icon
التغطية الحية

وزارة الثقافة تطلق صرخة حنين للاستبداد السوفييتي.. مجلدان في تحليل الشر الأميركي

2023.06.23 | 07:28 دمشق

آخر تحديث: 23.06.2023 | 09:23 دمشق

الثقافة
+A
حجم الخط
-A

يمكن ببساطة النظر إلى إصدار "الهيئة العامة السورية للكتاب" مجلدين عملاقين في إطار "المشروع الوطني للترجمة" بعنوان: "صفحات من تاريخ الولايات المتحدة"، من تأليف مجموعة من الباحثين السوفييت وصدرا في العام 1987، على أنه مجاملة بعقلية تصاغرية لكنها مكلفة نوعاً ما، لـ "الرفاق" الروس الذين باتوا اليوم مع "الإخوة" الإيرانيين سادة سوريا وحكامها الفعليين!

الكلفة التي ينتبه لها المتابع للشؤون المحلية السورية تتعلق حقاً بقيمة الورق والحبر للجزأين اللذين بلغ عدد صفحاتهما 2580 من القطع الكبير، في ظل الادعاء بأن "العقوبات المفروضة" و"الحصار الجائر" على سوريا يعيقان كل شيء في الحياة، حتى طباعة الكتب المدرسية، وأنه أيضاً يؤثر على استمرار المؤسسات الثقافية في أداء عملها. غير أنه، وكما يتبين هنا، لا يمنع القائمين عليها من هدر الموارد، التي يجب أن تُكرس للحفاظ على الحد الأدنى من مقومات الدراسة والتعليم!

ثقافة

من جهة أخرى، وبعيداً عن المقاربات المحرجة مع واقع البلد المحتلة من قبل النظام الاستبدادي ذاته، يمكن النظر إلى الموضوع على أنه "صرخة حنين" إلى زمن الاتحاد السوفييتي أطلقها أصحابها أخيراً بعد أن حبسوها ثلاثة عقود ونصفاً، أي منذ تاريخ صدور هذا "السفر الكبير" المتاح إلكترونياً للقراءة، ليقولوا من خلالها إنهم ما زالوا يرون الأمور من خلال هذه الزاوية، أي رؤية الباحثين الشيوعيين الذين يتبعون في دراساتهم مناهج تنبع من رؤى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي الحاكم، والتي هي في الأصل تنفيذ فعلي للقرارات السياسية في عهد الحرب الباردة.

لا حاجة لشرح مضامين الدراسات المديدة هنا، إذ يمكن وببساطة استدعاء كل آليات القراءة التي تطبق مبادئ النظرية الماركسية اللينينية في تحليل المجتمعات الغربية المعادية للدولة السوفييتية، والتي ترى في المقابل أن هذه الدول هي شر كامل، طالما أنها رأسمالية.

يرى جزء من الذين درسوا في المعاهد والجامعات السوفييتية أن ما جرى في تلك البلاد، أي مرحلة الغلاسنوست والبريسترويكا، مؤامرة دبرتها الإمبريالية العالمية للنيل من أكبر قوة تقف في وجه مطامعها!

لكن يمكن التوقف عند علاقة السوريين والعرب الذين يستعيدون مثل هذه الأبحاث، التي نسيها أصحابها بعد أن لحسوا مضامينها بجرة قلم، وقرروا  المضيّ في ظلّ تغيير النظام الاشتراكي المخطط بآخر رأسمالي، تنطبق عليهم ملامح ما هو سائد في الدول الغربية لجهة المظاهر، ولكن بمضامين طفيلية كارثية بدأت ببيع مؤسسات الشعب الإنتاجية، وكذلك نفطه وغازه، لطبقة من المسؤولين الذين نهبوا الدولة في الماضي، وجاء أولادهم ليكملوا طريق اللصوصية، وقد انعكس هذا الواقع على القطاع العلمي حيث تم استبدال المؤسسة التي أصدرت هذين الكتابين أي "أكاديمية العلوم في الاتحاد السوفييتي" (1925-1991) بأخرى تحمل اسم "الأكاديمية الروسية للعلوم"، وهذا النوع من الدراسات التي كان يصدرها "معهد التاريخ الشامل" بأخرى يصدرها مركز تخصصي اسمه "معهد الولايات المتحدة وكندا".

يرى جزء من هؤلاء، وخاصة الذين درسوا في المعاهد والجامعات السوفييتية بأن ما جرى في تلك البلاد، أي مرحلة الغلاسنوست (سياسة الانفتاح والشفافية) والبريسترويكا (إعادة الهيكلة)، مؤامرة دبرتها الإمبريالية العالمية للنيل من أكبر قوة تقف في وجه مطامعها، وأنه تحت شعارات براقة كالديمقراطية والحرية جرى تدمير الاتحاد السوفييتي، الذي كان بدوره سنداً للأنظمة الوطنية التقدمية والتي يأتي في مقدمتها النظام السوري.

نعم، لقد تغيرت الحال في تلك البلاد، ولكن لم يتغير الوضع في سوريا، حتى مع موت الأسد الأب وقدوم ابنه ومعه جحفل "الذئاب الشابة" التي بدأت نهباً فظيعاً لموارد الدولة وثروات السوريين، ولم تتغير الرؤى لدى عشاق الساحة الحمراء والجيش الأحمر، حيث بقيت شرائح من هؤلاء تؤمن بأن عليها البقاء على عهدها مع الماضي، ولا سيما الجانب الفخم منه أي ذلك الذي يربط العناوين والأسماء مع الرهبة والقوة والامتلاء، ولهذا وجد هؤلاء في البروباغندا البوتينية عن استعادة روسيا لقوتها ووقوفها في وجه الولايات المتحدة جنتهم المفقودة، فذهبوا صوبها لاهثين، يطبلون ويزمرون لها، ويصدحون بإنجازاتها وأفعالها.

لا نحكي هنا عن مجموعة بسيطة من الموظفين السوريين الذين لم يمتلكوا أي مؤهلات سوى الشهادات التي عادوا بها، بعد أن دفعوا أثمانها وفق العرف الذي كان سائداً آنذاك ليترا من الويسكي أو صندوق (كروز) دخان مارلبورو الأميركية، بل نتحدث أيضاً عن جزء واسع من منتسبي الحزب الشيوعي السوري جناحي خالد بكداش ويوسف فيصل، الذين ما زالت أدمغتهم عالقة بالمنجل والمطرقة، ولم يمنعهم تبدل حال النظام في روسيا وتحوله إلى المافيوية من اعتباره وريثاً للعهد الذي ما زالوا متيمين فيه.

ومن وراء هؤلاء يقف جمعٌ غفير من الشيوعيين العرب، ينسخون أفعال رفاقهم السوريين فيؤيدون نظام الأسد، ويدافعون عنه، ويعتبرون أنه ما زال قلعة تقدمية في وجه الرجعية وإسرائيل والغرب. وبالتوازي مع هذا يدافعون عن روسيا البوتينية ويخوضون عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الحرب ضد أوكرانيا من خلال نشر الأخبار من مصادر روسية، وتكذيب المصادر الأوكرانية!

أخبار وكالة أنباء النظام (سانا) لا تغيب بما تنشره عن سياق أفعال هؤلاء، خاصة حين تكرر البث تلك عن الانتصارات الروسية، وبما يفوق قدرة القارئ على استيعاب مقدار السذاجة، وخاصة تكرار الأرقام المهولة عن أعداد القتلى من الجنود الأوكرانيين يومياً.