هدنة طويلة في غزة ومواجهة أطول في المنطقة

2023.12.23 | 15:40 دمشق

آخر تحديث: 23.12.2023 | 15:40 دمشق

هدنة طويلة في غزة ومواجهة أطول في المنطقة
+A
حجم الخط
-A

رغم أن الإعلان الأميركي عن تشكيل تحالف دولي لحماية البحر الأحمر من هجوم جماعة الحوثي كان مرتبكاً لكنه بات اليوم أمراً واقعاً، هذا الارتباك مرده إلى تردد دول المنطقة وخصوصا الخليجية منها بدخول هذا التحالف المسمى "عملية حارس الازدهار"، ولتردد السعودية سبب واضح متمثل بعدم ثقتها بإدارة بايدن التي تعاملت مع الحوثي والتهديد الإيراني للملكة ببرود شديد وتراخ كبير مثلما فعلت إدارة أوباما سابقاً، ولا ينسى السعوديون بطبيعة الحال من أن الدول الرئيسية المشكلة لهذا التحالف الجديد هي ذاتها من منعت التحالف العربي من استعادة ميناء الحديدة قبل سنوات بعد أن دخلت القوات اليمنية الشرعية بدعم من التحالف العربي إلى قلب مدينة الحديدة وبقي لها 3 كم فقط للوصول للميناء الذي يستخدمه الحوثي لتهريب الأسلحة ولأعمال القرصنة في البحار.

هذا التحالف يعني أن كل محاولات أميركا ودول المنطقة لإبقاء الصراع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة باءت بالفشل، صحيح أن إيران أعلنت منذ أول لحظة أن لا علاقة لها بما قامت به الفصائل الفلسطينية يوم 7 تشرين الأول وأنها لن تتدخل أبداً بشكل مباشر في هذا الصراع، وكذلك فعلت ميليشيا حزب الله بعد أن التزمت بقواعد الاشتباك التي وضعتها أميركا منذ بداية العدوان، وصحيح أن الدول العربية ودول المنطقة لم يتخدو إجراءات ضد دولة الاحتلال تتناسب مع حجم العدوان وفضلت هذه الدول مبدأ السلامة ولم تأخذ حتى إجراءا اقتصاديا خجولا، لكن يبدو أن حسابات الجميع كانت خاطئة ولم يتوقع أحد أن يكون العدوان بهذه الوحشية وأن يستمر لقرابة ثلاثة أشهر وأن ينتج عنه كل هذا الدمار وأعداد الشهداء والضحايا بالآلاف.

إدارة بايدن الذي قدمت للاحتلال كل الدعم الممكن باتت هي اليوم تعاني جراء سياستها المتطرفة في دعم حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون

حكومة الحرب التي يقودها نتنياهو تعيش اليوم تحت ضغوط كثيرة داخلية وخارجية، الضغوط الداخلية تتزايد مع ارتفاع أصوات أهالي الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية والتي باتت كابوساً يؤرق حكومة الحرب هذه، وبدأت المعارضة الإسرائيلية بالحديث عن ضرورة تنحي هذه الحكومة وحملتها مسؤولية ما حدث يوم 7 تشرين الأول وأيضا تتهمها بسوء إدارة الحرب على القطاع. الضغوط الخارجية تمثل تهديدا أكبر لطموحات نتنياهو وفريقه الحكومي لأنها وحدها من تستطيع لجمه، ونتحدث هنا عن الضغوط الأميركية تحديدا، لأن إدارة بايدن التي قدمت للاحتلال كل الدعم الممكن باتت هي اليوم تعاني من جراء سياستها المتطرفة في دعم حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون، هناك انقسام واضح داخل الحزب الديمقراطي لأن هناك طرفا يرى أن بايدن أخطأ حين دعم نتنياهو بهذا الشكل غير المسبوق والذي أدى إلى دمار كبير في قطاع غزة وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحي، تذمر أميركي من حكومة الاحتلال وصل لحد أن يكتب الصحفي الأميركي الشهير توماس فريدمان مقالا في نيويورك تايمز بعنوان: "لقد حان الوقت كي تمنح الولايات المتحدة إسرائيل بعض الحب القاسي".

ومع اقتراب السباق نحو البيت الأبيض من انطلاقه؛ سباق يستعد فيه الجمهوريون بكل ثقة للفوز به. لهذا سيضطر بايدن للضغط على حكومة الاحتلال لقبول هدنة طويلة قد تفضي لوقف كامل لإطلاق النار لأجل إنجاز صفقة شاملة لتبادل الأسرى، صفقة تبدو اليوم قريبة بعد أن وجهت الفصائل الفلسطينية عدة ضربات عسكرية موجعة لجيش الاحتلال في الشجاعية مؤخراً وبات موقفها التفاوضي أفضل من قبل، المفاوضات التي تجري بوساطة قطرية بين أجهزة المخابرات والدبلوماسيين في وارسو وأماكن أخرى تسير بخطى متثاقلة لكنها تحقق تقدما ملموسا، ونستطيع أن نستنتج ذلك من خلال تصريحات الزعماء الأوروبيين الأخيرة والتي طالبوا فيها بشكل واضح حكومة الاحتلال بضرورة تطبيق وقف فوري لإطلاق النار، وأنه لا يمكن استمرار القصف بهذه الوحشية.

وفي كواليس المفاوضات تتحدث المعلومات الشحيحة والتي يسربها بعض الإعلام الإسرائيلي والغربي عن أن حكومة الحرب قدمت مقترحا لهدنة طويلة قد تمتد لأسبوعين مقابل صفقة تبادل للأسرى، هذا المقترح رفضه قادة الفصائل الفلسطينية بشكل قاطع وطلبوا عبر الوسيطين المصري والقطري أن يكون هناك وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب جيش الاحتلال إلى خطوط يتفق عليها الطرفين، ثم تبدأ بعدها مفاوضات تبادل الأسرى والذي يصر فيها قادة الفصائل على أن يكون الكل مقابل الكل.

موقف حكومة نتنياهو التفاوضي أضعف من موقف الفصائل لأنه بعد 77 يوماً من بدء العدوان وبعد اتباع سياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة فشل في تحقيق هدف الحملة الأهم والمتمثل بعودة الأسرى الإسرائيليين أحياء إلى ذويهم.

أصوات البوارج وحاملات الطائرات التي تشق عباب البحر متجهة إلى البحر الأحمر ومنطقة الخليج العربي تنبئنا عن أن كل محاولات إبقاء الصراع داخل فلسطين أمر شبه مستحيل

عامل الوقت ليس في صالح إسرائيل لأن الفصائل الفلسطينية لم يعد لديها ما تخسره اليوم بعد أطنان القنابل التي ألقاها جيش الاحتلال وداعموه فوق بيوت أهل غزة، ولأن عملية قتل جيش الاحتلال لثلاثة أسرى إسرائيليين بعد أن طلبوا الأمان ورفعوا الراية البيضاء أحدثت ضجة كبيرة داخل أروقة الرأي العام الغربي والإسرائيلي، وأصبح عامل الوقت بمثابة سيف مسلط على عنق نتنياهو وطاقمه الحكومي ولم يبق أمامه سوى تجرع السُم وقبول شروط الفصائل الفلسطينية.

أصوات البوارج وحاملات الطائرات التي تشق عباب البحر متجهة إلى البحر الأحمر ومنطقة الخليج العربي تنبئنا عن أن كل محاولات إبقاء الصراع داخل فلسطين أمر شبه مستحيل، وأن تمدد الحرب يسير بخطى متثاقلة خارج قطاع غزة، وفي ذات الوقت بات صعباً على نتنياهو أن يكمل مغامراته الإجرامية في غزة بعد كل هذه الضغوط الداخلية والخارجية لذا الوضع يسير في فلسطين إلى هدنة طويلة جداً ومعقدة أي حالة اللاحرب واللاسلم.