يد آلة القتل والاعتقال التعسفي، وليعاد إنتاج العصابة الأسدية الطائفية، على أسس جديدة/ قديمة، تأخذ من نهج حافظ الأسد لكنها تطور آلة القتل، بما يتناسب والمرحلة الجديدة الأكثر فجورًا وتخليًا عن الشعب السوري.