وليد جنبلاط ينقذ العهد القوي

2019.11.14 | 16:38 دمشق

438_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

لا يحب وليد جنبلاط الشهداء. يحب الضحايا والقتلى. لا تحتمل باكويته عجزها عن امتلاك معنى دم أريق في سياق لا يحكم السيطرة على مفاصله ومعانيه، وخصوصا إذا كان ثورة تحمل في كل ما ترسمه من لوحات سمة الجديد.

دم علاء أبو فخر كان نوعا جديدا من الدماء لا يعرف البيك سبل تدبيرها. كان دما درزيا ولكنه لم يمنح نفسه للبيك كي يكون وليّه والناطق باسمه.

كان دما محرجا لأن صاحبه لم يخرج من حزبيته بل جمدها، وحرص أن يدفع بها إلى تماس مباشر مع ثورة قرأ البيك أنها تستهدف زمنه، فخرج لمواجهتها بكل العدة القديمة محاولا الالتفاف عليها بحبها وتأييدها، بينما يعمل في الآن نفسه على قمع الراغبين في المشاركة فيها تحت جناح الظلام.

ولكن هذه الرغبة في قمع الناس اصطدمت بواقع البيك، فهو يشتهي أن يكون نبيه بري

في لحظة سقوط الشهيد علاء أبو فخر ذهب جنبلاط في اتجاه التهدئة والإعلان أنه لا بديل عن الدولة والجيش

أو حسن نصرالله ولكنه لا يستطيع ذلك، فيعمد من دون أن يدري إلى السكن في ركاكة العونية وهشاشتها.

يدبر سياقات قمع هزيلة اتخذ بعضها صيغة المباشرة، ولكنه ما يلبث أن يعود إلى صيغته الأثيرة أي القمع تحت عنوان الحكمة والتعقل.

في لحظة سقوط الشهيد علاء أبو فخر ذهب جنبلاط في اتجاه التهدئة والإعلان أنه لا بديل عن الدولة والجيش. فعل ذلك في لحظة تضاءلت فيها الدولة إلى مجرد عهد نما تحت ظله الإلهي الظرف الذي جعل مشهد قتل الشهيد علاء بهذا الشكل الوقح والاستعراضي ممكنا.

لا يمكن أن يقدم عسكري على توجيه سلاحه مباشرة إلى متظاهر أعزل، وأن يطلق النار عليه بقصد القتل خارج بنية مماثلة لبنية هذه الدولة التي يكرس البيك مرجعيتها في لحظة شديدة الحرج.

هذه الدولة نفسها تسخر من تلك المرجعية التي نسبها لها جنبلاط ويشير أحد ضباطها بأصبعه الوسطى وبمسدسه في وجه متظاهرين يطالبون برحيل رمزها المقيم في القصر الجمهوري، وتختطف المتظاهر السلمي خلدون جابر وتعذبه وتخفيه بشكل قسري.

اعتبر جمهور الثورة العهد مسؤولا عن اغتيال علاء وكان هذا التوجه طاغيا وغالبا على كل ساحات الثورة وميادينها حيث عمدت كل ساحة إلى تصميم شعارات وأهازيج تطالب الرئيس بالرحيل.

البيك عمد إلى إجهاض هذا المناخ على مراحل كان أولها فتح نقاش حول انتساب علاء إلى الحزب التقدمي وفي حق الحزب في اعتباره شهيدا له، تم بعد ذلك خطف مشهد تشييع رمزي له في رياض الصلح برفقة محازبي وأنصار الحزب التقدمي.

خلت شعارات هذا التشييع الرمزي من المطالبة برحيل الرئيس وقدمت مشهدية نزع الشرعية عن هذه المطالبة وتسفيهها، كما أنهت محاولات تحويل تشييع علاء إلى ثورة عامة وعارمة، تستطيع تركيب مشهد مليوني يتيح فرصة جدية لإسقاط الرئيس.

الانتقال من التشييع الرمزي إلى التشييع الفعلي في مدينة الشويفات ضيق الساحة وأعادها إلى ما كان جنبلاط يريده لها أن تكون. وضعنا البيك أمام مشهد تشييع يقوده زجال يهتف للقائد قائلا "عنا أبو تيمور وبكفي كل ما يجو يحرقو لبنان بيرجع أبو تيمور بكفي" في مقابل مشهد احتجاج شعبي أمام وزارة العدل يطالب بسقوط الرئيس والإفراج عن المخطوف خلدون جابر المخفي قسرا على يد مخابرات الجيش.

إخراج الشهيد من الساحات وإعادته إلى الحزب رغما عنه أفسح المجال أمام الوقاحة الأمنية المتمادية، حيث خرج وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال المستقيلة الياس أبو صعب، ما إن انتهت الجنازة، بتصريح يعلن فيه صراحة أن القوى الأمنية لا تستطيع بعد الآن مراعاة ظروف أي شخص، في إشارة صريحة الى أن الحل الأمني لم يتخذ وحسب بل صار بديهيا وشرعيا.

كان مشهد قتل علاء ذروة لم تكن السلطة تستطيع تغطيتها وتجاوزها، ومأزقا عميقا

تحول المطالبون بإسقاط الرئيس إلى فصيل وليس إلى ثوار. أفقدهم جنبلاط شرعية النطق باسم الشهيد علاء أبو فخر.

كان من شأنه رسم حدود صارمة أمام استخدام السلطات للقوة، ولكن ما إن اتخذ جنبلاط سمة ولي الدم وحرم الثوار من هذا الموقع، حتى وجدت السلطة نفسها جاهزة لتنفيذ كل مسارات الحل الأمني بأقصى ما يمكن من الوقاحة والغطرسة.

تحول المطالبون بإسقاط الرئيس إلى فصيل وليس إلى ثوار. أفقدهم جنبلاط شرعية النطق باسم الشهيد علاء أبو فخر.

عرانا جنبلاط من الشهيد وسلخه عن جلد الثورة لأنه كان يريد لزمنه الديمومة والاستمرار، ولأنه يعلم أن هذا الزمن في بنيته العميقة ليس سوى نسخة رديئة من العونية والإلهية.

يعرف البيك خصومه ويراهم منتشرين في ساحات الثورة، وقد هاله أن يكون علاء منهم ولهم فحرص على اقتلاعه من الساحات، مانحاً الشرعية لزمان الرثاثة العوني والغلبة الإلهية مرة جديدة بعد مرات كثيرة سابقة.  

بعد علاء يعتقد البيك أن الشهادة لم تعد ممكنة بالمعنى الجامع نفسه، لذا سيهدأ ويدعو إلى الحكمة ويعد القتلى مع الرئيس الظل ومع السيد وأصبعه. ينتظر البيك هزيمتنا كي يقول إنه كان يحاول حمايتنا وإنقاذنا منا، وإن من واجبنا مساعدته على شرعنة زمان البؤس، ولكن ما لا يفهمه البيك أننا نحيا في جديد يعيد في كل لحظة ابتكار أدواته وأساليبه، وينتج الأفكار من الحدث لا من الكتب.