2020.. أربعة أخبار في العقد الجديد

2020.01.10 | 18:35 دمشق

download.jpg
+A
حجم الخط
-A

أربعة أحداث هزت الأسبوع الأول من العقد الجديد، العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين الذي سيحمل بلا شك آلام ودماء ودموع العقد المنصرم الذي كان مترعاً بالكوارث وخصوصاً في المنطقة العربية. بدأت السنة الجديدة بوفاة الإعلامية الكبيرة نجوى قاسم، وكان إعلان وفاتها صدمة لجميع محبيها وحتى كارهيها، فالسيدة التي لم تتم عامها الثاني والخمسين، كانت في عز عطائها، وعلى الفور استذكر الجميع لقاءات سابقة أجرتها، أو كانت هي فيها طرفاً يوجه السؤال، لتؤكد مسيرة الراحلة على أن الإنسانية والالتزام في ثبات المواقف لا يسيء أبداً للإعلامي في زمن الاستقطاب الهائل بين الأطراف المتصارعة في الشرق الأوسط، فهي كانت تفتح الآفاق كي تبحث عن اللحظات والحالات الأكثر تعباً والأكثر إنسانية في النزاعات التي تبعت الربيع العربي والتي تحول فيها الشرق الأوسط إلى دائرة من النار والحقد والغضب، بينما كانت نجوى قاسم تتابع وتتأثر وتُأثر في مشاهديها فتتفاعل كمواطنة عربية تارة وكأنثى حساسة ثانية أخرى، وكصاحبة موقف سياسي حاسم ملتزم تجاه رفض الموت والظلم والدكتاتورية.

بعدها بيوم فجرت الولايات المتحدة الأميركية مفاجأة من العيار الثقيل حينما قصفت طائرة مسيرة عن بعد موكبا يقل قائد فيلق القدس قاسم سليماني المتهم بمجازر حرب وعمليات تغيير ديموغرافي وتصفيات جماعية في كل من سوريا والعراق وإيران، مما أدى إلى مصرعه برفقة نائب الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس المسؤول عن العشرات من العمليات الإرهابية منذ الثمانينات، فقامت الدنيا ولم تقعد "إعلامياً" على الأقل حتى الآن، في وصف سليماني بين المجرم الارهابي وبين الشهيد، لكن المتابع للقضية يكتشف حجم هوان الإنسان العربي حتى في مثل تلك القضايا، فالإرهابي أبو مهدي المهندس المسؤول عن تصفيات جماعية في العراق وسوريا، والمتهم بتفجير السفارة العراقية في بيروت والأميركية في بيروت في الثمانينات ومحاولة اغتيال أمير الكويت أيضاً، لم يتم الاحتفاء به أو ذمه بنفس القدر الذي ناله سليماني، الذي حصد نجومية الحدث واهتمام الدول ووسائل الإعلام، فالإنسان العربي دائماً يأتي في الدرجة الثانية بعد أي أحد، حتى لو كان إرهابياً، فالمهندس وهو عراقي الجنسية، حصل على الجنسية الإيرانية، قاتل مع القوات الإيرانية إبان حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، أي أنه قاتل ضد جيش بلاده برفقة جيش نظامي لدولة أخرى، ثم لف جثمانه بالعلم الإيراني وليس العراقي، ونقل جسده إلى إيران بعد تشييعه في كربلاء، وطاف جثمانه المدن الإيرانية كإيراني وليس عراقي، وعلى الدوام ذكر اسمه كأحد المرافقين لقاسم سليماني، وحتى بيان تبني العملية التي قضت على الاثنين لم يأت على ذكره، أو تبرير مقتله، من الإدارة الأميركية ، كان كومبارساً حقيقياً.

وهي حادثة تذكرنا بإفراج النظام السوري عن مئات من معتقليه من حاملي الجنسية السورية، من سجون

الاستخفاف بمصرع المهندس من قبل حتى حلف ما يسمى المقاومة، إن دل على شيء فهو يدل على أن من يبيع بلاده لن يلقى سوى المهانة حياً أو ميتاً

دمشق وحمص في 2015، بمقابل إطلاق ستة من الإيرانيين، في عملية تبادل جرت بين إيران والمعارضة المسلحة في ذلك العام، وهو يذكرنا بإطلاق المئات من الأسرى العرب بمقابل إطلاق أسير إسرائيلي واحد في عمليات التبادل بين الطرفين.

الاستخفاف بمصرع المهندس من قبل حتى حلف ما يسمى المقاومة، إن دل على شيء فهو يدل على أن من يبيع بلاده لن يلقى سوى المهانة حياً أو ميتاً، كحال ابن العلقمي الذي لن تنساه كتب التاريخ بفضل خيانته.

في خير ثالث، ضجت وسائل الإعلام البديلة، أي وسائل التواصل الاجتماعي بخبر، قتل زوج الفنانة نانسي عجرم لشاب سوري، "لأنه اقتحم منزلهم، وحاول سرقة حقيبة نانسي عجرم" لنكتشف فيما بعد أن الشاب كان يعمل في بيت المذكورين، وكان مسلحاً بمسدس بلاستيكي، وقتل بـ 16 رصاصة، أي أن فعل الدفاع عن النفس تجاوز حده بشكل كبير، طبعاً من البديهي مناقشة تفاصيل القصة غير المعقولة حيث إن الفيلا التي اقتحمت محروسة بثلاثة حراس، ومن المتسحيل لسارق أن يقتحم بيتاً مسكوناً وفيه حرس، دون أن نتحدث عن تعاطي وسائل الإعلام اللبنانية مع الحدث باستخدام تعابير عنصرية فوق العادة، وعبارات

لو كانت هناك أية جمعية أو مؤسسة تدافع عن حقوق السوريين في لبنان، لاقتيد مديرو التلفزيونات واقتيد فنانون واقتيد صحفيون نتيجة تشهيرهم بإنسان لم تثبت إدانته حتى الآن

التضامن التي تلقتها نانسي من صديقاتها الفنانات المشحونة بالعنصرية والتمييز، مع التشديد على نشر صور "الشاب المقتحم" ونشر صور جثته، في انتهاك غير معقول لحقوق أي متهم أو أي إنسان، ولو كانت هناك أية جمعية أو مؤسسة تدافع عن حقوق السوريين في لبنان، لاقتيد مديرو التلفزيونات واقتيد فنانون واقتيد صحفيون نتيجة تشهيرهم بإنسان لم تثبت إدانته حتى الآن. وإنما تم الاعتماد على شهادة خصومه في إدانته. ولكننا في الشرق الأوسط حيث لا قانون ولا سلطة سوى سلطة القوة والبطش والاستقواء على الضعيف. ربما مما يزيد الأمر سخرية أن القاضية التي استلمت موضوع التحقيق في القضية هي القاضية غادة عون، المعينة من الرئيس ميشيل عون والتي تنحاز بشكل واضح ومباشر إلى التيار العوني وزعيمه جبران باسيل، كاره السوريين والعنصري بامتياز.

الخبر الرابع ربما هو الأهم، فحرائق غابات أستراليا، جاء الثالث خلال ستة أشهر، حيث دمر الحريق خمسة ملايين هكتار من الأراضي، ودمرت حوالي 1500 بيت، وأجبرت الآلاف على النزوح من بيوتهم، وجاءت الحرائق نتيجة ارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق في العالم، وأدت إلى نفوق ما يزيد على 500 مليون حيوان بري يعيش في غابات وأحراش أستراليا، مما يعتبر ثاني أكبر كارثة بيئية في العالم بعد حرائق الأمازون العام الماضي، التي أتت على ملايين الحيوانات والأشجار وأدت إلى انبعاثات غير مسبوقة من الكربون في الغلاف الجوي مما سيزيد على المدى القريب من ارتفاع حرارة الكوكب.