هل لروسيا مصلحة في مصالحة تاريخية بين تركيا وأرمينيا؟

2020.11.25 | 23:28 دمشق

20191022114417dppp-urn_binary_dpa_com_20090101_191022-99-398509-filed.h.jpg
+A
حجم الخط
-A

أضاع الغرب وواشنطن على وجه الخصوص، فرصة وصول حكومة حليفة لهم إلى السلطة قبل عامين في يريفان، لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين حلفائهم، باكو ويريفان وأنقرة، وتحقيق عدة أهداف استراتيجية، منها تعزيز نقاط الضغط على طهران عبر بوابتي باكو ويريفان، وأيضاً إضعاف حلقة النفوذ الروسي في جنوب القوقاز، بإبعاد دولة أخرى عن الدوران في فلك موسكو.

وطالب جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، قبل أكثر من عامين أثناء زيارته أرمينيا، طالب علانية يريفان بالتخلي عن "الكليشيهات التاريخية" في علاقاتها الدولية، ولم يخف أن الحديث يدور عن الصداقة التقليدية مع موسكو، كما قال بأنه يتوقع من نيكول باشنيان "القائم بأعمال رئيس الوزراء الأرمني وقتها بعد الانتخابات اتخاذ خطوات استباقية بشأن تسوية إقليم قره باغ، بالإضافة لترويجه للأسلحة الأميركية، وانتقدت وزارة الخارجية الروسية تصريحات بولتون، وجاء في بيان لها، "بدا كما لو أنه ليست هناك وقاحة أكثر من تلك التي لا يمكن تمييزها عن التدخل المباشر في الشؤون الداخلية، اتضح أن الأمر ليس كذلك".

بحث بولتون من بين الأمور الأخرى في يريفان، مواجهة طهران، وفي دردشة خاصة مع دبلوماسي أرميني رفيع، قال فيها لكاتب هذه السطور، إن إيران منفذنا البري الوحيد، كيف يمكننا أن نسير في خطط ومشاريع واشنطن في ظل إغلاق الحدود التركية والأذربيجانية في وجهنا، مع استمرار الـتأزم في العلاقات بين روسيا وجورجيا، وبكلام آخر، لا يمكن الابتعاد عن طهران دون تحسن العلاقة مع تركيا التي بدورها ستقود إلى فتح الحدود البرية، وأعلن الرئيس التركي تركت أوزال، أوائل التسعينيات، الحاجة إلى المسؤولية السياسية للبلاد عن الجمهوريات "الناطقة بالتركية". وفي عهده اتخذ قراراً بإغلاق الحدود البرية مع أرمينيا، التي كانت في ذروة مواجهتها العسكرية مع أذربيجان، حال دون تحقيق واشنطن والعواصم الغربية أهدافها ورغباتها في المنطقة، العديد من العوامل.

حيث يأتي ميل واشنطن نحو أرمينيا إلى حد كبير من خلال الرغبة في الضغط على تركيا، ولا يتعلق الأمر بالعلاقات الأرمينية - التركية، بقدر ما يتعلق بالخلافات الأميركية - التركية في الشرق الأوسط، التي تفاقمت بعد عام 2013 في الحروب السورية، من خلال دعم إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني (مصنف على قوائم الإرهاب في حلف الناتو وعدة دول إقليمية)، وتهديد من خلال ذلك مصالح دولة عضو في الحلف الأطلسي، بالإضافة إلى ملف تسليم فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، ويُنظر في الوقت نفسه إلى تعاون أرمينيا مع روسيا وإيران على أنه تحد خطير لموقف الولايات المتحدة في القوقاز .

يأتي ميل واشنطن نحو أرمينيا إلى حد كبير من خلال الرغبة في الضغط على تركيا، ولا يتعلق الأمر بالعلاقات الأرمينية - التركية، بقدر ما يتعلق بالخلافات الأميركية - التركية في الشرق الأوسط

يصعب أيضاً النظر إلى التحرك الدبلوماسي الفرنسي حيال نزاع القوقاز فحسب من خلال تأثير اللوبي الأرمني في فرنسا، حيث نلاحظ ماكرون معارضاً لأنقرة في البحر المتوسط، وكذلك الموقف الفرنسي من الخلافات التركية – اليونانية، وقضية قبرص المعقدة، والمواجهة في ليبيا، ودعم باريس الإرهاب الانفصالي في الجمهورية العربية السورية، الذي يهدد وحدة أراضي الجمهورية العربية، ولاحقا سيهدد تركيا ودول أخرى بما فيها روسيا في القوقاز الجنوبي والشمالي.

استطاعت روسيا إيقاف حرب قره باغ الثانية، بعد وساطتها في إنجاز اتفاق ينظر إليه اليوم على أنه تاريخي بين أرمينيا وأذربيجان، وبعد استكمال تنفيذ كامل بنود الاتفاق، التي من بينها "تبادل للأراضي" أو للممرات البرية، ستسيطر موسكو على حركة النقل بين أرمينيا وجزء من جيب قره باغ عبر أراضي أذربيجان، وبين أذربيجان وجيب إقليم ناخشيفان الأذربيجاني عبر الأراضي الأرمينية، إلا أن هذا الشق من الاتفاق تحديداً، يبقى غير كامل، مع استمرار إغلاق الحدود البرية بين أرمينيا وتركيا.

ويعتقد نيكول باشينيان رئيس وزراء أرمينيا أن إلغاء حظر روابط النقل سيغير منطق التنمية بالكامل في المنطقة، وقال معلقاً على هذه النقطة في البيان الثلاثي للاتفاق في حديث لوكالة تاس الروسية "هذه نقطة مهمة للغاية، وأعتقد أنه في المستقبل القريب يجب أن نركز على هذا، لأنه عندما نتحدث عن الاستقرار الاقتصادي ليس فقط في أرمينيا ولكن في المنطقة بأسرها، يجب أن نتخذ خطوات ملموسة".

نجد موسكو اليوم، قادرة على إحياء الاتفاقات الدبلوماسية التي تم التفاوض عليها بين تركيا وأرمينيا في عام 2009، لا سيما فتح الحدود البرية بين البلدين الجارين

ونجد موسكو اليوم، قادرة على إحياء الاتفاقات الدبلوماسية التي تم التفاوض عليها بين تركيا وأرمينيا في عام 2009، لا سيما فتح الحدود البرية بين البلدين الجارين، فمع تنفيذ العديد من بنود الاتفاق الذي رعته روسيا بين باكو ويريفان، وسيطرتها على طرق ناخشيفان ولاتشين الاستراتيجية، فإن أحد العوائق الرئيسية أمام تنفيذ البروتوكولات التي سبق وتم التوقيع عليها بين أنقرة ويريفان قد أزيل.

لا يمكن تجاهل مدى تأثير فتح الحدود البرية في المساعدة على تحسين الوضع الاقتصادي في أرمينيا على وجه الخصوص، ووصولها إلى العالم الخارجي، كما ستفيد المقاطعات التركية المتاخمة لأرمينيا حيث يرغب السكان المحليون منذ مدة طويلة في توثيق العلاقات لتعزيز اقتصاداتهم المحلية.

وكانت أنقرة قد فاجأت باكو أواخر العام 2009، بالإعلان عن بداية التطبيع مع أرمينيا عدو أذربيجان وتركيا اللدود، واستنكرت أذربيجان وقتها تلك الخطوة، معتبرة أن ذلك سيؤدي إلى زيادة التوتر في منطقة جنوب القوقاز، إذا لم تترافق مع حل لأزمة إقليم ناغورني قره باغ والأراضي الأذربيجانية المحتلة من الجانب الأرميني.

إحياء مسيرة التطبيع التركي الأرمني، سيكون لها تأثير ليس فقط في تغيير السياسة الخارجية وعناصرها الإقليمية لكل من تركيا وأرمينيا، وإنما في معادلة جيوسياسية جديدة بكل المقاييس، والعلاقات التركية الأرمينية خارج الحدود أكثر تعقيداً، وذلك في ظل رفض ومعارضة معظم لوبيات أرمن الشتات للتطبيع، وفي الواقع، فإن هذه العملية لابد أن يرافقها معالجة ملموسة لظاهرة الاحتقان، أو معالجة الأسباب الجذرية للتوترات التي من شأنها أن تؤدي إلى زيادة في درجة من الثقة بين الدول.

تمتد الحدود المشتركة بين أرمينيا وتركيا لمسافة 330 كيلومتراً، ولم يتم بعد إقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين، والعلاقات المعقدة بين البلدين الجارين تسببها جملة أمور، أبرزها مطالبة أنقرة يريفان، تسوية النزاع مع أذربيجان، والقيام بأبحاث حول أحداث 1915 في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمنية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراكاً وأرمن، وخبراء دوليين، وحل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة"، الذي يعني باختصار التخلي عن النظرة الأحادية الجانب إلى التاريخ، وتفهم كل طرف ما عاشه الآخر، والاحترام المتبادل لذاكرة الماضي لدى كل طرف.

ويبقى القول، بعد إبرام موسكو اتفاق إنهاء المعارك بين أذربيجان وأرمينيا مع خريطة جديدة لقوى السيطرة تختلف عن تلك التي أعقبت حرب قره باغ الأولى، وصحيح أننا هنا لا نتحدث عن اتفاق السلام الشامل، إلا أنه أيضا يبدو الاتفاق ناقصاً، مع استمرار الانسداد البري في حدود أرمينيا التركية.

والسؤال: هل لروسيا مصلحة اليوم في إكمال ما بدأته في قره باغ وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين تركيا وأرمينيا؟!، بعد أن كشفت حرب قره باغ الثانية من بين أمور كثيرة أخرى، أن مصالح أرمينيا هي مع موسكو وأنقرة وليست في واشنطن وباريس.