هل ستنضم السويد إلى حلف النّاتو؟

2023.07.12 | 06:17 دمشق

هل ستنضم السويد إلى حلف النّاتو؟
+A
حجم الخط
-A

حتى بعد انهيار العائق الإيديولوجي الماركسي بداية تسعينيّات القرن الماضي فإنّ فكرة انضمام روسيا للاتحاد الأوروبي كانت تبدو "فكرة خياليّة" كما في تصريح لبوتين عام 2012، لكنّا قد لا نحتاج إلى إبراز أدلّة إذا زعمنا أنّ المواطن الأوكراني كان يريد من توقيع اتفاقية "التجارة المشتركة" بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي عام 2014 والتي رفض الرئيس الأوكراني القريب من روسيا وقتها "فيكتور يانوكوفيتش" التوقيع عليها، ما أشعل ثورة شعبية ضد الأخير شارك بها المواطن الأوكراني – قد لا نحتاج إلى إبراز أدلّة لتأكيد ما هو طبيعي مثل أن يؤيّد المواطن الأوكراني الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي تمهيدا لدخول أوكرانيا الاتحاد ذاته الذي يوفر لدوله ولمواطني تلك الدول رفاهيّة اقتصادية وأنظمة ديمقراطيّة تحترم حقوق الإنسان داخل حدود تلك الدّول على الأقل!

روسيا بدورها تعتبر أوكرانيا مجالاً حيويّاً لروسيا فترفض روسيا -مباشرة أو عبر مواطنيها الروس الأوكرانيين- أي تقارب بين أوكرانيا وبين "الغرب" بحسب أدبيّات السياسة الرّوسية، لكن وبعد اجتياح روسيا لشرق أوكرانيا وفصل المناطق التي تسكنها الغالبيّة الروسيّة من المواطنين الأوكران، الذين ربما كانوا يرون امتداد أمنهم القومي شرقاً، فما الذي يمنع انضمام ما تبقى من الغرب الأوكراني إلى الاتحاد الأوروبي أو إلى الناتو؟!

إنّ قبول أوكرانيا عضوا في حلف النّاتو قد يؤدّي إلى مواجهة عسكريّة مباشرة بين الناتو وبين روسيا وهذا لا يصب في مصالح دول النّاتو لذلك فإنّ أقصى ما يصبو إليه "زيلينسكي" هو الحصول على ضمانات أمنيّة ومزيد من الدعم العسكري!

ثمة شروط سياسيّة واقتصاديّة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي ورّبما لا تمتلك أوكرانيا اليوم الاقتصاد المطلوب ولا النظام السياسي الديمقراطي الذي يحترم حقوق الإنسان بنسبة مقبولة في ظل الانقسام الشعبي، والجغرافية الممزّقة من جرّاء الحرب مع روسيا، فأوكرانيا إذاً ليست جاهزة للدخول إلى الاتحاد الأوروبي وعلى المواطن الأوكراني ألّا يتوتّر أمام تناقض مصيره وهو يحارب في سبيل ما يعتبره القادة الأوروبيون "الديمقراطية الغربيّة" التي لن يكون بمقدور الأوكراني التّمتع بها! 

أمّا انضمام أوكرانيا للناتو فهو "مستحيل" كما وصف الرئيس الأوكراني "زيلينسكي" والعديد من القادة الغربيين من الألمان والأميركان على وجه الخصوص، إذ إنّ قبول أوكرانيا عضوا في حلف النّاتو قد يؤدّي إلى مواجهة عسكريّة مباشرة بين الناتو وبين روسيا وهذا لا يصب في مصالح دول النّاتو لذلك فإنّ أقصى ما يصبو إليه "زيلينسكي" هو الحصول على ضمانات أمنيّة ومزيد من الدعم العسكري!

بجوار ذلك يلقى انضمام السويد لحلف النّاتو حماساً كبيراً، فمنذ شهور وأميركا تطالب بتسريع انضمام السويد للحلف وتركيا التي وافقت على انضمام فنلندا قبل أشهر لا تزال تعارض انضمام السّويد!

صرّح الرئيس التركي "أردوغان" قبيل مغادرته تركيا إلى ليتوانيا للمشاركة في قمة الناتو في "دافوس" أنّ "على الاتحاد الأوروبي أن يفسح المجال أمام انضمام أنقرة إلى الاتحاد، قبل موافقة البرلمان التركي على طلب السويد الانضمام إلى الناتو" أمّا مفاوضات تركيّا مع الاتحاد الأوروبي للانضمام إليه فيمكن تسميتها بالمفاوضات المارتونيّة إذ بدأت مذ نحو خمسين عاماً من دون الوصول إلى نتائج حتّى الآن!

في الرد على تصريحات الرئيس التركي حول ربط انضمام السويد إلى النّاتو بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قال المستشار الألماني "أولاف شولتس" خلال مؤتمر صحفي في برلين: "يجب عدم اعتبارهما موضوعين مرتبطين"، فيما قال المتحدث باسم البيت الأبيض: "إن الولايات المتحدة كانت دوماً تدعم تطلعات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ولا تزال تدعمها، مضيفاً أن هذه المناقشات مسألة بين تركيا وأعضاء التكتل"!

ثمة العديد من التناقضات يمكن أن تشهدها قمة الناتو في فيلنيوس يومي 11 و12 من الشهر الجاري إذ من المتوقع أن يطرح الرئيس الأوكراني انضمام أوكرانيا للحلف بعد انتهاء الحرب التي تقتضي مصلحة أوكرانيا نهايتها قريباً، وستدعم تركيا مثل هذه الخطوة في حين ستحاول دول أخرى كألمانيا وأميركا تقديم البديل للرئيس الأوكراني!

لكن هل يأمل الأوكران بتوقف الحرب قريبا؟

إذ يبدو الأوكرانيّون وهم يحاربون على أرضهم عدو الناتو ويدافعون بطبيعة الحال عن اقتصاد الديمقراطيات القريبة يبدون عالقين بين مصالح الناتو الذي ليس من مصلحته قبول انضمام أوكرانيا له؛ وبين مصالح الاتحاد الأوروبي الذي يقتضي الدخول إليه استقرارا اقتصاديّا وسياسيّا تفتقده أوكرانيا في الوقت الحاضر!

بالمقابل: إذا كانت الحرب الأوكرانيّة الروسيّة قريبة من نهايتها فلماذا "الاستعجال بضم السويد" للناتو؟!

ويظل السؤال الأبرز: هل ستوافق تركيا على انضمام السويد لحلف الناتو؟

تعهد الرئيس التركي قبل أيام باتخاذ ما سماه "القرار الأفضل" بشأن انضمام السويد لحلف الناتو" فتركيا تتهم السويد بإيواء "عناصر من حزب العمال الكردستاني" المصنف على لوائح الإرهاب تركيّا.

أمام الإلحاح الأميركي لتسريع انضمام السويد إلى حلف الناتو فإنّ تركيا تفاوض أميركا على شراء F 16 كذلك؛ وبُعيد فوزه بالانتخابات الرئاسيّة الأخيرة شهد الاتصال الأول بين الرئيسين: أردوغان وبايدن محادثات حول انضمام السّويد إلى حلف الناتو -ما يعارضه مجلس النواب التركي- وشراء تركيا طائرات F 16 من أميركا الأمر الذي يعارضه الكونغرس الأميركي!

الخبر الأخير جاء من فيلنيوس مساء الإثنين؛ إذ قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ينس ستولتنبرغ" إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "وافق على إحالة طلب السويد الانضمام للحلف العسكري إلى البرلمان التركي في أقرب وقت ممكن والعمل عن كثب مع المجلس لضمان التصديق عليه" بينما لم يحدد موعدا دقيقاً لذلك مقابل مساندة السويد لتسريع ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي!

الحقيقة على حرارة تلك التصريحات فإنّ إمكانيّة تطبيقها سيكون هو الفيصل أي أنّ المسائل الأمنيّة ستظل رهن عمل الأجهزة التركيّة وما ستقدّمه من تقارير للبرلمان التّركي لتشجيعه على الموافقة أو عدم الموافقة

ونقلا عن "ستولتنبرغ" فإنّ ستوكهولم طمأنت تركيا بأنها لن تدعم التنظيمات الإرهابية "بي كي كي" و"بي واي دي" و"غولن"، بعد عضويتها في الناتو، وأنه سيتم إنشاء آلية أمنية ثنائية جديدة بين أنقرة وستوكهولم، وفي سبيل ذلك سيعين النّاتو "منسقاً خاصاً لمكافحة الإرهاب" لأول مرة في تاريخ الناتو!

الحقيقة على حرارة تلك التصريحات فإنّ إمكانيّة تطبيقها سيكون هو الفيصل أي أنّ المسائل الأمنيّة ستظل رهن عمل الأجهزة التركيّة وما ستقدّمه من تقارير للبرلمان التّركي لتشجيعه على الموافقة أو عدم الموافقة على تصديق قرار انضمام السّويد لحلف النّاتو ما يعني -ربّما -أنّ الأمر سيظل عالقاً لبعض الوقت لجدّيّة عمل "الآليّة الأمنيّة الثنائيّة" بين السّويد وتركيا.