هل يقطع "موميكا" الطريق على عضوية السويد في الناتو؟

2023.07.02 | 06:37 دمشق

هل يقطع "موميكا" الطريق على عضوية السويد في الناتو؟
+A
حجم الخط
-A

هل أطلقت السويد النار على قدمها وهي تستعد لقمة ليتوانيا بهدف الحصول على العضوية الأطلسية، وبعدما منحت محكمة الاستئناف في ستوكهولم وبحماية الأجهزة الأمنية، أحد مواطنيها من أصل عراقي فرصة أخرى لإضرام النار بنسخة من المصحف الشريف؟

الإجابة قد تكون عند تركيا التي تفاوضها منذ أشهر على طلب الانضمام من دون نتيجة حتى الآن. فأنقرة الغاضبة حيال ما جرى قبل أيام لن تتردد في إعادة المفاوض السويدي إلى خط البداية خالي الوفاض وتركه ينتظر لفترة جديدة رغم كل الضغوط الغربية التي تتعرض لها.

يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد هذا "العمل الدنيء" كما وصفته القيادات السياسية التركية "إن ستوكهولم ورموز الغطرسة الغربية سيتعلمون عاجلا أم آجلا أن إهانة المسلمين ليست حرية فكر". وهو كلام متمم لما ردده أردوغان في مطلع شهر شباط المنصرم معقبا على حادثة مماثلة "إن إضرام النار بنسخة من القرآن الكريم سيدفعنا للرد بأقوى طريقة ممكنة حتى تتم محاربة التنظيمات الإرهابية وأعداء الإسلام، وأن تركيا لن تسهل للسويد الانضمام للناتو طالما استمرت في السماح باحتجاجات تهين المصحف الشريف".

يبدو أن ستوكهولم لم تتلق الرسالة التركية كما ينبغي. فإقدام المواطن السويدي من أصل عراقي سلوان موميكا بحماية العشرات من رجال الأمن على تمزيق وحرق المصحف خارج المسجد الرئيسي في ستوكهولم، هو ليس الأول من نوعه بطابع عنصري استفزازي ديني يقع هناك ضد العالم الإسلامي. لكن التوقيت بالنسبة للعلاقات التركية السويدية مهم وحرج. فستوكهولم تنتظر الضوء الأخضر التركي من أجل الالتحاق بحلف شمال الأطلسي منذ أكثر من عام، وهناك مفاوضات تجري بين الطرفين باتجاه تنفيذ مذكرة مطالب قدمتها أنقرة في حزيران العام المنصرم، وتعهدت السلطات السويدية بقبولها. لكنها تفعل العكس اليوم وهي تسهل لموميكا التطاول على أهم الرموز الدينية لدى المسلمين. فهل تتلقف ستوكهولم رسالة دائرة الاتصالات التركية هذه المرة؟، إذ "لا يمكن لدولة تريد أن تكون شريكا لنا في الناتو أن تسمح لعناصر إرهابية معادية للإسلام بالقيام بأعمال هدامة من هذا النوع"؟

ما جرى قبل أيام قد يكون بمنزلة الضربة الموجعة لملف عضوية السويد في الناتو، وقبل أقل من أسبوعين على القمة الأطلسية المرتقبة في ليتوانيا

يطالب الجانب التركي السويد بمراجعة قوانين الإرهاب وتغيير أسلوب التساهل مع مجموعات تعتبرها أنقرة إرهابية مثل عناصر للكيان الموازي المحسوب على فتح الله غولن وكوادر لحزب العمال الكردستاني الموجودة عندها. وتدعو تركيا السويد للتشدد حيال نشاطات من يتحرك تحت غطاء حرية الرأي والتعبير في استهداف المصالح والمؤسسات التركية هناك. ثم تتعهد ستوكهولم أن تكون أكثر دقة وانفتاحا حيال ما تقوله وتريده أنقرة، لكن ما جرى قبل أيام قد يكون بمنزلة الضربة الموجعة لملف عضوية السويد في الناتو، وقبل أقل من أسبوعين على القمة الأطلسية المرتقبة في ليتوانيا.

ردة الفعل التركية وكما هي أيضا في العالم الإسلامي مرتبطة بإضرام النار بنسخة من المصحف الشريف بضوء أخضر من القضاء السويدي، وبحماية الشرطة ورجال الأمن، وفي أول أيام عيد الأضحى المبارك، وفي وضح النهار أمام العشرات من العدسات وأعين أبناء الجالية الإسلامية في السويد. فهل هناك عمل استفزاز وتحد تقوم به السويد أكثر من ذلك وهي على طريق قبولها من قبل تركيا الشريك المسلم في أحد أهم وأقوى التحالفات العسكرية في العالم؟

وقعت السويد في حزيران العام المنصرم مذكرة تفاهم مع تركيا تحاول العواصم الغربية أن تكون الضامن بتنفيذ بنودها أمام أنقرة. وحضر الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ من أجل ذلك إلى تركيا في مطلع الشهر المنصرم، محاولا إزالة رواسب ما جرى في كانون الثاني المنصرم بعدما أدى إحراق نسخة من القرآن أمام السفارة التركية، إلى خروج تظاهرات استمرت أسابيع رافقتها دعوات للتصعيد ضد السويد ولمقاطعة منتجاتها. يدعو ستولتنبرغ تركيا لفتح صفحة جديدة بعيدا عما تردده القيادات التركية حول عدم تنفيذ التعهدات المقدمة على هامش قمة مدريد، وما وقع من "ممارسات صادمة" لا يمكن قبولها بحسب الأتراك وقبل قمة الحلف المرتقبة في فيلنيوس في 11 تموز الحالي. لكن السويد وبدلاً من التعامل بجدية مع المطالب التركية على طريق تسريع عضويتها في الحلف، تتجاهل رفع علم حزب العمال الكردستاني على مقر البرلمان السويدي قبل أسابيع، ومسألة عدم مشاركة وزير الخارجية التركي في قمة أوسلو الأخيرة احتجاجا على مواقفها. وهي اليوم وبدلا من ذلك، تفتح الطريق تحت غطاء "حرية التعبير" لنسف كل ما تم إنجازه على خط أنقرة – ستوكهولم في الأشهر الأخيرة.

كان الحديث يدور حول تزايد الضغوط الغربية والأميركية تحديدا على القيادات التركية لدفعها نحو تليين مواقفها قبل قمة الناتو وفتح الطريق أمام عضوية السويد، وكان هناك زيارة الأمين العام لحلف الأطلسي لتركيا في مطلع حزيران المنصرم، ثم المحادثات التركية السويدية المكثفة، والتحضير لقمة ثنائية في السادس من شهر تموز الحالي تسبق قمة فيلنوس. لكن ما جرى أمام المسجد المركزي في ستوكهولم قد يعرقل الأمور ويعيد البلدين إلى خط البداية من جديد كما يبدو.

أنقرة ستخيب آمال البعض لأكثر من سبب يتقدمه التعامل مع ردة الفعل القائمة في العالم الإسلامي حيال ما جرى في ستوكهولم وصعوبة الذهاب في الاتجاه المعاكس

حادثة إضرام النار في نسخة القرآن الكريم قبل أيام ستعقد العلاقات التركية السويدية أكثر فأكثر وستحول دون وقوع المفاجأة التي تراهن عليها العديد من العواصم الغربية في قمة الحلف في ليتوانيا. أنقرة ستخيب آمال بعضهم لأكثر من سبب يتقدمه التعامل مع ردة الفعل القائمة في العالم الإسلامي حيال ما جرى في ستوكهولم وصعوبة الذهاب في الاتجاه المعاكس.

صحيح أن موسكو جاهزة لتوتير العلاقات التركية الأطلسية وهي لها مصلحة كبيرة في ما جرى قبل أيام وقد تكون إحدى أجهزة الاستخبارات الإقليمية قدمت لها خدمة من هذا النوع. لكن ردة فعل بوتين ومسارعته لإعلان تضامنه مع العالم الإسلامي والتنديد بالحادثة، سيكون مفعولها أكبر وأقوى من ردة فعل بعض العواصم الغربية وواشنطن تحديدا لدى العالم الإسلامي. وإنَّ رمي الكرة في ملعب نظرية المؤامرة لا يكفي حتما لنتهم أجهزة استخبارات خارجية بالتحريض وافتعال الحادثة فهناك قرار محكمة الاستئناف السويدية وتحرك أجهزة الشرطة لتوفير الحماية لموميكا من أجل الوصول إلى ما يريد.

لقد فقدت ستوكهولم فرصة الاستقواء بأميركا وستولتنبرغ بعد ما حدث. وأسوأ الاحتمالات هو القول إنه عمل سويدي متعمد لقطع الطريق على عضويتها في الناتو بعدما شعرت أن أنقرة ستواصل تصلبها ولن تمنحها ما تريد في قمة ليتوانيا؟