icon
التغطية الحية

هل يمكن أن تعشق خوارزمية؟

2023.10.24 | 06:07 دمشق

آخر تحديث: 24.10.2023 | 06:07 دمشق

2013
من فيلم "هنا 2013"
+A
حجم الخط
-A

في قمة الأمم المتحدة للذكاء الاصطناعي بمدينة جنيف السويسرية، أقيم حوار مع روبوتات على هيئة بشرية. الحوار كان بين الصحفيين والروبوتات. 

شاركت تسعة روبوتات في الحوار والإجابة عن أسئلة الصحفيين. بين الروبوتات كان هناك فنان واقعي جداً كما ادّعى مبتكره وهو على شكل أنثى. سُئل الروبوت عن تنظيم الذكاء الاصطناعي، فأجاب: "تقترح الأصوات البارزة في عالم الذكاء الاصطناعي ضرورة تنظيم بعض أشكال الذكاء وأنا أوافق على ذلك". لكن نجمة الروك في جلاكسي جيم كان لها وجهة نظر مختلفة، إذ قالت: "أنا لا أؤمن بالقيود، فقط أؤمن بالفرص. دعونا نستكشف إمكانيات الكون ونجعل هذا العالم ملعبنا".

أثار هذا المؤتمر جدلا واسعا بين العرب على السوشال ميديا. البعض اعتبر الأمر مخيفا، وذهب البعض إلى التقليل من شأنه ووصفه بأنّه مجرد هراء يمكن لأيّ خطأ في البرمجة أن يمسح المنظومة بأكملها.

أمّا السينما فقد سبقت هؤلاء بإنتاج فيلم عام 2013 بعنوان: "هنا 2013".

قصة الفيلم تتناول حياة رجل انفصل عن زوجته، يعمل كاتب رسائل في موقع إلكتروني. نشاهده في الطريق إلى منزله، في الحافلة، يضع السماعات في أذنيه، ويتحدّث إلى هاتفه. يطلب منه أن يعرض عليه الرسائل والأخبار.

هنا
بوستر الفيلم

المشهد في الحافلة مثير جدًا، كلّ شخص يتحدّث إلى هاتفه، الجميع يعيشون عالمهم الخاص. مجرد أجساد تجتمع في حافلة لا تتواصل مع بعضها، ولا يرى أحد وجه أحد. الكلّ يعتمد على حاسة السمع، يتلقّى الرسائل، ويجيب عنها، أو يصدر أمرًا للجهاز بتجاوز الرسالة أو حذفها. بتجاوز الخبر أو إكماله.

يصل بطل الفيلم إلى البيت يتحدّث إلى نفسه. ويلعب لعبة إلكترونية يفرغ فيها شحنات غضبه. ثمّ يأوي للفراش. السماعات في أذنيه يطلب من هاتفه أن يبحث له عن امرأة في مواقع الدردشة. يعثر على واحدة يمارس معها الجنس وينام.

بطل الفيلم كان يمتلك حياة أسرية عادية لكن زوجته طلبت الطلاق. كان مترددا، لم يوافق على التوقيع مباشرة. أجّل الأمر كثيرا واضطر أخيرا للتوقيع.

كل شيء يقود إلى العزلة

على لوحة إعلانات يرى مشهدا ترافقه هذه الكلمات: "دعنا نسألك سؤالًا بسيطًا، من تكون؟ ما يمكن أن تكون؟ أي مكان تقصد؟ ما الموجود فيه؟". الدعاية كانت لنظام تشغيل يدّعي صاحبه أنّه ينصت لما تقول، يفهمك، ويعرف طبائعك. إنّه ليس نظام تشغيل فقط، بل كيان واعٍ!

اشترى "ثيودور" نظام التشغيل أو إس 1 بدأ الحاسوب يسأله عدة أسئلة قبل أن يبدأ النظام عمله ومن بينها هل يريد النظام بصوت رجل أم امرأة. اختار أن يكون امرأة.

ذلك الاختيار كان الخطوة الأولى إلى تضخم إحساسه بالعزلة والوحدة وبداية تعلقه بنظام التشغيل الذي حملت صاحبته اسم "سامانثا". تطورت العلاقة بينهما إلى حد شعورهما بأنهما وقعا في الحب. اقترحت سامانثا أن تجرب علاقة معه مختلفة بإرسال فتاة من لحم ودم تقوم بدورها تفهم ما يريده وما تريده هي. لكن الأمر لم يتم كما أرادت. لم يستطع تيودور تقبل الفكرة.

صار يغار حين تتحدث إليه وتتحدث إلى غيره في الوقت نفسه. ثمّ تعطل الجهاز لزمن قصير. كان يبحث عنها كالمجنون، تأثره بغيابها كان أكبر من تأثره حين انفصل عن زوجته خاصة بعد أن عرف أنها على علاقة بكثيرين يستخدمون نظام التشغيل.

تغيب سامانثا نهائيًا بعد أن تترك له رسالة مؤثرة. "أريدك أن تتركني ارحل، فبقدر رغبتي بالبقاء معك تمنعني عدم مقدرتي على الاستمرار معك. لا أعرف أين سأكون، لكن إن وصلتَ إلى هناك يومًا فابحث عني، فلن يستطيع شيء وقتها أن يفرّقنا عن بعض. لم يسبق أن أحببت شخصًا كما أحببتكَ أنت" رد تيودور وهو يبكي "وأنا كذلك!". المثير في هذه المشاهد التي من المفروض أن تكون المشاهد الأخيرة في الفيلم أنّها حوّلت الآلة إلى إنسان من لحم ودم. يشعر بالحب والكراهية والفقد. وليس مجرد معلومات محشوة في نظام تشغيل.

من المتوقع أن ينتهي الفيلم هنا فقد وصل إلى قمة الحدث المؤثر والذي أقنع المشاهد بمدى واقعيته! لكن غير المتوقع حصل فقد أراد صنّاع الفيلم أن يكون الإنسان البشري محافظًا على بشريته وإن مرّ بأزمة الحياة الإلكترونية لدرجة عشقه لنظام تشغيل وتفكيره بالارتباط به. فنرى أنّ الفيلم يستمر وكأنّ هناك انقطاعاً حاداً بين ما مضى منه وما سيأتي لكن الشخصية الرئيسة "تيودور" سرعان ما ينظر حوله ليرى العالم الذي يعيش فيه.

قبل زواجه كان يعيش قصة حب مع صديقة له ارتبطت بصديق آخر وتزوج هو لكنهما بقيا على تواصل. تلك الصديقة انفصلت عن زوجها وبقيت وحيدة وهنا صار الطريق ممهدا أمام تيودور.

عاد تيودور إلى صديقته القديمة ليشكو لها حاله وليكتب لها رسالة أخيرة، يخبرها فيها أنّها هي الباقية في حياته دائمًا!

قد تكون انتكاسة كما يظهر في الفيلم لكنها ليست كذلك، بل هي عودة للحياة الطبيعية ورفض للحياة الافتراضية بكل تفاصيلها المقلقة. وكأنّ صُنّاع الفيلم الذين أرادوا إقناع المشاهد طوال الفيلم أنّه يمكن أن يعشق الرجل نظام تشغيل بصوت أنثى إلى درجة اقتراف الحماقات، والبكاء، والغيرة، الجنونية، والتخلي عن عالمه كاملًا، يقتنع فجأة أنّ الواقع أبقى وأكثر دفئًا وحميمية، بل هو الحقيقة التي لا يمكن أن يتفوق عليها الافتراض مهما عظمت قوته وكان تأثيره قويًا.

إذن لم يكن الفيلم يدعو إلى الاندماج في ذلك العالم الافتراضي المجنون، بل على العكس كانت الرسالة الواضحة في النهاية هي العودة إلى العلاقات البشرية الطبيعية بعيدا عن التكنلوجيا المدمرة.