icon
التغطية الحية

هل كان أوباما بطلا؟ كيماوي الأسد في قراءة أميركية غريبة

2018.12.16 | 20:12 دمشق

الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما (إنترنت)
عمر الخطيب - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أعاد مقال جديد في موقع "حرب على الحجارة" الأمريكي الجدل من جديد حول سياسة إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في سوريا ومسؤوليتها عن صعود الدور الروسي الدولي وعدوانها العسكري على سوريا، لا سيما بعد موقف أوباما من الهجوم الكيماوي على الغوطة الشرقية في آب 2013، الذي يعتبره كثيرون بمثابة الضوء الأخضر لما تلا ذلك من تطورات.

 

برنامج سي آي إي السري!

الصحفي والباحث الأمريكي "أرون ستين" يخالف هذا الرأي في مقال تحليلي جديد نشره في موقع "حرب على الحجارة" الأمريكي المتخصص في الأبحاث الاستراتيجية، ويرى أن التدخل العسكري الروسي في سوريا جاء أيضاً وبنفس الوقت بسبب الموقف الأمريكي، ولكن ليس بسبب تخاذله أو تراجعه عن الالتزام بخط أوباما الأحمر، بل بسبب الجهود الأمريكية المتخبطة وغير النهائية لإسقاط النظام.

وشكل هجوم النظام السوري بالأسلحة الكيماوية على الغوطة الشرقية بريف دمشق، 21 آب 2013، نقطة تحول كبيرة في مسار الثورة السورية، وبحسب الكثير من المحللين فردة فعل الإدارة الأمريكية آنذاك قدمت رسائل مهمة لرأس النظام ولروسيا وإيران، مفادها أن أمريكا لا يعنيها كثيراً تغيير النظام ولن تبذل في سبيل ذلك الكثير من الجهد، ومهدت ردة الفعل هذه للخطوة الروسية التالية في احتلال أجزاء من أوكرانيا في عام 2014 والتدخل العسكري المباشر في سوريا في أيلول 2015.

وتعرض المقال لعدة انتقادات من صحفيين ومختصين بالشأن السوري، وبنفس الوقت أثنى عليه بعض المحسوبين على الكرملين، من حيث إنه يعترف بدعم أمريكي عسكري للإطاحة بالأسد كالصحفي "جوشوا لانديز" الذي وصفه بالرائع لأنه يقدم بحسبه "كيف أخطأت أمريكا بجهودها لتغيير النظام في سوريا دون الأخذ بعين النظر الرد الروسي".

ولانديز هنا يمتدح ما ذكره ستين بأن إدارة أوباما، وعلى عكس ما يعتقده الكثيرون، أرادت فعلاً التخلص من نظام الأسد ودليله في ذلك هو البرنامج الذي قيل إن المخابرات الأمريكية "سي آي إي" أطلقته تحت اسم "Timber Sycamore"  لتأمين دعم عسكري لبعض الفصائل السورية.

ويلفت المقال إلى دور صواريخ "التاو"، ويمضي إلى القول إن الوضع الحرج للأسد في عامي 2014 و2015 واقتراب نظامه من الانهيار كان الدافع الرئيسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإرسال جيشه إلى سوريا، وقيامه بحملة من القصف العنيف والمكثف لتحسين موقف نظام الأسد.

 

كيف يكون الفشل إذاً!

من جهته غرد الباحث الأمريكي "تشارلز ليستر" معلقاً على المقال، بأنه يحوي أشياء مهمة

الوضع المتأزم والخطير لنظام الأسد أمام مكاسب المعارضة، والتي دفعت روسيا للتدخل العسكري، كانت بسبب جهود المعارضة و"الدعم المقدم من المنطقة"

ولكنه ذكر عدة ملاحظات في تغريدته، فـ "المقال يُضّخم من مناهضة إدارة أوباما للأسد كما أنه، أي المقال، يقلل من الآثار الجيوسياسية للتراخي، الأمريكي، في آب 2013".

وحول برنامج الدعم السري الذي تحدث عنه ستين في مقاله واعتبره وراء مكاسب المعارضة الكبيرة، يشرح ليستر بأن هذا البرنامج لم يكن له ذلك التأثير الكبير، ولا يعتبر أنه كان "نجاحاً باهراً"، فالوضع المتأزم والخطير لنظام الأسد أمام مكاسب المعارضة، والتي دفعت روسيا للتدخل العسكري، كانت بسبب جهود المعارضة و"الدعم المقدم من المنطقة".

الأسلحة الخفيفة والمتوسطة التي قدمتها أمريكا بالإضافة لأعداد، محسوبة، من الصواريخ المضادة للدروع بمواجهة حرب مع جيش نظامي، بحسب ليستر، كانت فقط لضمان بقاء الفصائل "ضمن اللعبة ولكن ليس للانتصار أو للهيمنة"، حيث إن الإدارة الأمريكية تعاملت مع فصائل الجيش الحر على قاعدة دعمهم بحيث يتمكنون من "البقاء لكن ليس الفوز"، وأضاف ليستر بأن استراتيجية الإدارة لم تكن تعمل على إسقاط النظام في دمشق، وأدت بالتالي إلى تراجع فصائل الحر، بسبب الاستراتيجية الأمريكية التي أصبحت واضحة، أمام الفصائل الإسلامية.

ويضيف ليستر "إذا كنا نسمي هذا نجاحاً فكيف يكون الفشل"، تعليقاً على ما وصفه ستين في مقاله بنجاح أمريكي في إضعاف النظام ودفعه لحافة السقوط لولا التدخل الروسي، فلو كان "الجهد السري" للولايات المتحدة في سوريا ضد النظام ناجحاً أو ذو شأن، لكانت الإدارة قادرة على المستوى السياسي، أن تحقق نجاحاً في عملية المفاوضات، وفرض وقف إطلاق نار ومناطق خفض التصعيد، بينما ما حصل هو العكس تماماً، فروسيا أجهضت دور المجتمع الدولي ومسار جنيف المدعوم أمريكياً وشكلت مساراً جديداً تحت عنوان أستانا استثنت فيه أمريكا والأمم المتحدة.

ويدلل ليستر على كلامه بكشفه عن معلومات حصل عليها من ديبلوماسيين أوروبيين، بشكل منفصل، أخبراه بأن "مسؤولين روس قالوا لهم إن التهديد الأمريكي والضربات الجوية الأمريكية من قبل، دفعت موسكو للقبول باتفاقية سوتشي حول إدلب" ومرد ذلك إلى سلوك إدارة ترامب التي نفذت ضربات صاروخية بعد استخدام الأسد للكيماوي، فضغط الإدارة السياسي على موسكو أتى بنتائج بسبب امتلاكها خياراً عسكرياً تم اختباره من قبل.

 

"عن أي برنامج تتحدث؟"

من جهته قال الصحفي "جيت جولد سميث" في سلسلة تعليقات على المقال بأن قيام الأسد "بحرق البلد لم يكن أبداً بسبب برنامج سري لمخابرات الـ سي آي إي أو بسبب عمل أمريكي ما" وأضاف متهكماً "كيف يمكن كتابة مقال كامل عن أعمال النظام في سوريا عبر فرضية وجود عمل أمريكي ما وبنفس الوقت عبر فرضية تقاعس أمريكي" فبرنامج المخابرات الأمريكية السري وصواريخ الـ "تاو" المضادة للدروع لم يكن لها دور كبير "في دفع النظام لحافة الانهيار في عامي 2013 - 2014 بل إن الكثير من المحللين والمتابعين سيخبرونك بأن هذا البرنامج عمد إلى إضعاف المعارضة بدلاً من تقويتها، وبالرغم من ذلك ظل النظام على حافة الانهيار".

 

خطأ استراتيجي

وبالعودة للمقال، يرى ستين أن تدخل بوتين جاء بسبب التدخلات الأمريكية وبرنامجها السري لتزويد المعارضة بالأسلحة، ولكن برنامج الاستخبارات الأمريكية

يجب على الإدارة الأمريكية الاستفادة مما حصل في سوريا حتى تكون قادرة بشكل مناسب على تقدير ردة الفعل الروسية

كان يعاني من عدة نقاط ضعف بسبب تردد الموقف السياسي للإدارة، وبالنهاية تم تحويل هذا الجهد إلى محاربة تنظيم داعش وتجاهل نظام الأسد، وبرغم ذلك يبقى، برأي الكاتب، التدخل الأمريكي أحد العوامل الأساسية للتدخل الروسي.

ويعترف الكاتب بأن هذا التدخل كان أقل من المطلوب وأدى لنتائج من "الدرجة الثانية" قادت لخطأ استراتيجي بدفع روسيا للتدخل، ويجادل الكاتب أن الخطورة فيما حدث في سوريا هو أن المزيد من التدخل الأمريكي عبر "حروب غير تقليدية" في دول أخرى بالمنطقة، هو مسألة وقت لا أكثر، وبالتالي يجب على الإدارة الأمريكية الاستفادة مما حصل في سوريا حتى تكون قادرة بشكل مناسب على تقدير ردة الفعل الروسية.

 

10 أيام غيرت العالم!

لا شك أن ردة فعل أوباما من استخدام الأسد للسلاح الكيماوي عام 2013 كان لها دور كبير في التطورات اللاحقة وإطلاق يد الأسد في استجلاب ميليشيات المرتزقة المتعددة الجنسيات والتابعة في معظمها لإيران بالإضافة للميليشيات الروسية وكانت صحيفة التايمز البريطانية نشرت في شهر آب الماضي تحت عنوان " 10 أيام غيرت العالم" مقتطفات من كتاب جديد سيصدر العام المقبل يرصد أجواء الحكومة البريطانية في أعقاب الهجوم الكيماوي في الغوطة وكيف قام أوباما بتمييع الموضوع مما أدى لعدم توجيه أي ضربة للنظام رغم تجاوزه الخط الأحمر وهو ما أدى بحسب الصحيفة لاحقاً إلى الصعود الروسي ووصول ترامب لرئاسة الولايات المتحدة.

وبالعودة للنقاش الذي تجدد بمناسبة الطرح الجديد في مقال "أرون ستين" يبدو واضحاً أن استخدام النظام للسلاح الكيماوي وطريقة الرد الدولي، بحاجة لمزيد من النقاش وكشف المزيد من الحقائق ودوافع الأطراف الفاعلة يومها لتجاهل ما قام به الأسد، حيث أنهم يتحملون وبشكل مباشر المسؤولية عما حصل لاحقاً ومازال يحصل من استفراد روسي وحشي بسوريا.