icon
التغطية الحية

هيرابوليس (منبج) من مدينة مقدسة إلى كنوز مبعثرة

2018.04.03 | 18:04 دمشق

إحدى اللوحات الفسيفسائية التي تم اكتشافها في مدينة منبج
تلفزيون سوريا - نزار حميدي
+A
حجم الخط
-A

تحولت مدينة "منبج" الواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" شرق حلب إلى مصدر للآثار المهربة، ونقطة تجمع وسوق حرة يصل إليها مهربو الآثار مع قطع أثرية مسروقة من تدمر والرقة والحسكة، تمهيداً لتهريبها إلى دول الجوار كتركيا والعراق ولبنان ومنها إلى باقي أنحاء العالم.

وما يشجع مهربي الآثار على محاولة التنقيب في "منبج"، هو عدم وجود جهات تفرض رقابة فعلية على تنقيب آثار تختصر تاريخ حضارات عدة تعاقبت على المنطقة لم يكتشف الكثير منها حتى الآن، ويعود تاريخها لأكثر من أربع آلاف سنة.

 فتوسعت عمليات التنقيب التي كان يحتكرها متنفذون في النظام عقب سيطرة الجيش الحر عام 2012 لينفذها منقبون بطريقة غير منظمة بسبب قلة الخبرة، لكن هذه العمليات وصلت ذروتها خلال السنوات الأخيرة، سواء على يد السكان المحليين أو أشخاص مرتبطين بتنظيم "الدولة" أو حزب "الاتحاد الديمقراطي" الذي يسيطر على قوات سوريا الديمقراطية.
 

عمليات تنقيب بإشراف ديوان "الركاز"

بداية عام 2014 سيطر تنظيم "الدولة" على "منبج" ومحيطها، وأسس ما يعرف باسم "ديوان الركاز" المسؤول عن جميع الثروات المدفونة تحت الأرض من آثار وأموال ومعادن ثمينة، فسمح هذا الديوان للأهالي بالتنقيب عن الآثار بشرط الحصول على ترخيص منه ضمن شروط، وهي:

1. أن يكون الشخص المنقب عن الآثار في أرض ما، هو نفسه صاحب الأرض أو حاصل على إذن من صاحبها، أو أن تكون الأرض ملكاً للدولة.

2. بعد العثور على أي آثار من ذهب أو فضة أو أوان خزفية أو نحاسية أو فضية يدفع المنقب "زكاة" تتناسب مع قيمة هذه الآثار.

3. إذا تمَّ العثور على تماثيل أو لوحات أو آثار نقشت عليها أي مجسمات يجب تسليمها جميعاً لديوان "الركاز" ليقوم بإتلافها باعتبارها محرمة.

الكثير من المنقبين تركوا العمل بالتنقيب عن الآثار بسبب وجود الشرط الأخير خشية تحطيم التنظيم هذه التماثيل أو سرقة عناصر ديوان "الركاز" هذه القطع وبيعها عوضاً عن إتلافها، وفق أحد العاملين بالتنقيب، حيث يقول إنه عثر على خنجر مغولي أثري يقدر سعره بنحو 25 ألف دولار أمريكي، لكن ديوان "الركاز" صادره بسبب وجود رسومات عليه.

 

"الاتحاد الديمقراطي" يحمي المنقبين ويستخدمهم

بعد انتزاع "قوات سوريا الديمقراطية" منطقة "منبج" من يد تنظيم "الدولة" في شهر آب من عام 2016، شاركت قيادات عسكرية وسياسية بعمليات التنقيب، سواء بشكل مباشر أو عن طريق معارفهم وأقاربهم، من خلال تسهيل عمل الأشخاص من ذوي الخبرة وتأمين الحماية لهم.

ويقول (ع. ب) أحد العاملين في هذا المجال لموقع تلفزيون سوريا "إن دورية تتبع لـ "قوات سوريا الديموقراطية"، داهمت منزله بعد نحو خمسة أشهر من سيطرتها على مدينة "منبج" بهدف البحث عن آثار أو معدات تنقيب، ليتبين له لاحقا أنهم لم يأتوا بمهمة رسمية، مضيفاً أن الدورية كانت تتألف من ثلاثة عناصر يقودهم "رافي بن لادن"، الذي عرض عليه العمل معهم بالتنقيب عن الآثار مقابل الحماية اللازمة، لكنه رفض هذا العرض".

وأضاف (ع. ب) "يتلقى الكثير من منقبي الآثار عروضاً مماثلة من مسؤولين في "حزب الاتحاد الديموقراطي" عبر وسطاء مثل محمد مصطفى، أحد أقارب عبدو مصطفى رئيس لجنة الداخلية التابعة في منبج، الذي يتعهد بحمايتهم مقابل نسبة من قيمة الآثار التي يعثرون عليها بهدف توفير الوقت والمال" .

وأكد أيضاً أن مسؤولي "حزب الاتحاد الديموقراطي" تعاونوا مع "أبي رمضان" صاحب مجابل زفت قرب منبج ولديه خبرة في التنقيب عن الآثار وأشخاص غيره.

لاحقاً، أسست "الإدارة الذاتية" "دائرة آثار" بإشراف "سروان كيتكاني" من مدينة عين العرب/ كوباني، واستعانت بأصحاب الخبرة والعاملين سابقاً في مجال الآثار لإدارة أعمال التنقيب بشكل احتكاري.

وتسمح "دائرة الآثار" لبعض المتنفذين والمقربين من قيادات الحزب بالتنقيب عن الآثار داخل المدينة تحت إشرافها ومراقبتها، على أن تحصل على حصة تبلغ 60% من قيمة ما يجده المنقب من الذهب، بينما تستحوذ على كل ما يجده من قطع أثرية كالتماثيل واللوحات وغيرها، مقابل منحه مكافأة مالية.

ومن بين هؤلاء الأشخاص الذين استعان بهم "حزب الاتحاد الديمقراطي" للعمل في "دائرة الآثار" مسؤول مكتب الآثار السابق في عهد النظام فواز المرشد، والذي ورث المنصب من والده وشقيقه الأكبر، نظراً لخبرته الكبيرة في هذا المجال والتي اكتسبها من مرافقة البعثات الأجنبية خلال التنقيب في المواقع الأثرية، إضافة لامتلاكه خرائط للمدينة القديمة بحكم عمله السابق.

كذلك استعان الحزب بعبد الوهاب شيخو المكنى "أبي جعبر"، وهو خبير وباحث آثار متخرج في كلية الآثار بلبنان، وكان والده أحد المنقبين عن الآثار خلال فترة سيطرة النظام على منبج، فيما سار هو على خطى والده خلال فترة سيطرة تنظيم "الدولة".

 

 

نشر أخبار مضللة حول عمليات التنقيب

استخدم "الاتحاد الديموقراطي" وسائل إعلام تابعة له لتغطية زيارات أجراها مسؤولون في "الإدارة الذاتية" إلى المواقع الأثرية خلال عمليات البحث، وإخبار العثور على بعض المكتشفات الأثرية، أو ضبط عمليات لتهريبها وبيعها بين الحين والآخر، بهدف إظهار نفسه كسلطة شرعية تنقب عن الآثار لمصلحة وطنية وتمنع تهريبها.

كما نشرت "دائرة الآثار" التابعة للإدارة الكردية في منبج مقطع فيديو مطلع العام الجاري حول اكتشاف كنيسة بيزنطية قرب حي "الصناعة"، حسب عبد الوهاب شيخو، المشرف على عمليات التنقيب.

واتهم كل من شيخو ورئيس "دائرة الآثار" في الفي تنظيم "الدولة" بتخريب المكان والسطو على محتوياته الأثرية، لكن مقربين من "شيخو" قالوا إنه كان قد اتفق مع التنظيم قبل انسحابه من "منبج" على حفر هذا المكان وطبعاً بشروط "ديوان الركاز".

وأشاروا إلى اكتشاف عبد الوهاب شيخو موقع اللوحة الفسيفسائية الذي تقع تحته الكنيسة وهي تحوي على قطع أثرية داخل قبر الكاهن، مؤكدين أن أجزاء من اللوحة تعرضت للتخريب من قبل عناصر التنظيم بسبب الرسومات التي تحويها.

وأوقف عناصر التنظيم "شيخو" من مواصلة التنقيب عقب خلاف بينهم بسبب اللوحة، وبقي الموقع على حاله لحين سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" حيث أكمل "شيخو" بعد ذلك عملية التنقيب.

ويسعى " عبد الوهاب شيخو" والقادة المتنفذون في حزب "الاتحاد الديمقراطي" من نشر هذا الفيديو لتحميل تنظيم "الدولة" مسؤولية التخريب والتغطية على سرقة محتويات قبر الكاهن والكنيسة.

وأعلنت "الاستخبارات الكردية" أواخر العام الماضي مصادرة قطع أثرية تقدر قيمتها بنحو 50 ألف دولار أثناء محاولة مجموعة من الأشخاص بيعها في حارة "الشيخ عقيل" بمدينة منبج، إضافة لمصادرة قطع أثرية كانت لدى بعض الأفراد منهم "عبدو الأسود"، و"أبو علي الرباب" وشخص يعرف بـ "الكعود".

وتأتي هذه العمليات للتغطية على عمليات تهريب تجري بإشراف قيادات كردية من "منبج" إلى "عفرين" ثم إلى منطقة "الريحانية" التركية وصولاً إلى شخص يعرف بـ "الدكتور" يعمل على تصريف هذه القطع لصالح "حزب الاتحاد الديمقراطي" وشبكات التهريب المرتبطة به في منطقة أضنة.

 

 

أبرز المواقع الأثرية التي جرت فيها عمليات التنقيب داخل مدينة منبج:

1. طريق الجزيرة: يقع في الجهة الشمالية الغربية من مدرسة "حسن الضامن" وهو موقع أثري يضم مقابر تعود لحقب عديدة أهمها الحقبة الرومانية، وبدأت عمليات الحفر والتنقيب في هذا الموقع قبل نحو 8 أشهر استمرت لثلاثة أسابيع وتوقفت بعدها.

2. معبد هيرابوليس (Hierapolis): وهو موقع أثري يقع تحت الحديقة العامة في مدينة منبج، بدأت عمليات الحفر فيه قبل نحو ستة أشهر واستمرت لعشرة أيام تقريباً، وزار الموقع خلال هذه المدة عدد من الخبراء الأجانب أربع مرات، قادمين من مدينة عين العرب / كوباني بحماية الوحدات الكردية بحجة تفكيك شبكة أنفاق تركها تنظيم "الدولة".

3. المعبد البيزنطي: يقع قرب الفرن الاحتياطي سابقا عثر فيه على لوحة كبيرة من الفسيفساء بطول نحو ثلاثة أمتار وعرض ثلاثة أيضا.

4. مقابر رومانية في الحارة الجنوبية من مدينة منبج.

5. وسط المدينة: اكتشف أحد الأهالي نفقاً يقع في هذه المنطقة غرب دوار "الكرة الأرضية" عند "نزلة الدامرجي"، وذلك أثناء قيامه بأعمال حفر لتشييد أساسات بناء جديد قبل نحو خمسة شهور، لتضع "دائرة الآثار" يدها على الموقع، وتبدأ بأعمال البحث والتنقيب، إذ يعتقد أن الموقع يحوي أسواقا قديمة تعود لعدة عصور.

6. حي الحزاونة قرب دوار الدلة: كذلك تم العثور على مغارة تعود للعصر الروماني، أثناء حفر أساسات أحد الأبنية قبل نحو ستة أشهر.

 

مواقع أثرية خارج مدينة منبج:

1. جبلة أم السرج: تقع جنوب مدينة منبج بنحو 10 كم، وهي موقع أثري يخفي بداخله مغارة لها مدخل كبير ارتفاعه نحو سبعة أمتار، ويعتقد أنها تعود للعصر الحجري، إلا أنها شهدت توسعة في الحقبتين اليونانية والرومانية، ولم تكتشف بشكل كامل بعد، شرعت "دائرة الآثار" التنقيب فيها قبل نحو أربعة شهور وسط حراسة مشددة واستخدام أجهزة حديثة، وما تزال الأعمال فيها مستمرة.

2. مواقع أثرية أخرى في المرتفعات المشرفة على جسر نهر الفرات بمنطقة "قره قوزاق" شرق منبج.

 

مواقع قريبة من منبج

1- تل أحمر: يقع جنوب مدينة جرابلس وهو موقع أثري يخفي تحته مدينة "برسيب" التي كانت عاصمة مملكة " بيت عديني" الآرامية، حيث بدأت عمليات الحفر في هذا الموقع بداية العام الماضي، عثر فيه على كميات كبيرة من القطع الأثرية والذهب.

2- موقع أثري قرب بلدة المنصورة بريف الرقة الغربي: وهو عبارة عن معبد يهودي ما تزال عمليات الحفر فيه مستمرة، وزاره خبراء أجانب.

كلمات مفتاحية