هل "الحزام والطريق" الصيني يمرّ في أرض العرب؟

2022.12.14 | 06:23 دمشق

هل "الحزام والطريق" الصيني يمرّ في أرض العرب؟
+A
حجم الخط
-A

قبل يومين فقط من وصول الرئيس الصيني، شي جون بينغ، إلى العاصمة السعودية الرياض، رفع البنتاغون إلى أعضاء الكونغرس تقريره الأمني السنوي عن الصين، محذراً من أن البلاد تخطط لتوسيع سلطتها بشكل كبير، وأنها في طريقها لزيادة مخزونها من الرؤوس الحربية النووية من 400 إلى 1500 رأس نووي بحلول العام 2035. كما أشار التقرير إلى اتخاذ الحزب الشيوعي الحاكم في بكين مواقف أكثر عدوانية تجاه جزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي.

أما الرئيس بايدن، فقد تعهّد مراراً وباستمرار بأن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان ضد أي تهديد صيني، لكن البيت الأبيض أكد في السياق نفسه أن سياسة الولايات المتحدة ثابتة في احترامها لوحدة الصين وسيادتها.

من الجلي للمراقب أن الصين تحاول دون هوادة أن ترفع من تصنيفها العالمي من مصاف القوّة الإقليمية الأكبر في آسيا، إلى مقام الدول الكبرى المهيمنة في العالم مقارَنةً بالولايات المتحدة – الخصم اللدود، وقد أطلقت بكين في دائرة تلك المساعي مبادرة “الحزام والطريق”.

للمبادرة كما يشير اسمها مساران: الأول برّي (الحزام) والثاني بحري (الطريق)، وللمسارين أهداف جيوسياسية أبعد بكثير من ظاهر المبادرة في إحياء طرق التجارة القديمة البحرية والبرية

تغطي هذه المبادرة ما يزيد على 85 دولة، وما نسبته 65% من سكان العالم، الأمر الذي ساعد على إدراجها ضمن كبرى مشاريع البنية التحتية والاستثمار في التاريخ بما يشمل قطاعات التعليم، ومواد البناء، والسّكك الحديديّة والطرق السريعة، والسيارات والعقارات، وشبكات الطّاقة والغاز والنفط والحديد والصلب.

للمبادرة كما يشير اسمها مساران: الأول برّي (الحزام) والثاني بحري (الطريق)، وللمسارين أهداف جيوسياسية أبعد بكثير من ظاهر المبادرة في إحياء طرق التجارة القديمة البحرية والبرية؛ فهي لا تتعلق بالتجارة والاستثمار وحسب، بل ستتجاوزها نحو التأسيس لتحالفات دولية جديدة تعتمد على الكتلة البشرية الضخمة التي تنضوي تحت مظلة المبادرة، ما يضمن للصين هدفها البعيد المدى في ولوجها حلبة الدول الكبرى المؤثرة، وتحقيق التوازن الاستراتيجي مع أوروبا بعامّة، والولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص.

وفي حين تصف الحكومة الصينية المبادرة بأنها “محاولة لتعزيز الاتصال الإقليمي وتبنّي مستقبل أكثر إشراقاً”، يرى مراقبون أنها خطة للسيطرة على العالم من خلال شبكة تجارية عالمية تتمحور حول الصين، أو هي مشروع صيني متكامل لاستخدام هذه المبادرة لأغراض عسكرية لم يعلن عنها.

ومن المثير للاستغراب أن المبادرة الصينية لم تضم أي دولة عربية بشكل رسمي في مساراتها الستة الأساسية.

استثناء الدول العربية من مسارات المبادرة أمر لافت، لا سيما أن الصين تستورد 40% من نفطها من المنطقة العربية. ومع أن الصين تكرّر دائماً رغبتها في تعزيز الشراكة مع الدول العربية، فإن مخطط “الحزام والطريق” لا يعكس هذه الرغبة، بل وقد يؤشر إلى اتجاه الصين إلى التقليل من الاعتماد على مصادر الطاقة في الشرق الأوسط.

رغم هذا الإهمال الصيني للشراكة العربية، إلا أن بعض الدول كانت قد سارعت، بشكل فردي، إلى توقيع اتفاقيات للتعاون مع الصين على هامش المبادرة التي من الطبيعي أن تكون موضع حوار واسع على طاولة اجتماع القمة الصينية التي تستضيفها العاصمة السعودية الرياض بعد أيام.

الأمر الآخر الذي من المفترض أن يكون حاضراً بقوة على طاولة البحث في القمة يدور هو انتعاش العلاقات الصينية الإيرانية

وقد يكون التحدي الأساس للقمة بالنسبة إلى الدول النفطية، هو أن الصين التي تستورد حاجاتها من النفط من دول مجلس التعاون الخليجي، بدأت تبحث عن موارد من خارج الشرق الأوسط، بل وتعوّل على خط أنابيب يمتد بين الصين وروسيا مروراً بآسيا الوسطى كبديل لتأمين حاجاتها.

الأمر الآخر الذي من المفترض أن يكون حاضراً بقوة على طاولة البحث في القمة يدور هو انتعاش العلاقات الصينية الإيرانية، إلى درجة بدت فيها البلدان وكأنهما يدخلان في حلف غير معلن على العديد من الصعد السياسية والثقافية والاستثمارية، في حين تتجاهل الصين علاقاتها مع الدول العربية ولا سيما دول الخليج، وموقف هذه الدول من تقاربها وإيران التي تعيث فساداً وإرهاباً في المنطقة.

أخيراً وليس آخراً في الموقف الأميركي من الزيارة غير المسبوقة التي يقوم بها الرئيس الصيني لشركاء تاريخيين لأميركا، صرّح منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، بأن "الولايات المتحدة الأميركية لا تطلب من الدول الأخرى الاختيار بينها وبين الصين". وفي رده على سؤال إذا كانت زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية تشكل تحدياً مباشراً للمصالح الأميركية في المنطقة خاصة بعد تصريحات الرئيس جو بايدن بأن بلاده لن تنسحب من المنطقة وتترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا، قال بلهجة فيها كثير من اللامبالاة: "من الطبيعي أن القادة يسافرون حول العالم ولديهم علاقات ثنائية".

فهل القمة العربية - الصينية تبدو مجرد لقاءات ثنائية بين قادة عرب وزعيم صيني فاز مجدداً في فترة رئاسية جديدة وهو في موقع استقطاب الشركاء والأخلاف في المنطقة أكثر من أي يوم مضى؟ أتساءل.